24-مارس-2016

علم داعش في عين الحلوة

بعد النكبة صار الفلسطينيون يشمون روائح غير موجودة. خليط من الروائح يحملها الهواء من فلسطين إلى المخيم. رائحة أزهار البرتقال والليمون والزعتر والأرض في الربيع، كانت تصل من فلسطين إلى المخيم تباعًا، إلى درجة أنها كانت تنتقل بالتناوب بين سكان المخيم وتصيب أهله بحالة من الهوس والجنون. الياس خوري الذي انتبه إلى الأمر سمى ذلك بالخرف الربيعي. 

تصل الحياة إلى الخرف عندما تحكم على اللاجئ بالإقامة الأبدية في نكبته

الآن وبعد ما يقارب سبعين سنة من النكبة وحربها، هناك خرف آخر في المخيمات، خرف لا يتعلق بالناس أو اللاجئين الذين يسكنون المخيمات، إنه خرف الحياة ذاتها، عندما تحكم على اللاجئ بالإقامة الأبدية في نكبته، دون أن يتكلم أو يفكر أو يتحرك بما يتيح له هزيمة المأساة أو تجاوزها.

اقرأ/ي أيضًا: عنا، نحن هؤلاء الضحايا

قبل ذلك، هناك فرق بين ذاكرة اللاجئ الأول، وذاكرة المولود الآن في هذه الساعة وفي هذا اليوم، في مخيم عين الحلوة أو مخيم بلاطة أو البقعة في الأردن، والذي سُجل توًا في بطاقة الأونروا. هناك فرق بين ما سيتذكره اللاجئ الأول، وبينما سيعيشه هذا المولود في المخيم، ثم في المدن الكبيرة، ثم العالم.

ما حدث للمخيمات بالضبط أن المخيم انسحب من صراعه الأساسي مع الاحتلال إلى صراع الحياة اليومي من أجل البقاء، وبموازاة هذا الانسحاب ومعه، قتلت الحياة السياسية في المخيم. انسحبت التنظيمات السياسية اليسارية أو القومية العلمانية من فضاء المخيم العام. وإن بقي حاضرًا في خطاب التنظيمات بوصفه تمثيلًا للنكبة واستمراراها، إلا أن هذا الخطاب على أرض الواقع، لم يعد له أية أدوار في المخيم، لا سيما أن الفصائل ذاتها بأفرادها وقياداتها، تحولت مع الوقت إلى دكاكين صغيرة، تمثل جهات إقليمية، دون أن تملك أطرًا تنظيمية فاعلة على الأرض، أو تملك تنظيرات سياسية تمس تطلعات اللاجئين، حتى على صعيد التربية الوطنية والتنظيمية، أو على صعيد التفاعل الأجتماعي داخل جغرافية المخيم نفسه أو مع محيطه.

مع غياب نموذج الفدائي التحرري الذي يتطلع إلى العودة والتحرير، وُضع الفلسطيني في المخيمات أمام حالات من اللامبالاة السياسية والثقافية والاجتماعية، التي ميزت عمل منظمة التحرير وفصائلها في العقدين الأخيرين، إذ لم يعد يختلف تعاطي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينين مع قضاياهم عن التعاطي الرسمي في الدول المضيفة. التعاطي الذي يقترح على الفلسطيينين السكوت حتى "يفرجها الله". خطورة هذا الشكل من التعاطي تكمن في اقتراحه غير المعلن في تبعية الفلسطينين في المخيمات بخياراتهم السياسية للحلول السياسية الغامضة في الدول المستضيفة، والتي تخدم مشروع إسرائيل في إبعاد المسؤولية الإخلاقية والسياسية عنها. أو تخدم جهات إقليمية أخرى لها مصالحها في تأجيج الصراع  الطائفي في المنطقة.

المخيم الذي يقف عند عتبة السبعين من العمر أمسى مركزًا للاعبين لا علاقة لهم بفلسطين

ولعل دور الجبهة الشعبية- القيادة العامة في الثورة السورية، أو دور الحركات الإسلامية التي وجدت في المخيمات مكانًا وحاضنًا لها، يبرز مشكلة هذا الغياب وتبعاتها. إذا أرادت القيادة العامة متمثلة بأحمد جبريل اصطفاف اللاجئين الفلسطينين مع النظام السوري. في حين أرادت الحركات الاسلامية، بتويعاتها، أن تكون المخيمات نقطة ارتكاز لضرب النظام السوري، سواء كانت هذه الحركات موجودة داخل سوريا أو خارجها. في حين أن الفلسطينيين وإن لم يكن بغالبيتهم، وقفوا بمثقفيهم في الشتات وكتابهم مع الثورة السورية وسلميتها، أي أن مواقفهم من الحدث السوري كانت متماشية مع موقف المثقف السوري، والموقف الشعبي أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: يعيش الجندي مجند أحمد سبع الليل!

وسواء كان ذلك في مخيمات فلسطين أو مخيمات الخارج فالمشهد واحد، فالمخيم الذي كان مركز الحراك السياس الفلسطيني، لم يعد مركزًا لهذا الحراك، المركز اليوم في رام الله وغزة . أما المخيم الذي يقف عند عتبة السبعين من العمر قد اتسع وأمسى مركزًا للاعبين آخرين، وبالطبع هذا الاتساع  ليس بريئا كليًا مما يجري للمخيمات السورية أو اللبنانية، إذ وجدت أجهزة المخابرات مكانًا لها في هذا الاتساع، عبر المتشددين تارة، وعبر تجار الحشيش والسلاح تارة أخرى. عمليًا باتت المخيمات اليوم مكانًا لتكريس سوء الأداء السياسي الفلسطيني.

كل الذي يجري للمخيمات الآن من مشاكل اجتماعية أو سياسية لها علاقة بحسابات إقليمية ومخابراتية، يأتي من اغتيال الحراك السياسي الفلسطيني في المخيم، وتركه يعيش تحت وطأة تأثير أكثر الخيارات تعقيدًا؛ غياب الخيارات. كأن على الفلسطيني دفع ثمن النكبة مرتين، مرة في حدوثها، ومرة أخرى باستمرارها واتساعها.

اقرأ/ي أيضًا:

أن تكون اللاجدوى عراقية!

في جهة الشام المُتخيلة