25-مايو-2023
iuy

دورية تابعة للجيش الأردني أثناء الحملة الأخيرة لضبط تهريب المخدرات القادمة عبر الحدود (Getty)

رغم مرور سبع سنوات، لم تغب عن الذاكرة الأردنية ولم تمحَ منها الحادثة التي استيقظ عليها سكان عمّان، عندما أقدم شاب، أطلق عليه حينها لقب "قاتل أمّه"، على قتل والدته بكل وحشية والتمثيل بجثتها بصورةٍ لا يتصورها العقل، الأمر الذي أثار تساؤلات عن قدرة شخص ما على الانفصال عما حوله وارتكاب مثل تلك الفظاعات، وما إن كان للأمر ارتباط بتعاطي المخدرات.

يصعب حصر أسباب ارتكاب الجرائم الوحشية، لكن بحسب التقرير الإحصائي السنوي لإدارة المعلومات الجنائية فإن معدل ارتكاب الجرائم بشكل عام ارتفع بنسبة تُقدّر بـ 9.07% بواقع 22895 جريمة خلال العام الماضي، مقارنة بعام 2021 والذي بلغ فيه عدد الجرائم 20991 جريمة.

منهتعلال
المصدر:  التقرير الإحصائي السنوي

وتنوعت الجرائم ما بين جنايات وجنح تقع على الإنسان، وجرائم مخلة بالثقة العامة، وجرائم تقع على الأموال، وجرائم تقع على الإدارة العامة، وجرائم تشكل خطرًا على السلامة العامة، وجرائم مخلة بالأخلاق، وجرائم أخرى، وكانت أعلاها الجرائم التي تقع على الأموال بمعدّل 15395 جريمة خلال العام الماضي.

ولكن في ظل الحرب التي يعلنها الأردن على المخدرات القادمة من مناطق عبر الواجهتين الشمالية والشرقية، والقلق الإقليمي من استمرار تدفقها،  ما هو واقع جرائم المخدرات في الأردن؟  

جرائم المخدرات بالأرقام

تناول التقرير الإحصائي بشكل منفصل جرائم المخدرات التي انقسمت إلى نوعين: جرائم الاتجار بالمخدرات، وجرائم حيازة وتعاطي المواد المخدرة. وأظهرت الأرقام انخفاضًا في معدل ما رصد من جرائم المخدرات العام الماضي، إذ بلغ عدد ما أوقف منها 18334 جريمة، مقارنة مع 19122 جريمة رصدت في عام 2021، بنسبة انخفاض بلغت 4.12%.

كما سجلت إدارة المعلومات الجنائية 5295 جريمة اتجار بالمخدرات العام الماضي مقارنة مع 4858 خلال عام 2021، ما يظهر ارتفاعًا مقداره 9% في نسبة جرائم الاتجار. بينما سجلت الإدارة 13039 جريمة حيازة وتعاطي المخدرات العام الماضي مقارنة بـ 14264 جريمة سُجّلت عام 2021، الأمر الذي يظهر انخفاضًا بنسبة 8.59% بين العامين.

ومن جهة أخرى، بلغ معدل ارتكاب جرائم المخدرات في المملكة 16 جريمة لكل 10 آلاف نسمة خلال العام الماضي، مقارنة مع 17 خلال عام 2021، و19 خلال عام 2020، و18 خلال عام 2019، إذ تصدّر إقليم العاصمة جرائم المخدرات بمعدل 7260 جريمة خلال عام 2022.

نهعتال
المصدر:  التقرير الإحصائي السنوي

كما عقدت إدارة المعلومات الجنائية مقارنة للمعدل الزمني لارتكاب جرائم المخدرات، إذ تبين وجود زيادة في معدلات جرائم المخدرات من جريمة كل 37 دقيقة عام 2017 إلى جريمة كل 28 دقيقة العام الماضي.

في حديث ألترا صوت مع أستاذة علم الجريمة خولة الحسن، أشارت إلى أنه عند النظر إلى معدل جرائم المخدرات خلال عام 2011، والذي قدر بـ 7 جرائم لكل 10 آلاف نسمة من السكان، وصولًا إلى 16 جريمة في عام 2022 لكل 10 آلاف نسمة من السكان ولنفس النسبة، فهذا واقع خَطير يحتاج لتسليط الضوء عليه.

تضيف الحسن فتقول إنه "للأسف الشديد التقرير بحاجة للتطوير وإلى إعادة هيكلة، لأنه بصورته الحالية فقط يقدم معلومات عن الجرائم العادية بصورة منفصلة عن جرائم المخدرات، ويقدّم نسبة لها غير محسوبة ضمن الجرائم الكاملة... لا يوجد تحليل نوعي في التقرير فهو لا يقدّم الجرائم التي ارتكبت تحت تأثير تعاطي مخدر من المخدرات".

وأضافت الدكتورة خولة  أن "التقرير لا يشمل جرائم العنف الأسري أيضًا، فهي مهمة وتحتاج لإحصائية وتحليل منفصل، كما أنها ترتبط أحيانًا بجرائم المخدرات، وهذه العوامل غير موضحة فيه".

تاغ
المصدر: إدارة المعلومات الجنائية

وأكدت الدكتورة خولة أن التقرير عندما يكون بالشكل الحالي، إذ يقدّم إحصائيات غير مرتبطة مع بعضها البعض ويعامل الجرائم بشكل منفصل من دون توضيح لخلفياتها، يكون من الصعب عرضه على صاحب القرار ومن ثم الخروج بإجراءات فعلية، لأنه لا يقدم صورة واضحة لواقع الجريمة ومستقبلها واتجاهاتها في المملكة، ومن الضرورة تحسينه وتقديمه بصورة موحدة ومتكاملة المعايير.

قلق في الشارع الأردني

صرح مسؤولون أردنيون في العديد من المناسبات أن الأردن تعد دولة ممرًا، لا مقرًا، للمخدرات. ولكن أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية على عينة ممثلة للمجتمع الأردني من المحافظات كافة خلال عام 2020، أن الغالبية العظمى من المستجيبين تعتقد أن المخدرات منتشرة في الأردن بدرجة كبيرة ومتوسطة (كبيرة 68%، متوسطة 23%)، وأن فئة الشباب هي أكثر الفئات تعاطيًا للمخدرات بسبب البطالة والفقر والظروف المعيشية، والتي اعتبروها من المسببات الرئيسية لذلك.

تقول خولة الحسن في هذا الصدد إننا "نحتاج إلى أن نخرج عن هذه المقولة، فالأمر تغيّر الآن ويجب إعادة النظر فيه"، مضيفة أننا إذا أمعنا النظر في العمليات وكميات المخدرات التي يتم إحباطها فعندها يجب أن نتنبّه لخطورة الأمر ونعيد النظر بهذه العبارة.

كما تضيف أن القانون رادع في هذا السياق والتشريعات في الأردن تضاهي دول العالم المتقدم، ولكن لدينا مشكلة بتطبيق القانون، إذ يمكن تفهم "إعطاء المتعاطي لأول مرة فرصة للرجوع إلى طريق الصواب، ولكن نحن نحتاج للتطبيق وأن يكون الجميع تحت القانون أيًا كانت الظروف، لأن عائد المخدرات مغري لأي شخص مهما كان وضعه ونفوذه، فيجب أن يطبق القانون على الجميع ولا يستثنى أحد".

علاقة المخدرات ببشاعة الجرائم

يقول أحد الأشخاص الذين كانوا تحت تأثير العقاقير المخدرة أنه كان يرى شقيقه حيوانًا مفترسًا ويهرب منه، ويقول آخر إنه يرى والده أثناء جلوسه مع والدته شخصًا غريبًا فيطرده من البيت أو يحاول الاعتداء عليه. في حين يقول شخص آخر إنه عند دخوله للاستحمام قام بصب الكاز على رأسه بدلًا من سائل الاستحمام، وآخر يروي قصته عندما ظن أن الشرطة تطارده فبدأ بالقيادة بسرعة جنونية من شدة الخوف الأمر الذي أدى إلى انقلاب سيارته وإصابته بجروح خطيرة، ويضيف آخر أنه لا يميز النهار من الليل ولا المسافات أو الأحجام.

هذه بعض من القصص التي نشرتها إدارة مكافحة المخدرات عبر صفحتها على موقع ملهم عن أشخاص كانوا تحت تأثير العقاقير المخدرة.

وفي سياق الحديث عن مدى وحشية الجرائم التي تُرتَكَب نتيجة لتعاطي المخدرات، يقول مدير مركز الطب الشرعي ماجد الشمايلة لألترا صوت إن "الأنواع الجديدة من المخدرات التي توصف بالتصنيعية، مشكلتها أكبر من المخدرات ذات المصدر الطبيعي، لأن أثرها غير معروف وغير مدروس، وتكون بدائية الصنع حتى وإن كانت تحتوي على صبغة علمية، فتحتوي بهذا الشكل على مخلفات غير معروفة الأثر والتأثير". ويضيف أن "أثر هذه العقاقير يتمثل بالهلوسة مع زيادة فرط الشعور بالقوة والجبروت، مما يؤدي إلى تضاعف السلوك العُنفي للشخص".

تشرح الدكتورة خولة أن بعض العقاقير التي تسبب الهلوسة قد تغيّر من طبيعة الإنسان، وتجعله يقدم على أفعال لا يكون قادرًا على فعلها في الأوضاع الطبيعية، مضيفة أن العديد من الجرائم التي ارتكبت تحت تأثير المخدرات أقدم مرتكبوها على تقطيع الجثة أو قتل أحد الأقارب والقيام بتصرفات من المستحيل للإنسان الطبيعي أن يُقدم عليها. كما تؤكد أن احتمالية ارتكاب متعاطي المخدرات للجرائم تتأثر بنوع المخدر وأثره على جسد الشخص.