17-فبراير-2016

توفر سيجارة الحشيش للتلميذ الصغير هدوءًا نفسيًا خادعًا يدفعه إلى المداومة في تعاطيها (ماركو دي لورو/Getty)

"في البداية، كان تعاطيها لعبة يجربونها لأن "كل ما هو ممنوع مرغوب"، ثم تتحول إلى تنافس بين الزملاء في الخفاء، لتصبح مع مرور الوقت إدمانًا، فتأسرهم وتدفعهم إلى البحث عن مختلف الأنواع"، تقول المختصة النفسية في الطب المدرسي علياء بن صافي، خلال حديثها عن المخدرات في الأوساط المدرسية الجزائرية، لـ"الترا صوت". وتضيف: "استفحلت حالات تعاطي المخدرات في الأوساط المدرسية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، والأخطر من ذلك أنها امتدت بين فئات عمرية مختلفة في المدارس والثانويات، وباتت تهدد مستقبل التعليم ككل وتخطف عقول التلاميذ". الأخصائية دقت ناقوس الخطر "لأن وضع تلاميذ المدارس صار لا يحتمل"، حسب تعبيرها، وتحمل المسؤولية للجميع بداية من الأسرة والمسؤولين في المدارس وصولًا إلى الشارع والمحيط.

تصف نقابات التعليم في الجزائر شبكات توزيع المخدرات في الوسط المدرسي بالطاعون الذي يستغل لاوعي التلاميذ الصغار

من الصعب أن تقنع تلميذًا لم يتجاوز سنه ثلاثة عشر عامًا، أن يتحدث عن بداياته مع أول تجربة لتعاطي "سيجارة حشيش"، وتعاطيه للحبوب أيضًا أو كما يطلق عليها بالعامية الجزائرية "الشيرة" و"الكيف"، خصوصًا أنه لا يفقه في الأمر سوى أنها تعطي شعورًا بالراحة والنشوة، "توفر هدوءًا نفسيًا وتزيل ضغوطات يعيشها يوميًا"، هكذا يقول هشام لـ"الترا صوت"، الذي اعترف بتعلمه تعاطي هذه السموم من خلال زملاء له في المدرسة، كان ذلك قبل سنة كاملة، وبعدها دخل دوامة المخدرات. يتحدث اليوم عن "التجربة" وكأنها أمر عادي، قائلًا: "إنها تنسيني صعوبات الحياة".

"هشام هو الضحية مرتين"، على حد تعبيره، لقد وجد نفسه في الهامش بعد وفاة والدته حينها لم يتجاوز سنه الخمس سنوات ليتزوج والده مرة أخرى، وتبدأ عذاباته من "الإهمال والمعاملة السيئة والضرب الذي يتلقاه من والده"، و"المخدرات بالنسبة له ماهي إلا وسيلة لنسيان ما يعيشه في الأسرة"، يضيف المتحدث.

وهشام، واحد من بين العشرات من التلاميذ الذين ساروا في هذا الطريق الصعب، حيث بات يتغيب عن الدروس في الكثير من الأحيان، وعند سؤالنا كيف تشتري المخدرات ومن أين تجلب المال؟، صمت برهة ليرد أنه "في الكثير من الأحيان يضطر للسرقة من مال والده".

الكثير من التلاميذ يعيشون على هامش المدارس، يلجؤون إلى تعاطي المخدرات ويبررون ذلك بالظروف الاجتماعية، العديد منهم وخصوصًا في الأحياء الشعبية بالعاصمة الجزائرية مثل "الحراش" و"باش جراح" و"جسر قسنطينة" و"باب الوادي" و"درقانة"، يتحدثون أيضًا عن شبكات لترويج السموم في الوسط المدرسي، حيث وصفت نقابات التربية هذه الشبكة بـ"الطاعون" الذي ينخر المؤسسات التربوية، منتهزة فرصة "لاوعي التلاميذ الصغار".

في هذا السياق، يقول عضو في نقابة أولياء التلاميذ الجزائرية محمد بدوان لـ"الترا صوت": "من السهل أن تؤثر على تلميذ مراهق بالمهلوسات"، مضيفًا بأن "النقابة دقت ناقوس الخطر في أكثر من مرة، فالمخدرات باتت تزحف في المدارس وتجذب التلاميذ بشكل سريع". كما دعت النقابة إلى تضافر جهود مختلف الأطراف للقضاء على الظاهرة والإسراع بمعالجة التلاميذ المنغمسين فيها.

تقول زكية ناصري، أستاذة اللغة العربية بمدرسة الأرقم بباب الوادي لـ"الترا صوت": إن "تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي بات يهدد مستقبل المدرسة الجزائرية ويساهم غياب الإرشاد النفسي والاجتماعي داخل المدارس في ذلك". وأكدت الأستاذة: "أهمية متابعة التلاميذ في المدارس وترتيب ندوات ومنتديات إرشادية للجميع وتخصيص دورات تأهيل نفسي بالنسبة للتلاميذ الذين يعانون من ظروف حياتية قاسية، وهم بدورهم حالات اجتماعية هشة، يحتاجون إلى التوجيه".

الفئة العمرية التي تتعاطى المخدرات في المدارس الجزائرية تتراوح أعمارها أساسًا بين 12 و16 سنة

ويذكر الباحث في علم الاجتماع التربوي بجامعة البليدة غرب الجزائر فارس بهناس لـ"الترا صوت": أن "الفئة العمرية التي تتعاطى المخدرات في المدارس تتراوح أساسًا ما بين 12 سنة إلى 16 سنة"، مشيرًا إلى أن 8% من تلاميذ المدارس الجزائرية يتعاطون مختلف أنواع المخدرات مثل "القنب الهندي" أو "الحشيش".

كما لفت إلى "تورط عصابات في ترويج المخدرات التي تستهدف شريحة واسعة في المؤسسات التربوية، عن طريق تلاميذ يمكنهم تسريبها لزملائهم في الأقسام بعيدًا عن الأعين، في البداية يتم الترويج دون مقابل مادي بهدف جلب التلاميذ واستمالتهم، ثم تدريجيًا تجد هذه العصابات في المدارس سوقًا خصبة وزبائن بعقول صغيرة، وعند حاجتهم الملحة للمخدر، يدفعون أي ثمن للحصول عليها". وأوضح الباحث أن "معظم من يقع في شباك المخدرات لهم مشاكل اجتماعية وجزء كبير هم من أسر مفككة بسبب الطلاق أو موت أحد الأبوين".

اقرأ/ي أيضًا:

أهلاً بكم في.. متحف المخدرات!

أسعار المخدرات في لبنان