المحكمة الفدرالية ترفض إخضاع هارفارد لابتزاز ترامب السياسي
24 يونيو 2025
في واحدة من أبرز المعارك القضائية التي تعكس التوتر المتصاعد بين مؤسسات التعليم العالي والإدارة الأميركية، أصدرت قاضية فدرالية أميركية قرارًا جديدًا يُشكّل صفعة قانونية قوية لإدارة الرئيس دونالد ترامب.
فقد قضت المحكمة الفدرالية في بوسطن، برئاسة القاضية أليسون بوروغز، بوقف محاولة جديدة لمنع التحاق الطلاب الأجانب بجامعة هارفارد، معتبرة أن الخطوة "تمثّل تهديدًا صريحًا لحرية الفكر والتعبير، وتتعارض مع المبادئ الدستورية الأساسية".
ويمثل هذا القرار فصلًا جديدًا في معركة طويلة تخوضها الجامعة الأميركية العريقة ضد محاولات متكررة من البيت الأبيض لفرض أجندة سياسية على مؤسسة أكاديمية، تحت ذرائع أمنية وقانونية، يرى كثيرون أنها مجرد أدوات لردع ما تعتبره الإدارة "نزوعًا ليبراليًا مفرطًا" داخل الجامعات الكبرى، لا سيما في ظل تصاعد الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب في غزة، ومواقف الإدارة الجمهورية المتشددة تجاه الهجرة والطلاب الأجانب.
قضت المحكمة الفدرالية في بوسطن، برئاسة القاضية أليسون بوروغز، بوقف محاولة جديدة لمنع التحاق الطلاب الأجانب بجامعة هارفارد
قرار قضائي يعيد الاعتبار لمبادئ الحرية الأكاديمية
قرار القاضية بوروغز لم يقتصر على الجانب الإجرائي أو الإداري فحسب، بل حمل مضامين دستورية بالغة الأهمية. فقد شددت القاضية على أن محاولات إدارة ترامب للضغط على هارفارد وفرض قيود على التنوع الفكري تمثل خطرًا على أحد أسس الديمقراطية الأميركية: حرية التعبير والتفكير.
هذا النوع من التوصيف القانوني يكشف عن تحول لافت في نبرة القضاء الفدرالي، الذي أصبح يرى في سلوك الإدارة الجمهورية محاولة للتدخل في استقلال المؤسسات الأكاديمية، بل واستغلال قضية الطلاب الأجانب كوسيلة ابتزاز سياسي للجامعات التي تعارض توجهات البيت الأبيض.
السياسة الخارجية والداخلية تتقاطع داخل أسوار الجامعة
قرار ترامب بسحب اعتماد جامعة هارفارد لتسجيل الطلاب الأجانب ومنعهم من دخول الولايات المتحدة كان مصحوبًا بخطاب أمني يشير إلى "احتمال وجود تهديدات"، ويُحمّل هارفارد مسؤولية "سوء تدقيق في خلفيات الوافدين". لكن القراءة السياسية تكشف عن بعد أعمق: إدارة ترامب تسعى منذ بداية ولايته الثانية إلى تقليم أظافر الجامعات الكبرى، التي تُعدّ حاضنات لليبرالية الفكرية، والاحتجاجات الحقوقية، والمواقف المعادية لسياسات القمع في الداخل والخارج.
وكان واضحًا أن جامعة هارفارد، تحديدًا، تمثل رمزية عالية في هذا الصراع، ليس فقط لكونها أقدم جامعات الولايات المتحدة وأكثرها تأثيرًا، بل أيضًا بسبب مكانتها العالمية وقدرتها على تشكيل الرأي العام النخبوي، وهي المكان الذي غالبًا ما تتقاطع فيه قضايا الحرية الأكاديمية وحقوق الإنسان بالشأن السياسي العام.
هارفارد في قلب معركة التمويل والتسييس
لم تكتف الإدارة الأميركية بمحاولة طرد الطلاب الأجانب، بل استهدفت تمويل هارفارد مباشرة، حيث جُمدت أكثر من 2.6 مليار دولار من المنح البحثية الفدرالية، وهددت الحكومة بإلغاء الإعفاءات الضريبية الممنوحة للجامعة. هذه الضغوط المالية تهدف إلى إجبار الجامعة على مراجعة سياساتها الخاصة بالقبول والتوظيف والتنظيم الطلابي، خاصة ما يتعلق بالاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، والتي تصاعدت في الحرم الجامعي مؤخرًا.
من وجهة نظر نقاد ترامب، فإن هذه الإجراءات لا تنفصل عن سياق أوسع من النزعة "الاستبدادية المقنّعة" التي تنتهجها الإدارة في ولايتها الثانية، والتي تستهدف تقويض الأصوات الليبرالية والمؤسسات الثقافية والفكرية التي تقف في وجه أجندة اليمين الشعبوي.
بين التصعيد والامتناع عن التنازل
في المقابل، حرصت إدارة هارفارد على الرد بوسائل قانونية، دون التصعيد الإعلامي المباشر، حفاظًا على صورة الجامعة كمؤسسة تحترم الدستور وتلتزم بالأطر القانونية. وقال رئيس الجامعة آلان غاربر إن هارفارد "أجرت إصلاحات لمكافحة معاداة السامية"، لكنها لن تتخلى عن "مبادئها الأساسية المحمية قانونيًا".
المثير أن ترامب، رغم كل ذلك، لم يغلق باب الحوار، وألمح إلى "مفاوضات جارية" مع الجامعة قد تُفضي إلى اتفاق خلال أسبوع. إلا أن المراقبين لا يرون في هذا سوى محاولة لإظهار أن الإدارة قادرة على تطويع أعرق جامعات العالم تحت الضغط، وهو ما ترفضه هارفارد بشدة، كما يظهر في بياناتها ودعاواها القضائية.
أبعد من قضية طلاب أجانب
تمثل هذه القضية أكثر من مجرد خلاف قانوني بين مؤسسة أكاديمية والإدارة الحاكمة؛ إنها اختبار حقيقي لقدرة النظام الأميركي على حماية استقلال الجامعات، وصون المبادئ الدستورية أمام موجات التسييس الشعبوي والابتزاز المالي. وإذا كانت هارفارد قد نجحت مؤقتًا في وقف سيل القيود، فإن معركتها الحقيقية تكمن في الحفاظ على هويتها، واستقلالها، وقيمها أمام إدارة تسعى لإعادة تشكيل المجتمع الأميركي على أسس مغايرة تمامًا.