28-ديسمبر-2020

محاكمة عن بعد في جاكارتا (باي اسوميو/أ.ف.ب/Getty)

فرضت جائحة كوفيد-19 اتخاذ تدابير جديدة في المحاكمات القضائية داخل المحاكم في مختلف بقاع العالم. كما صار الوصول إلى غالبية منصات العدالة والنظر في القضايا يتم عن بعد من خلال الوسائل التقنية والالكترونية. وقد أصدرت العديد من المحاكم قرارات جديدة تتعلق بهذا الشأن، وتم تنفيذ المحاكمات عن بعد تماشيًا مع إجراءات التباعد الاجتماعي الضرورية للوقاية من الفيروس.

فرضت جائحة كوفيد-19  تعديلات على المسار القضائي بأكلمه لما في المحاكمات الحضورية المباشرة من مخاطرة كبيرة على كافة الأطراف المعنية، وهذا ما عزز الانتقال إلى تنفيذ المحاكمات عن بعد

الجائحة تفرض المحاكمات عن بعد

وقعت المحاكم أمام إشكاليات عديدة، تبدأ من اللحظة التي يتم فيها نقل المتهمين من السجون، وقبلها وجود الغرف المكتظة في سجون ومراكز توقيف العديد من البلدان، وصولًا إلى قاعة المحاكمة للمثول أمام القضاة. وتتفاقم هذه الإشكاليات في الوقت الذي تكون فيه المحاكمة غير مغلقة، أو وجود الصحافة لمتابعة القضايا الهامة والمتصلة بالرأي العام، وبالطبع وجود هيئات الدفاع، وفي بعض الأحيان ضرورة مثول الشهود أمام القضاة.

اقرأ/ي أيضًا: 2020 عام مُر في السجون اللبنانية

إلا أن جائحة كوفيد-19 فرضت تعديل هذا المسار الطويل لما فيه من مخاطرة كبيرة على كافة الأطراف المعنية بالمحاكمة والانتقال إلى تنفيذ المحاكمات عن بعد. لكن هل تمت إعاقة الوصول إلى العدالة بسبب تعديل شكل إنفاذ المسارات القضائية؟ وكيف يمكن أن تتم مراعاة حق الناس في الوصول إلى العدالة، في ذات الوقت، مع حماية الأطراف المختلفة من الإصابة بفيروس كورونا والاستجابة لكافة إجراءات الوقاية؟ أسئلة أرخت بظلها على عمل القضاء ككل فكان لزامًا التصرف بسرعة وإيجاد الحلول المناسبة.

تجارب عربية

في العديد من الدول العربية تم اعتماد منظومة المحاكمات عن بعد، بالرغم من تفاوت القدرات اللوجستية بين هذه الدول. إذ تم إقرار هذه الآلية في تونس والمغرب، وفي "محكمة قطر الدولية" التي تهتم بقضايا النزاعات الدولية بدأ العمل بنظام التحكيم والمقاضاة الدوليين عن بعد أيضًا. كذلك الحال في الجزائر حيث صدر قرار قضائي ينص على أن "يتم استجواب المتهم غير المحبوس أو سماعه أو إجراء مواجهة بينه وبين غيره في مرحلتي التحقيق القضائي أو المحاكمة، باستعمال تقنية المحادثة المرئية عن بعد، بمقر المحكمة الأقرب إلى مكان إقامته، ويتم الاستماع لتصريحاته بحضور أمين ضبط وبعد تحقق وكيل الجمهورية المختص إقليميًا من هويته".

وتتم عملية المحاكمة عن بعد عبر أجهزة إلكترونية متطورة وكاميرات رقمية تقوم بإرسال صور عالية الجودة ومع وجود شبكة معلوماتية سريعة وأمنة وسرية تابعة لوزارة العدل. وبذلك فتكنولوجيا الإعلام والاتصال أخرجت المحاكمات القضائية عن طابعها التقليدي لتواكب الرقمنة وصناعة البدائل في الوصول إلى العدالة في زمن الجائحة.

ترى بعض الآراء أن عملية التواصل بين القاضي والمحامي والمتهم هي عملية ذات أبعاد إنسانية وتأثر فيها عوامل الشكل والصوت والحركة والسياق النفسي للمتقاضين

وتحتاج المحاكمات عن بعد في العديد من الدول العربية إلى ورش إصلاحية كبيرة، حيث أن هناك غياب للرقمنة من قبل الجائحة، وجاء فيروس كورونا ليفرض نفسه في وقت قصير جدًا مما وضع الهيئات القضائية وكل من يتعرض للمحاكمة وغيرها من الدعاوى إلى تعطيل أو تأخير في الوصول إلى العدالة.

 وتبقى هناك آراء منقسمة حول المسألة، فالبعض يرى في المحاكمات عن بعد عملية ذات مكاسب حيث توفر الوقت والجهد والمال لكونها تتم في "قاعة افتراضية"، وهي محاكمات تتوفر فيها كل شروط العدالة. وقد اكتفت عدة محاكم بالمحاكمة المباشرة عن بعد دون تسجيل المحاكمات بشكل مرئي ومسموع حيث اعتبرت أن تسجيل المحاكمة يعتبر خرقًا لخصوصية الأفراد.

اقرأ/ي أيضًا: 2020 عام كارثي على اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان

بينما يرى آخرون أن عملية التواصل بين القاضي والمحامي والمتهم هي عملية ذات أبعاد إنسانية وتأثر فيها عوامل الشكل والصوت والحركة والسياق النفسي للمتقاضين في تحديد قرارات القضاة، خاصة وأنه يحرم المتقاضين والمتهمين من التعبير عن آرائهم مباشرة أمام القاضي، وربما تلعب عوامل تقنية أخرى دورًا سلبيًا في المحاكمة، فضلًا عن غياب المتهم عن المثول شخصيًا أمام المحكمة وهو عنصر جوهري أساسي لقيام العدالة.

شهادة أمريكية

قال القاضي الأمريكي ناثان هيتشت في ندوة حول عمل القضاء في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل انتشار فيروس كورونا "لقد عملنا على ترتيب القضايا وفق الأولوية، بالرغم من أنها مهمة صعبة ومعقدة لتحديد القضايا الأساسية، لكننا توصلنا إلى أن قضايا الحضانة جوهرية ويجب البت بأمرها بسرعة لأن عملية انتقال الأطفال من منزل إلى آخر ومن وصاية أحد الوالدين هو أمر في غاية الأهمية". 

خلال ذات الندوة أشارت القاضية  الأمريكية ديان وود إلى أن "هناك قضايا عاجلة لا يمكن تأجيلها ويجب البت فيها فورًا، وخاصة القضايا المتعلقة بالمصارف والإفلاس، لأن سير عمل المصارف يعتمد على القرارات القضائية في هذه القضايا، فلا يمكن أبدًا التهاون في هكذا مسائل لأنه سيلحق ضرر بالعديد من الأطراف". وقد اعتمدت الكثير من الهيئات القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية طريقة التقاضي عن بعد وشجعتها من خلال مواكبة فريق عمل للقضاة من أجل معاونتهم في المسائل التكنولوجية وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أنه في العديد من البلدان تعطى الحرية للمتقاضين للاختيار بين المحاكمات الحضورية أو المحاكمات عن بعد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرب لقاحات كورونا تستعر والصين مستعدة لتوزيع لقاحاتها على الدول "النامية"

"تفادي ضياع جيل الكورونا".. تقرير لليونيسف يرصد أوضاع الأطفال في وقت الجائحة