المحادثات الصينية الأميركية في جنيف.. هل تنجح في نزع فتيل الحرب التجارية؟

تُجري الولايات المتحدة الأميركية والصين لليوم الثاني تواليًا مفاوضاتٍ في جنيف السويسرية، بهدف نزع فتيل الحرب التجارية التي أطلقت شرارتها رسوم ترامب الجمركية، والتي تُهدد ـ حال استمرارها ـ بإلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد العالمي.

ذكَر مصدران مطلعان لوكالة رويترز للأنباء أن مسؤولين أميركيين وصينيين اجتمعوا مجددًا، اليوم الأحد في جنيف، لاستئناف المحادثات التي بدأت أمس السبت بين نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفينغ ووزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت والممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير. وذلك في أول اجتماع مباشر بين الغريمين الصيني والأميركي منذ أن فرض أكبر اقتصادين في العالم رسومًا جمركية تتجاوز 100% على وارداتهما، ما تسبب في تعطيل سلاسل التوريد، وزعزعة استقرار الأسواق المالية، وأثار المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي حاد.

قام ترامب بخفض الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية من 145% إلى 80%

إعادة ضبط كاملة للعلاقات:

لم يُعلق أي من الجانبين أمس السبت، مع اختتام الجولة الأولى من المفاوضات التي استمر 8 ساعات، على جوهر المناقشات، كما لم يُشر أيٌّ منهما إلى إحراز أي تقدم ملموس نحو خفض الحواجز التجارية الكبيرة. لكنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعطى لاحقًا، قراءة إيجابية للمحادثات، قائلاً إن الجانبين تفاوضا على "إعادة ضبط كاملة للعلاقات، جرى التفاوض عليها بطريقة ودية، ولكن بناءة"، واصفًا المحادثات بالممتازة، قائلًا في منشور على منصته الخاصة تروث سوشيال "نريد أن نرى انفتاح الصين على الأعمال التجارية الأميركية، لصالح كل من الصين والولايات المتحدة"، مضيفًا أنه "تم إحراز تقدم كبير".

فيما اكتفت الصين بوصف المحادثات، بأنها "خطوة مهمة نحو إيجاد حل للمسألة".

إغراءات أميركية:

أقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الجمعة على اتخاذ "بادرة حسن نية رمزية تجاه الصين" بخفض الرسوم الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية من 145% إلى 80%، وتعليقًا على هذه الخطوة قال وزير التجارة الأميركي هاوورد لوتنيك، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، إنّ الرئيس ترمب "يرغب في حل المشكلة مع الصين. وكما قال، فهو يرغب في تهدئة الوضع".

لكنّ هذا التخفيض، حسب رويتزر، يظل رمزيًا فلا تزال الرسوم مرتفعة للغاية على معظم السلع الصينية في الأسواق الأميركية. تجدر الإشارة إلى أن الصين لم تتخذ خطوة مماثلة، فلا زالت الرسوم المفروضة من قِبلها على حالها لم تتغيير، وذلك على الرغم من تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت الذي حذّرت فيه من أن ترامب "لن يخفض الرسوم الجمركية على الصين من جانب واحد. يجب أن نرى تنازلات من قبلهم أيضا" وفق تعبيرها.

وترى رويترز أنّ بكين تتطلع إلى الاستفادة من نفس الإعفاء من الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا الذي منحته واشنطن لدول أخرى أثناء سير المفاوضات.

وكان الرئيس الأميركي قد استخدم الرسوم الجمركية كسلاح منذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير الماضي، وكانت الصين هي المستهدف الرئيسي بتلك الرسوم، ففي وقت وجيز وصلت نسبة الرسوم على وارداتها إلى 145%، وهو ما ردت عليه بكين بفرض رسوم بنسبة 125% على الواردات والمنتجات الأميركية.

ونتيجة لهذه الإجراءات العقابية المتبادلة، توقفت التجارة الثنائية عمليًا بين البلدين، كما شهدت الأسواق اضطرابات قوية.

تجدر الإشارة هنا إلى التصريحات التي أدلت بها المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو أيويالا، التي قالت عشية المفاوضات بين الصين والولايات المتحدة "إنّ المفاوضات المقرّر عقدها في جنيف تشكّل خطوة إيجابية وبنّاءة نحو خفض التصعيد"، وسبق لأويالا عن عبّرت عن قلقها البالغ نيسان/إبريل الماضي، "إزاء حالة عدم اليقين المحيطة بالسياسات التجارية، بما في ذلك المواجهة بين الولايات المتحدة والصين"، فعلى الرغم من أن التجارة بين بكين وواشنطن "لا تمثل سوى حوالى 3 بالمئة من تجارة السلع العالمية، إلا أنّ انقطاع العلاقات بينهما قد تكون له عواقب بعيدة المدى، وقد يساهم في تجزئة أوسع للاقتصاد العالمي على أسس جيوسياسية إلى كتلتين معزولتين".

الصين ليست في الموقع الضعيف:

جلست الصين إلى طاولة المفاوضات بعدما عبّرت الإدارة الأميركية عن رغبتها في تسوية الخلاف ديبلوماسيًا، لكن هذا ليس المعطى الأهم، فورقة الصين الرابحة في هذه المفاوضات أنّ صادراتها ارتفعت في نيسان/إبريل بنسبة تجاوزت 8%، وهو رقم أكبر بأربع مرات، حسب رويترز، مما كان متوقعًا من طرف المحللين الاقتصاديين، وفي المقابل سجلت الصادرات الأميركية تراجعًا بنحو 18%، ويُفسّر ذلك اقتصاديًا بأن إدارة ترامب فتحت النار على الجميع، بمن فيهم الحلفاء، وهو ما استغلته الصين التي تقاربت مع الاتحاد الأوروبي، ونشرت على نطاق واسع دعاية مفادها أنّها بخلاف واشنطن حليف اقتصادي موثوق.

تقاربت الصين مع الاتحاد الأوروبي ونشرت دعاية مفادها أن واشنطن ليست حليفًا موثوقًا

سيناريوهات فك الاشتباك الاقتصادي بين واشنطن وبكين:

نقلت فرانس برس عن بوني غلايزر، مديرة برنامج المحيطَين الهندي والهادئ في صندوق مارشال الألماني، قولها إنّ "النتيجة المحتملة للمحادثات في سويسرا قد تكون الاتفاق على تعليق معظم، إن لم يكن كل، الرسوم الجمركية المفروضة هذه السنة، طوال مدة المفاوضات الثنائية".

في المقابل ترى الباحثة الاقتصادية في "معهد سياسات آسيا الأميركي" ليزي لي، أنّنا قد نشهد "تخفيفًا مؤقتًا ورمزيا للتوترات"، مستبعدةً أن تحلّ المفاوضات الجارية في جنيف "الخلافات الجوهرية بين بكين وواشنطن".

أمّا أستاذ الاقتصاد في جامعة شنغهاي شو بين، فلا يرى أنّ الرسوم الجمركية ستنخفض كثيرًا بفعل المفاوضات، وحتى لو انخفضت إلى النصف، فإن ذلك حسب شوبين، لن يكون كافيًا "للقيام بأعمال تجارية عادية" وفق قوله.