09-أكتوبر-2015

تختلف ردود فعل الدولة عن طابع المطالبات بملف حقوق الإنسان كثيرًا (الأناضول)

حسمت الحكومة المصرية وضع منظمات المجتمع المدني في مصر، وعملت على تقليص تواجدها عن طريق استصدار قانون الجمعيات الأهلية العام الماضي، والتي أنذرت به جميع المنظمات والمؤسسات بهدف توثيق أوضاعها وفقاً لما ينظمه قانون الجمعيات الأهلية لسنة 2002، وتم نشر ذلك الإعلان بجريدة الأهرام الحكومية في 18 تموز/يوليو 2014. وحسبما تعرض الحكومة الأمر، فإنه من باب وضع جميع مؤسسات المجتمع المدني تحت رقابتها والعمل تحت نظرها، إلا أن تلك المؤسسات واجهت عقوبة "الحل" على خلفية مخالفة القانون، وهذا ما يتنافى مع طبيعة العمل الذي أنشأت من أجله تلك المؤسسات، لاسيما تلك المدافعة عن حقوق الإنسان ورصد الانتهاكات لهذه الحقوق.

 طال الاتهام  بتلقي تمويل أجنبي العديد من نشطاء ثورة الخامس والعشرين من يناير

تضييق أمني يطال منظمات المجتمع المدني

قبل نشر الإعلان، تعرضت العديد من المراكز الحقوقية للاقتحام والتضييق من قبل قوات الشرطة، ففي كانون الأول/ديسمبر 2013، تعرض المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاقتحام، وعلى إثره، تم اعتقال ثلاثة أشخاص من العاملين بالمركز، وفي الإسكندرية تكرر نفس المشهد مع المركز المصري بعد أن أقام مؤتمرًا صحافيًا للتضامن مع الناشطة السياسية ماهينور المصري، التي صدر بحقها حكم بالحبس لسنتين بتهمة التظاهر بدون تصريح، حينها اقتحمت قوات الشرطة المركز، وقامت بتحطيم عدد من أجهزة كمبيوتر وقبضت على عدد من العاملين بالمركز.

اقرأ/ي أيضًا: حقوق الإنسان فى مصر.. مأسسة الانتهاكات

وفي 24 تموز/يوليو 2014، قام بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بتسليم مذكرة موقعة من 23 منظمة حقوقية إلى إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق، حول موقف تلك المنظمات من قانون الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، وأعربت فيها عن استيائها من القانون القمعي على حد وصفهم، الذي فرضته وزارة التضامن الاجتماعي ووصفته بتأميم للمجتمع المدني، وطالبت المنظمات أيضًا بالمشورة الفنية من المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة عند صياغة قانون الجمعيات الأهلية، لضمان توافقه مع التزامات مصر الدولية، بموجب المادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي صدقت عليه مصر.

لم يقف الأمر عند المؤسسات المحلية، فقد امتد ليصل منظمات المجتمع المدني الأجنبية التي تعمل في مصر، فمؤسسة "هيومان رايتس ووتش" التي أغلقت أبوابها في مصر هي الأخرى بسبب التضييقات الأمنية التي لم تدع مجالا للشك أن السلطات ترفض بشدة استمرارها في مصر، وحماية لأمن لموظفيها، قامت المنظمة بالإغلاق بالفعل، وفي بيان لها، قالت "هيومان رايتس ووتش"، أن القانون سيجعل الدولة ممتلكة لحق الفيتو تجاه المنظمات غير الحكومية، ويضيف القائم بأعمال المنظمة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، جون ستورك، أن هذا القانون لم يأت بغرض تنظيم المنظمات غير الحكومية، وإنما جاء بهدف خنق و سلب استقلال تلك المنظمات.

شماعة التمويل الأجنبي

اتهمت الحكومة المصرية العديد من تلك المنظمات بتلقي تمويلات أجنبية بهدف التأثير على توجهاتها، ما يضر بدوره بالأمن القومي المصري، طال الاتهام بدوره العديد من نشطاء ثورة الخامس والعشرين من يناير.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد تصاعدت وتيرة الحديث عن التمويل الأجنبي بعد القضية التي أثيرت في فترة حكم المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي عام 2012، و التي اتهم فيها 43 شخصًا، بينهم أمريكيون، سمحت السلطات المصرية لهم حينها بالسفر إلى الولايات المتحدة، وأغلقت القضية دون الانتهاء إلى حكم قضائي فيها.

وبالرجوع إلى قانون الجمعيات الأهلية، فإن من شأن مشروع هذا القانون الذي عرضته وزارة التضامن الاجتماعي بمصر على الجمعيات المصرية في 26 حزيران/يونيو 2014، أن يخضع كافة أنشطة الجمعيات، بما فيها قرارات مجالس الإدارة، لاعتراض الحكومة، كما سيمكن الحكومة وأجهزة الأمن من حل الجمعيات القائمة، في انتظار صدور حكم قضائي، أو رفض الترخيص لجمعيات جديدة إذا ارتأت أن أنشطتها "تهدد الوحدة الوطنية. ويسمح المشروع للمسؤولين بالتفتيش على مقرات أية جمعية يشتبه في قيامها بنشاط جمعية أهلية، ويفرض قيودًا تعجيزية على التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية المصرية، وكذلك على قدرتها على التواصل والتعاون مع منظمات بالخارج، ويفرض عقوبات بالسجن لمدة لا تقل عن عام وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه مصري/12500 دولار أمريكي، على المخالفين لأحكام ذلك القانون.

إغلاق طريق المؤتمرات وورش العمل الخارجية

بعد ثورة يناير، كان الطريق مفتوحًا لتلقي التدريبات العلمية حول كيفية إدارة الحملات الانتخابية، ورفع وعي الشارع المصري، بالإضافة الى تلك المتعلقة بتدريبات المعاهد والمراكز البحثية الأجنبية خارج مصر، لتزويد الشباب المصري بالخبرات للمشاركة في العملية السياسية، لاسيما أن مصر كانت بحاجة لتزويد شبابها بالخبرات السياسية، ولكن مع إثارة قضايا التمويل الأجنبي، عملت الدولة على منع الشباب من السفر لحضور تلك الفاعليات خارج مصر، كان آخرها منع كوادر من الأحزاب السياسية من السفر إلى جمهورية التشيك في 17أيار/مايو 2015، بغرض حضور مؤتمر بمدينة براغ، وقامت شرطة مطار القاهرة بسحب جوازات السفر المتعلقة بالمشاركين المصريين، ولم تقم بإعادتها إليهم مرة أخرى.

وترى مصر أن تلك التدريبات باتت مؤامرة خارجية، وهذا ما أكدته جريدة الأهرام في عددها الصادر في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، صفحة أولى، عن أن التدريبات والمؤتمرات باتت مؤامرة ومخطط أجنبي لضرب استقرار مصر عن طريق تدريب الشباب على أساليب نشر الفوضى في مصر، تحت شعار التغيير وآليات العمل الديمقراطي بحسب ما ذكرته الجريدة.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. "المعاقون" ضحايا للقطاع الخاص