02-أبريل-2019

يطمح قطاع من الشباب الناشط ثقافيًا وفنيًا، أن ينعكس أثر الحراك على المجال الثقافي والفني (Getty)

على مقهى طانطنفيل بوسط ساحة بورسعيد في الجزائر العاصمة، يتابع حكيم نشرة الأحوال الجوية عبر هاتفه المحمول، ليس شغفًا بحفظ جداول الطقس، وإنما للاطمئنان من أنّ أيًا من العوامل الجوية لن تؤثر على الجماهير المحتجة في الشوارع.

إذا كانت ثمة دوافع عامة للحراك الجزائري فهناك أيضًا دوافع خاصة، ودوافع شباب المجموعات الثقافية والفنية أن ينعكس الحراك على حرية الإبداع

يجلس حكيم لوحده في مقهى طانطنفيل بلباسه أسود اللون، على الطاولة أمامه فنجان قهوة وجريدة صفحاتها مبعثرة، وعلبة سجائر ومنفضة، وعلى وجهه علامات مراقبة ملامح وجوه المارة، وعقد المقاربات بين الأغنياء المحتملين، والفقراء الواضحين.

اقرأ/ي أيضًا: طلاب الجزائر يصنعون الفارق في الحراك الشعبي

حكيم في العقد الرابع من عمره، وفي شبابه كان يحلم بأن يكون ممثلًا مسرحيًا وسينمائيًا. وبالفعل درس التمثل في معهد السينما، لكن أحداث العشرية السوداء وضيق مساحات الحرية، والتضييق على الفن والإبداع، أصابه بصدمة وإحباط، فقرر الابتعاد عن المجال الفني، لكنه كما يقول، يحتفظ بعلاقات مع الفنانين ويحرص على متابعة مختلف العروض المسرحية والموسيقية التي تقام في المسرح الوطني محي الدين بشطارزي.

الحراك الجزائري
ينقل شباب الفنانين في الجزائر تجمعاتهم إلى الشارع كجزء من الإسهام في الحراك الشعبي

صبيحة هذا اليوم يستعد حكيم للقاء بعض الوجوه الفنية، لمناقشة آخر التطورات والتحضيرات للمسيرات، إذ يأمل حكيم ومعه رفاقه أن يثمر الحراك الشعبي انتقالًا ديمقراطيًا، ينعكس في إحدى أوجهه على فتح المجال أمام مبادرات إبداعية، وفضاء أوسع لحرية التعبير والإبداع الفني.

شعارات شرين

وإلى جانب مقهى طانطنفيل لا تزال أشغال إعادة ترميم واجهة المسرح الوطني مستمرة، وهو مسرح يعود إلى عهد الاستعمار. وعلى أدراج هذا المسرح تجلس شرين مع زملاء لها، ومحور الحديث الذي يجمعهم الحراك ومستجدات الساحة السياسية، وردود فعل السلطة.

تحاول شرين مع زملائها صياغة شعارات لاستخدامها في المسيرات. تقول شرين لـ"الترا صوت": "لم أشارك منذ أول مسيرة في 22 شباط/فبراير، فقد كانت أول مسيرة أشارك فيها يوم 24 من ذات الشهر. كنت عند الطبيب صبيحة ذلك اليوم لمّا سمعت هتافات المتظاهرين في الخارج".

تستطرد: "استيقظت بداخلي كل فصول حياتي البائسة على هذه الأرض، لأجد نفسي في لمح البصر أهتف معهم، ناسية موعدي مع الطبيب. كانت تلك اللحظات كأنها نسمات من الجنة، حان خلاصك يا وطني، هذه الشعلة الثورية هي أجمل ما تعيشه الجزائر". 

أنيس يفلت من القبضة الأمنية

مشهد مثير خلال إحدى المسيرات، كان بطله شاب يُدعى أنيس لحرير، أفلت من القبضة الأمنية بصورة سينمائية، عندما أخذ بيد صديقته، يفتكّ حريته هاربًا من رجال الأمن، وهاتفًا: "لا للعهدة الخامسة. الجزائر حرة ديمقراطية".

الحراك الجزائري
تحولت التجمعات الثقافية والفنية في الجزائر إلى روافد لدعم الحراك

وأنيس شاب يدرس الموسيقى وينشط في مجموعات ثقافية وفنية، تحول نشاطها في الآونة الأخيرة إلى ميدان الاحتجاجات وروافدها الإبداعية.

حراك كل المجتمع

لكن شباب الأوساط الثقافية والفنية لا يرون أن الحراك الشعبي مدفوعٌ بـ"النخبة". يقول محمد جلول، وهو المسرحيين الجزائريين اللذين التقاهم "الترا صوت"، إن "جزائر ما بعد 22 شباط/فبراير ليست جزائر ما قبل 22 شباط/فبراير"، ويؤكد: "هذا الحراك ليس وليد النخبة، بل مختلف الفعاليات في المجتمع".

وإذا كانت ثمة دوافع عامة تحرك جموع المحتجين، فكل واحد لديه بالإضافة لهذه الدوافع العامة، دوافعه الخاصة، فجلول يتمنى أن ينعكس الحراك على فضاء المسرح "بإثرائه كي يساهم في نشر الوعي والثقافة، بعد التصحر الذي عرفته الجزائر خلال العقود الأخيرة"، على حد تعبيره.

تحولت أنشطة المجموعات الثقافية والفنية في الجزائر إلى روافد لدعم الحراك الشعبي وحلقات نقاش مفتوحة لإثرائه

تحولت جل أنشطة المجموعات الثقافية والفنية في الجزائر، إلى روافد لدعم الحراك الشعبي من جهة، وحلقات نقاش مفتوحة لإثرائه من جهة أخرى والتخطيط لمستقبل يتجاوز فيه تأثير الحراك رأس الهرم إلى قواعده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشعراء الجزائريّون والحراك الشعبي.. انتهى زمن الصّراخ

بوتفليقة وحكومة الأمر الواقع.. وداع غير مكتمل للسلطة!