23-فبراير-2020

إيرانية تدلي بصوتها في أحد مراكز الاقتراع في طهران (رويترز)

الترا صوت – فريق التحرير

كشفت النتائج غير الرسمية لعملية فرز أصوات الانتخابات البرلمانية الإيرانية تحقيق المحافظين المتشددين فوزًا ساحقًا، وفقًا لما ذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية، وبحسب النتائج غير الرسمية المعلنة – حتى لحظة إعداد التقرير – بلغ عدد النواب الفائزين من المحافظين المتشددين 153 نائبًا، بمن فيهم 30 نائبًا عن طهران، يتصدرهم القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني محمد باقر قاليباف، الذي من المرجح توليه رئاسة البرلمان القادم، كما سجل فوز 17 مرشحًا عن الإصلاحيين، بالإضافة لـ37 نائبًا مستقلًا.

كشفت النتائج غير الرسمية لعملية فرز أصوات الانتخابات البرلمانية الإيرانية تحقيق المحافظين المتشددين فوزًا ساحقًا، وفقًا لما ذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية

تسجيل أدنى نسبة اقتراع في تاريخ الانتخابات الإيرانية

ورغم الدعوات التي وجهت للناخبين للمشاركة بنسبة كبيرة في عملية الاقتراع، وتجديد الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي دعوته للمشاركة في الانتخاباتت، فإن عملية الاقتراع شهدت إقبالًا ضعيفًا تتراوح نسبته عند الــ40 بالمائة، وهو ما دفع بالسلطات الإيرانية لتمديد عملية الاقتراع خمس مرات متتالية، انتهت بحلول الساعة 12 ليلًا بالتوقيت المحلي لمدينة طهران، بعدما كان مقررًا لها أن تنتهي بحلول الساعة السادسة مساءً.

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات شكلية في إيران.. خامنئي هو الناخب الوحيد

لكن مجلس صيانة الدستور، أعلى هيئة إيرانية في البلاد، قال إن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية لم تختلف عن الدورة السابقة، بل إنها ازدادت في بعض المحافظات، وسط أحاديث عن وصول نسبة المشاركة لـ50 بالمائة، إلا أن هذه الإحصائيات تبقى غير دقيقة بسبب مقاطعة الإيرانيين للانتخابات المعروفة نتائجها مسبقًا، بحصرها بين التيار المحافظ أو الموالي لخامنئي، وحتى في حال صحة مشاركة 50 بالمائة من الإيرانيين في التصويت، فإنها ستكون أدنى نسبة تسجل في تاريخ الانتخابات البرلمانية منذ عام 1980.

واستبقت واشنطن توجه الإيرانيين للإدلاء بأصواتهم، بفرضها عشية التصويت عقوبات اقتصادية على رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي، والمتحدث باسمه عباس علي كدخدايى، فضلًا عن الأعضاء في المجلس، سيامك رهبيك، ومحمد حسن صادقي مقدم، ومحمد يزدي، مشيرةً إلى أن العقوبات جاءت بسبب حرمان المئات من الإيرانيين من الترشح للانتخابات.

وتخلل يوم الجمعة سجال دبلوماسي بين واشنطن وطهران، بدأه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بوصفه عملية الاقتراع بأنها "زائفة"، وأن التصويت "غير حر أو عادل"، إلا أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكد إظهار الإيرانيين في الانتخابات "اختيارهم لمصيرهم"، وعدم سماحهم "للشخص الذي يجلس في واشنطن باتخاذ القرارات لصالحهم"، وتشير الإحصائيات الأولية لمشاركة 11 مليون في الحدث.

وكانت طهران قد أعلنت اكتشافها أول إصابة بفيروس كورونا قبل أقل من يومين من موعد التصويت، الذي سجل وفاة خمسة أشخاص، إضافة لإصابة 28 آخرين حتى يوم السبت، وأنحى المسؤولين الإيرانيين اللوم بتفشي الفيروس بدايةً في مدينة قم قبل أن ينتشر في المدن الإيرانية على واشنطن لإعاقتها عملية التصويت، ووصفت صحيفة كيهان المحافظة انتشار الفيروس من مدينة قم ذات الخاصية الدينية بأنه "أحدث لعبة قذرة للمفلسين سياسيًا".

وقالت الصحيفة إن "كثيرًا من الساسة الأجانب المناهضين للنظام والدول المعادية لنا، أطلقوا دعوات لإخافة الشعب من كورونا والطلب منهم عدم المشاركة في الانتخابات من أجل صحتهم، غير أن الناس شاركوا بكثافة حتى في مدينة قم"، مشيرةً إلى حمل المصوتين في مراكز الاقتراع لافتات كتب عليها: "كورونا موضوع بسيط، حتى لو أصبنا بكل الفيروسات والأمراض، فهذا لن يثنينا عن المشاركة في الانتخابات، فنحن أبناء الثورة والجهاد"، وأظهرت صور ملتقطة توجه الإيرانيين إلى مراكز الاقتراع وهم يرتدون كمامات خوفًا من انتقال الفيروس إليهم.

الإيرانيون يقاطعون الانتخابات لأنها "مزيفة"

من المتوقع أن تترك نتائج الانتخابات هامشًا بسيطًا للرئيس حسن روحاني يمكنه من خلاله المناورة، نظرًا لأن نتائجها محسومة مسبقًا بين المحافظين المتشددين أو الموالين لخامنئي الذين سيسطرون على البرلمان، وستتأثر سياسة الانفتاح على الغرب التي كان ينتهجها روحاني، بموقف المحافظين الرافض لأي مفاوضات مع الغرب، وينتظرون استلامهم الرئاسة حتى يعلنوا تخليهم رسميًا عن الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحاديًا قبل أكثر من عامين.

وكان قرار المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي برفع أسعار البنزين في تشرين الثاني/نوفبمر الماضي، قد أدى لموجة من الاحتجاجات الشعبية عمّت المدن الإيرانية، وهو ما اعتبره محللون أنه محاولة لإضعاف موقف الرئيس الإصلاحي روحاني قبل الانتخابات البرلمانية، والتأثير على قرار الناخب الإيراني حتى يتمكن المحافظون من استعادة سيطرتهم على المجلس التي فقدوها في الانتخابات الأخيرة.

وفقدت الحكومة الإيرانية سواء كانت من الإصلاحيين أو المحافظين ثقة الشارع الإيراني، بعدما نفت في بادئ الأمر مسؤوليتها عن إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية التي كان على متنها 176 راكبًا، قبل اعترافها لاحقًا بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة لظنها أنها صاروخ سكود، وجاء إسقاط الطائرة المدنية بعد ساعات من هجوم صاروخي للحرس الثوري الإيراني على قاعدتين عسكريتين في العراق تتمركز فيهما القوات الأمريكية، ردًا على مقتل الجنرال سليماني.

وساهم منع مجلس صيانة الدستور الإصلاحيين من الترشح للانتخابات بالتأثير سلبيًا على الشارع الإيراني الذي ينظر للإصلاحيين على أنهم الفرصة الأخيرة لإحداث أي تغيير سياسي واجتماعي ممكن في السياسة الإيرانية، فقد وصف وزير الداخلية السابق بالوكالة مصطفى تاج زاده عملية التصويت بأنها: "ليست انتخابات.. إنها اختيار هندسي.. لذلك لن أصوت"، وأشار الناشط السياسي والمحاضر الجامعي من مشهد علي غليزاده إلى عدم مشاركته مع عائلته في التصويت رغم عدم معارضتهم للسلطة الدينية لأنها "انتخابات مزيفة".

لكن النائب الإصلاحي علي مطهري – منع من الترشح في الانتخابات الحالية – رغم تأكيده بأن البرلمان القادم لن يكون ممثلًا للإيرانيين، فإنه حث الإيرانيين في مقابل ذلك على المشاركة بالتصويت لأنه لا يزال بإمكانهم "العثور على مرشحين معتدلين وواضحين من بين المرشحين الحاليين"، ويجب على الناخبين "التصويت لصالحهم"، فيما أشارت سيدة الأعمال رويا لأنها رفضت التصويت بسبب عدم "أهمية صوتها"، ومضت بالقول: "إنهم لا يستمعون إلى مطالبنا.. يريدون فقط استخدام أصواتنا لإظهار أنهم يتمتعون بدعم شعبي".

المحافظون ينشدون سياسة أكثر تشددًا مع الغرب

تقول فرناز فاسيحي في تقرير نشر في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إنه في الوقت الذي تواجه إيران تحديات خارجية وداخلية غير عادية، خلص الزعيم الإيراني الأعلى إلى أن أفضل طريقة لإدارة هذه الاضطرابات، تتمثل بسحق الأصوات المعارضة وضمان تشكيل برلمان من شأنه الحفاظ على السياسات المحافظة كأفضل طريقة للتعامل مع القضايا الملحة.

وتنقل فاسيحي على لسان المحلل المتخصص في شؤون إيران في نيويورك روزبه ميربراهيمي قوله إن "البرلمان المقبل سيكون مطيعًا لخامنئي، وأكثر تطرفًا في سياساته، وسيؤدي ذلك إلى إسكات أصوات المعارضة الصغيرة التي نسمعها حول قضايا مختلفة"، حيثُ من المتوقع أن يتبنى البرلمان الجديد موقفًا متشددًا من واشنطن، كما أن الترجيحات تشير لعدم دعمه الجهود المبذولة لإعادة التفاوض مجددًا على الاتفاق النووي أو إنهاء دعم الجماعات المسلحة الحليفة لطهران في الشرق الأوسط.

وتضيف فاسيحي بأن توقعات المحللين تشير لعكس ذلك، من حيث تعزيز طهران لدعمها الجماعات المسلحة الحليفة لها أو وكلائها في الشرق الأوسط، وهو ما تدل عليه المعطيات من خلال تبني العديد من المرشحين المحافظين شعار "أنا قاسم سليماني"، في إشارة لقائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي استهدفت طائرة مسيرة أمريكية بصواريخ موجهة موكبه في محيط مطار بغداد الدولي مطلع الشهر الماضي، فقد تعهد هؤلاء المرشحون بالانتقام لسليماني من واشنطن.

وتوضح الكاتبة أن روحاني خسر أمام المحافظين بعدما فشل برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران مقابل إيقاف نشاطاتها النووية، الأمر الذي كان سينهي عزلة طهران الاقتصادية ما يساعد على جلب الاستثمارات الخارجية، بعدما قامت واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على طهران منذ عام 2018.

وستكون من أولى المهام التي سيقوم بها المحافظون في البرلمان الجديد تقليص السياسة الخارجية للرئيس روحاني حتى انتهاء فترة ولايته في 2022، بالإضافة لوزير الخارجية ظريف الذي لا يلقى قبولًا لدى المحافظين بسبب سياسته المنفتحة على الغرب، والذي من المتوقع أن يواجه عقبات خلال الأشهر القادمة، حيثُ يضغط المحافظون في إطار أن تكون إيران معتمدة على أسواقها المحلية أكثر من الأسواق الخارجية، وأن تكون أكثر تقاربًا مع روسيا والصين.

الانتخابات البرلمانية تفتح الصراع على تحديد هوية خامنئي

منحت قرارات منع الإصلاحيين التي أصدرها مجلس صيانة الدستور سيطرةً مطلقة للمحافظين المتشددين على البرلمان الإيراني للسنوات العشر القادمة، والمعروف صلتهم الوثيقة بالحرس الثوري الإيراني، ما سيجعلهم يتصدرون انتخابات الرئاسة العام القادم أولًا، وسيعطيهم فرصة للتأثير على الزعيم الإيراني الأعلى الجديد للبلاد الذي سيخلف خامنئي (80 عامًا) خلال الأعوام القادمة، والذي يأمل الحرس الثوري بأن يكون له تأثير عليه ليضمن السلطة العليا في البلاد.

وكان المرجع الديني العراقي – الإيراني آية الله محمود هاشمي شاهرودي الذي توفي في كانون الأول/ديسمبر من عام 2018 من أبرز المرشحين لخلافة خامنئي، نظرًا لما يعرف عنه من ولائه للزعيم الإيراني الأعلى وحصوله على أعلى درجة دينية في إيران، ووفقًا لمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية فإنه برحيل شاهرودي لم يعد هناك أي شخص ممكن أن يفضله خامنئي ليكون خليفته المحتمل.

وتشير المجلة الأمريكية إلى أنه على الرغم من ذلك يبقى هناك بعض الأسماء المرشحة لخلافة خامنئي، يأتي في مقدمتها رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، ويتبعه أمين ضريح الإمام الرضا – أقدس الأضرحة في إيران – إبراهيم الرئيسي، وهو متشدد لكنه أكثر استقلالية، وتقول الترجيحات إن الخليفة الذي سيعينه خامنئي سيواصل الدفاع عن السياسة الإيرانية المناهضة للغرب، والمعادية لواشنطن بشكل خاص.

وسيكون خليفة خامنئي مطالبًا بالالتزام بمفهوم السلطة الدينية العليا، وينظر إلى لاريجاني والرئيسي على أنهما يتساويان بالأهمية لدى الزعيم الإيراني الأعلى لأن أعمارهما قريبة من الـ50 عامًا، حيثُ يريد الزعيم الإيراني الأعلى أن يكون خليفته شابًا بدرجة كافية ليبقى حيًا في ظل تنامي المعارضة للحكم الديني السائد من قبل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 29 عامًا ويشلكون غالبية السكان في إيران.

وتستبعد المجلة الأمريكية حكم الحرس الثوري لإيران بعد وفاة خامنئي، لأن ذلك سيكون انتهاكًا للدستور، كما أنه ليس من مصلحة الحرس الثوري أن يحكم إيران، لذا فإن ما يريده وجود خليفة لخامنئي يدعم الحرس الثوري بمجموعة من القضايا مثل: الأيديولوجيا، العمليات العسكرية، حماية الاستثمارات للحرس الثوري وقادته، التي تقدرها واشنطن بأنها 20 بالمائة من مجموع الاقتصاد الإيراني.

اقرأ/ي أيضًا: بين ترامب وخامنئي.. خطوات إيران "الواثقة" نحو الهاوية

وتلفت ناشيونال إنترست إلى وجود أحد السيناريوهات التي يمثلها موقف رجل الدين الإصلاحي وأحد أكثر رجال الدين اعتدالًا في إيران محسن كديور، الذي كتب أنه يوجد منذ وفاة قائد الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني "إيمان طويل الأمد وسري" بين أغلبية المعلمين والعلماء الدينيين في إيران، يرى أن السلطة الدينية العليا في الحكم لا تؤدي إلا إلى الاستبداد لذلك يجب إلغاؤها، ويرى هذا الرأي الذي يطالب بإلغاء الحكم الديني أنه يجب اختيار القادة السياسيين في إيران بالانتخاب الشعبي لا عن طريق التعيين.

ستكون من أولى المهام التي سيقوم بها المحافظون في البرلمان الجديد تقليص السياسة الخارجية للرئيس روحاني حتى انتهاء فترة ولايته في 2022

وتختم المجلة الأمريكية تقريرها بالقول إن الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني كان قد طرح لأكثر من مرة تشكيل مجلس قيادة لحكم إيران يتكون من أشخاص عاديين ورجال دين، إلا أن اقتراحه لم يلق قبولًا لدى المحافظين المتشددين أصحاب الرتب السياسية العليا، إذ إنه على الرغم من محاولة التيار الإصلاحي أن يكون له رأي فيما ستؤول إليه الأمور بعد وفاة خامنئي، إلا أن المؤكد أنه لن يتم تعيين أي خليفة لخامنئي بدون الحصول على موافقة الحرس الثوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 احتجاجات إيران.. موجة غضب لا تستثني أحدًا حتى خامنئي!