03-يوليو-2017

إحساس بالفخر والسعادة ينتاب المتخرج الجزائري وعائلته (عبد النور دراف/ الترا صوت)

أنشئت جامعة الجزائر عام 1909 في قلب الجزائر العاصمة، وكانت حكرًا على أبناء الفرنسيين والمستوطنين الأوروبيين، ما عدا نخبة قليلة من الجزائريين، إمّا لانحدارهم من أسر منخرطة في النسيج الاستعماري، وإمّا لإعطاء انطباع بأن هناك عدالة في التعامل مع "المواطنين" الفرنسيين، ذلك أن الإدارة الفرنسية كانت تعتبر الجزائر مقاطعة فرنسية، منذ احتلالها عام 1832.

رغم البطالة التي قد تكون في انتظار الطالب الجزائري، إلا أن يوم تخرجه يتزامن مع احتفالات تشمل أسرته وأصدقاءه وتتنوع مظاهرها

بعد 57 عامًا من الاستقلال الوطني، باتت الجزائر تتوفّر على ما يقارب 80 مؤسسة جامعية، بين جامعة ومركز جامعي ومدرسة وطنية ومعهد عالٍ، يستفيد من خدماتها المجانية في التعليم والنقل والإيواء والمنح المالية والعلاج الصحّي ما يقارب المليون و500 ألف طالب، في شتى التخصّصات العلمية والإنسانية. أي ما يفوق عدد سكان 68 دولة عضوًا في هيئة الأمم المتحدة. يؤطرهم 56 ألف أستاذ منهم 27 ألف أستاذ برتبة باحث، حسب إحصائيات كشفت عنها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2016.

يغادر الجامعة سنويًا من هؤلاء الطلبة ربع مليون طالب، بين متوّج بشهادة ومؤجّل لإكمال دراسته ومتخلٍّ تمامًا عنها، فيتوجّه بعضهم إلى سوق العمل في البلاد، أو في الخارج، خاصّة فرنسا، فيما تبقى نسبة كبيرة منهم على قيد البطالة.

اقرأ/ي أيضًا:  استنساخ الرسائل الجامعية في الجزائر.. أرقام مخيفة!

رغم هذه البطالة التي قد تكون في انتظار الطالب الجزائري، والتي تدفع به أحيانًا إلى القبول بمهنة بسيطة يشترك فيها مع المتسرّبين مدرسيًا، إلا أن يوم تخرّجه من الجامعة، ومناقشته مذكّرة التخرّج يشكّل له مناسبة خاصّة، لا يستعدّ لها علميًا فقط، إذ يجد نفسه أمام لجنة علمية تسأله عن الصغيرة والكبيرة في الموضوع الذي اختاره، بل يستعدّ لها ماديًا أيضًا، ذلك أنه يشتري كمّية معتبرة من المأكولات والمشروبات والهدايا، لإقامة حفل مباشرة بعد المناقشة.

يدعو إلى هذا الحفل أسرته بالدرجة الأولى وأقاربه والأسر ذات الصلة بأسرته وأصدقاءه من داخل الجامعة وخارجها، فتكتظّ قاعة المناقشة التي تتحوّل، بمجرّد إعلان رئيس اللجنة العلمية عن العلامة، إلى قاعة أعراس. فترتفع الزّغاريد والموسيقى وتنطلق الرقصات والأهازيج، مصحوبة بالتقاط الصّور ومقاطع الفيديو. "وتستمر الحالة ساعتين أو ثلاثًا، وقد تكون القاعة محجوزة من طرف طالب آخر، فتحدث مناوشات في حالة تأخر إخلاؤها من طرف الطالب الأوّل"، تقول الطالبة نعيمة عثامنية.

تواصل طالبة الحقوق الجزائرية حديثها لـ"الترا صوت": "يتساهل أعوان الأمن مع دخول المدعوين إلى هذه الحفلات، عكس الأيام الأخرى. ولأن حضورها ملزم للمقرّبين من الطالب المتخرّج، تمامًا مثل حفل زواجه، فإن الحضور يكون بالعشرات، وإذا حدث أن تزامنت فترة مناقشته مع مناقشة طلبة آخرين، فإن الجامعة تتحوّل إلى قاعة أعراس كبيرة لا حرمًا جامعيًا له خصوصيته".

اقرأ/ي أيضًا: المكتبات الجامعية في الجزائر.. منتهية الصلاحية

تكتظ قاعة المناقشة بالأهل والأصدقاء وتتحول، بمجرد إعلان النجاح إلى قاعة أعراس، فترتفع الزغاريد والموسيقى وتنطلق الرقصات والأهازيج

يقول عبد النور دراف، الذي تخرج في تخصص الرياضة من جامعة ورقلة، 800 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، إنه أحس نفسه عريسًا قبل وبعد المناقشة، "ونسيت بذلك تعب سنوات الدراسة وأرق إعداد المذكرة. إنها لحظة جميلة تلك التي يرى فيها الطالب الفرح في عيون أمه وأبيه ومن يحبه وينتمي إليه". يضيف: "أحسست بالفخر لأنني استطعت أن أثبت لوالديّ أنهما لم يتعبا من أجلي عبثًا".

سألناه: "ألا ترى أن هذه الحفلات تليق بالبيوت لا بالجامعة؟"، فقال: "ماذا جنينا من فصل الجامعة عن المجتمع إلا هوّة جعلت الطرفين لا يعرفان بعضهما؟ تحدث الاحتفالات بعد نهاية امتحانات الفصل الأخير، أو قبيل انطلاق الموسم الجديد. وهي بهذا لا تؤثر على امتحانات بقية الطلبة".

من جهته، يقول الجامعي مسعود قايدي إنه يرفض الظاهرة لأسباب موضوعية، ذكر منها لـ"الترا صوت" أن فيها إحراجًا للطلبة الفقراء الذين لا يستطيعون أن يوفروا تكاليف الحفلة، أو يُحضروا أسرهم وأهلهم من مدن بعيدة. "أما من الناحية الرمزية، فإن هذه الحفلات تنتهك حرمة الجامعة وتلغي الفرق بينها وبين الشارع، وهو ما يميّع صورتها في أعين الناس". ويشرح فكرته: "لا أصادر حق الطالب المتخرّج في أن يفرح بإنجازه العلمي، لكن ما المانع في أن يفعل ذلك في بيته لا في الحرم الجامعي؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مدارس اللغات الأجنبية في الجزائر.. تجارة أم انفتاح؟

الآداب والعلوم الإنسانية في الجزائر.. إلى أين؟