02-يناير-2021

مشهد من باليرمو في إيطاليا (Getty)

في جنوب إيطاليا، وتحديدًا في مقاطعات كالابريا وسيسيلي وكامبانيا وبوغليا، تتقاطع مصالح المافيا مع السياسة ومع خدمات الرعاية الصحية قبل انتشار فيروس كورونا. أما بعده فقد زاد حجم التقاطع وسمحت جائحة كوفيد-19 للجريمة المنظمة أن تطغى بشكل أكبر على المستشفيات وما يرافقها من خدمات صحية بعد تفشي الوباء بقوة في إيطاليا وارتفاع نسبة المصابين بكوفيد-19 بكثرة.

تحاول المافيا بشكل مستمر الترويج لفشل الدولة، فحين تفشل الدولة يبحث المواطنون عن وسائل أخرى للأمن وتأمين الخدمات

على سبيل المثال لا الحصر، خدمات مثل نقل المرضى أو خدمات الجنازات، واحتكار العقود الطبية وبيع الأدوية المزورة والمنتهية الصلاحية والمتاجرة بلقاحات كوفيد-19، كل هذه الأنشطة تخضع لعصابات الجريمة المنظمة. مما دفع الإنتربول الدولي إلى إصدار إنذار عالمي بشأن الجريمة المنظمة وصلتها بلقاحات فيروس كورونا. إذ لا تقتصر أنشطة مثل هذه العصابات على تجارة السلاح والمخدرات والعقارات وتبييض الأموال فقط. 

اقرأ/ي أيضًا: "مافيا" للهجرة على الحدود الإسبانية.. ذريعة هوس السلطة باللاجئين

فالمافيا الإيطالية مثلًا، تملك سجلات المرضى في المستشفيات والأدوية التي يحتاجها هؤلاء، وتضغط من أجل إجبار المرضى طلب الخدمات عبر شركاتها فقط لا غير. فيما خص الموت بسبب كوفيد-19 فيبدو من الصعب التواصل مع شركة لتأبين الموتى وتنسيق عمليات الدفن والتوابيت لا تديرها المافيا، كما جاء في تقرير نشرته صحيفة الفاينانشيال تايمز.

رغم الجهود المبذولة من قبل جهاز الشرطة والإنتربول لمكافحة الجرائم المنظمة التي ترعاها العصابات والمافيات إلا أن مصالح عصابات الجريمة المنظمة تستمر في الازدهار واستغلال الفرص الجديدة أمامها. كانت عمليات الشرطة تهدف إلى كف يد المافيات عن المستشفيات والصيدليات بعد أن اخترقت هذه المؤسسات وتغلغلت بداخلها، وبدعم من بعض السياسيين المستفيدين في المقابل من أجل تغطية صفقاتهم في القطاع الصحي. كما أن المافيا تضغط في الانتخابات من أجل تجيير الأصوات لصالح الشخصيات السياسية المتعاونة، ما يعطيها في كل جولة انتخابية شبكة تحالفات جديدة مع القيادات السياسية الجديدة.

تحاول المافيا بشكل مستمر الترويج لفشل الدولة، فحين تفشل الدولة يبحث المواطنون عن وسائل أخرى للأمن وتأمين الخدمات. يقول روبرتو سافيانو، كاتب مناهض للمافيا "النظام الذي لا تقدم فيه الدولة الخدمات، هو بالضبط المكان الذي تستلم فيه منظمات المافيا كل الخدمات، وبالتالي تنتصر المافيا من خلال وضع يدها على المؤسسات كافة عبر توفير السيولة والسيطرة والتنظيم". وأضاف سافيانو "مكافحة الشرطة لقطع العلاقات الوثيقة بين السياسة والمافيا والقطاع الصحي ليست كافية، فالأمر يتطلب تغييرًا في الثقافة والعقلية عند المواطنين والتي يجب أن تتغير، فبدل اللجوء إلى المافيا للحصول على الخدمات يجب على المواطنين الإيمان بالدولة".

 تملك المافيا الإيطالية سجلات المرضى في المستشفيات والأدوية التي يحتاجها هؤلاء، وتضغط من أجل إجبارهم على طلب الخدمات عبر شركاتها فقط

تسعى عصابات المافيا عبر تقديم "المساعدة" إلى الاستفادة أيضًا، وذلك عبر الاستحواذ على الشركات التي تواجه صعوبات مالية أو في طريقها للإفلاس مما يجعلها عرضة للبيع بأسعار رخيصة للمافيا. وتعمل المافيا على كسب ثقة الناس عبر توزيع الطعام  في الحجر المنزلي، ومنح مساعدات مالية صغيرة للأسر الفقيرة، أو توزيع بعض المعونات. والأمر لا يقتصر على إيطاليا فقط، ففي بعض الدول اللاتينية، كالبرازيل مثلًا، بدأت عصابات الجريمة المنظمة تلعب دور الدولة في فرض قوانين التباعد الاجتماعي وتحديد التجمعات، ووضع قوانين الإغلاق على المؤسسات بما يتناسب مع مصالحها.

اقرأ/ي أيضًا: هل أصبحت مافيا "الحشيش" تشكل تهديدًا لاستقرار المغرب؟

وفي حديثه إلى صحيفة الغارديان قال نيكولا جراتيري، وهو محقق في مكافحة المافيا ورئيس مكتب المدعي العام الإيطالي "عندما تم إغلاق المتاجر والمقاهي والمطاعم والحانات التي يعمل فيها ملايين الأشخاص، هؤلاء لم يتلقوا أي دخل، وليس لديهم فكرة عن موعد عودتهم إلى العمل. وإذا لم تتدخل الدولة قريبًا لمساعدة هذه العائلات، فستقدم المافيا خدماتها، وتفرض سيطرتها على حياة الناس". أما فيديريكو فاريزي، أستاذ علم الجريمة في جامعة أكسفورد، فقال في حديثه للغارديان "المافيا ليست مجرد منظمة إجرامية. إنها تستمد قوتها من وجود قاعدة محلية شعبية تعمل من خلالها".

يذكر أن من أقوى الشبكات الإجرامية وأكثرها وحشية في إيطاليا، وفي أوروبا بأسرها، هي مافيا "ندرانجيتا" في كالابريا، ومافيا "كوزانوسترا" في صقلية، ومافيا "كامورا" في نابولي، وغيرها من المنظمات التي دخلت جميعها سوق الأدوية والمستشفيات ووسعت نشاطاتها فيه بعد انتشار فيروس كورونا. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرب برازيلية غير مسبوقة منذ 30 عامًا على الجريمة المنظمة

رغم تسليم "إل تشابو" والحرب على المخدرات.. المكسيك أرض العصابات الخصبة