25-مايو-2017

صادق مجلس النواب المغربي على مادة في مشروع قانون المالية تمنع الحجز على أموال الدولة (مصطفى حبيس/الأناضول)

صادق مجلس النواب في البرلمان المغربي على المادة الثامنة مكرر من مشروع قانون المالية لعام 2017، في انتظار التصويت النهائي عليها، وهي المادة المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة والجماعات الترابية، لتثير جدلًا كبيرًا في أوساط حقوقيين وقضاة مغاربة، وأيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت مطالبات للبرلمان بسحب هذه المادة من قانون المالية، إذ اعتبرها البعض "فضيحة أخلاقية"، بينما على النقيض نظر إليها آخرون باعتبارها "ضرورة".

منع حجز أموال الدولة

ينص المقتضى الأول للمادة 8 مكرر من قانون المالية الحالي، على ضرورة تنفيذ كل قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، ويلزم الدولة أو الجماعات الترابية (البلديات) بأداء تعويض مادي، بصرفه خلال أجل أقصاه 60 يومًا ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي، في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية.

أثارت المادة جدلًا بين حقوقيين وقضاة تساءلوا: ماذا لو قضت المحكمة بالحجز على أموال الدولة لصالح المواطنين، في ظل مادة تمنع ذلك؟!

وفي حالة ما إذا تبيّن أن هذه الاعتمادات غير كافية، يُنفّذ الحكم القضائي في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة، كما تنص أيضًا على منع الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية، وهذا المقتضى تحديدًا ما أثار الجدل بين من تساءلوا: ماذا إذا قضت المحكمة بالحجز على أموال الجماعات الترابية، أو أموال الدولة لصالح المواطنين؟

تناقض الدستور

تواصل "ألترا صوت" مع رشيد لرزق المختص في الشأن الدستوري، ليصف المادة بأنها مناقضة لمقتضيات الدستور المغربي، خاصة في الفصل 126، والناص على أنّ "الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع، إضافة إلى أنه يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة إذا صدر الأمر إليها بذلك، كما وجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام".

اقرأ/ي أيضًا: رفع الدعم عن المواد الأساسية.. هل هلع المغاربة مشروع؟

وقال لرزق إن تضمين المادة في قانون المالية، يُمثّل "اتجاهًا معاكسًا للتعاقد الدستوري، كونها تُشرعن لواقع غير مشروع"، يقصد من جهة فتحها الباب أمام مؤسسات الدولة "لتحقير" الأحكام القضائية، في الوقت الذي يجب عليه فيه، وفقًا لنصوص الدستور، أن تسهر على حسن تنفيذ الأحكام واحترام المقررات القضائية. "لكنها مع الأسف أول من يخرق هذه الأحكام، ويمتنع عن تنفيذها"، يقول رشيد لرزق.

وأضاف المختص في الشأن الدستوري، أن هذه المادة، تمثل أيضًا "رسالة معاكسة لتوجه الحكومة المعلن، والمتمثل في خلق تنمية اقتصادية، لكون هذه المادة تجعل المستثمرين المغاربة والأجانب يتخوفون في الاسثمار لكون هذه المادة تهدد بضياع أموالهم".

ينهي رشيد لرزق حديثه لنا بقوله: "إنها مادة خارج التاريخ السياسي والدستوري، والاجتهاد القضائي الذي ينهل من روح العصر، بمنعها بشكل مطلق إمكانية الحجز على أموال الدولة والجماعات المحلية ضمانًا لتنفيذ الأحكام القضائية".

مجمل رأي رشيد لرزق، يشاطره فيه نادي قضاة المغرب، الذي أصدر بيانًا حصل "ألترا صوت" على نسخة منه، يندد بالمادة، قائلًا إنّه "في الوقت الذي كان نادي القضاة ينتظر فيه من الجهات المعنية، وضع آليات قانونية قادرة على تيسير عملية التنفيذ، و تجاوز مشكل رفض الإدارة لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها؛ تفاجأ بإصدار مقتضيات المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية المذكور". 

وكما فعل رشيد لرزق، وصف البيان المادة بالمخالفة لأحكام الدستور المغربي و"التوجيهات الملكية السامية، التي ما فتئ صاحب الجلالة يؤكد من خلالها على ضرورة وأهمية تنفيذ المقررات القضائية، وجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر، بما في ذلك الإدارة".

انتقادات واسعة

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي انتشر وسم (هاشتاغ) "#مادة_8مكرر_لن_تمر"، نشر عليه المستخدمون آراءٍ منددة بالمادة المثيرة للجدل، ومن هؤلاء سارة سوجار وهي ناشطة حقوقية، قالت: "يتضمن مشروع قانون المالية لسنة 2017 المادة 8 مكرر، التي تعتبر مسًا خطيرًا بالدستور المغربي، وتقوم بتحْقير الأحكام القضائية وتسمح للإدارة بالتّملص من أداء المستحقات المالية، رغم التوفر على أحكام نهائية، كما تُشجِّع الإدارة على هضم حقوق المواطنين، لهذا سنطلق حملة إلكترونية ضد هذه المادة".

وعلى هذا المنوال، وعبر نفس الهاشتاغ، دوّن العديد من المغاربة منددين بالمادة، التي أجمعوا على أنها تخرق الدستور، وتجيء على حقوق المواطنين، وتحتقر أحكام القضاء المغربي.

ليس استثناءً مغربيًا

كل هذه الانتقادات دفعت برئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إدريس الأزمي الإدريسي، بكتابة مقال يبرر فيه أسباب تضمن قانون المالية للمادة 8 مكرر، نشره على الموقع الإلكتروني لحزب العدالة والتنمية، إذ يقول إن "هدف هذه المادة وضع الآليات والإجراءات المسطرية لضمان تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء". 

وأوضح الأزمي أن ذلك سيقع بالمادة من خلال "معالجة صعوبات عملية تحول دون تنفيذ الأحكام المتعلقة بأداء تعويض مالي من طرف الدولة والجماعات الترابية، والمتمثلة بالأساس في ضرورة احترام قواعد المالية والمحاسبة العمومية، وغياب إجراءات ومساطر قانونية ومالية واضحة وملائمة تنظم وتضبط كيفيات تنفيذ هذه الأحكام، ولهذا الغرض حددت وألزمت هذه المادة الآمرين بالصرف بالإدارات العمومية والجماعات الترابية بكيفية وآجال تنفيذ الأحكام وصرفها".

وفقًا للأزمي الإدريسي فإن القانون الفرنسي يمنع الحجز على الأموال والممتلكات العمومية، بما فيها ذات الطابع التجاري والصناعي

وفي معرض دفاعه عن المادة أخبر الإزمي أن موادًا مشابهة في مضمونها تكررت في أنظمة قانونية لدول عربية وغربية، منعت هي الأخرى الحجز على الأموال والممتلكات العمومية، قائلًا إنه مبدأ من المبادئ العامة للقانون، وتتضمنه الأنظمة القانونية العريقة وتطبقه منذ القدم".

اقرأ/ي أيضًا: تعويم الدرهم: في أي سياق وأي تداعيات ينتظرها المواطن المغربي؟

وضرب على ذلك مثلًا بالقانون الفرنسي الذي نص على الحجز "ليس فقط على ممتلكات الدولة والجماعات المحلية، بل حتى على ممتلكات المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي، وذلك باعتبارها ممتلكات في ملكية أشخاص عامة بالرغم من طابعها التجاري والصناعي"، كما قال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجفاف كابوس الاقتصاد بالمغرب

هل سلطات ملك المغرب فوق كل السلطات؟