12-يوليو-2016

أسس إيدهي عدة مؤسسات للرعاية الصحية والاجتماعية في باكستان(اسيف حسن/أ.ف.ب)

هناك مبادرات إنسانية قديرة قد أثارت اهتمام الأوساط العالمية ووصلت حتى مشارف نوبل، واعتبرها البعض أهم من مجرد مبادرات فردية، إلا أن طريقة عمل البعض منها أثارت حفيظة عدد من المتابعين للشأن العام، خاصة وقد تحولت، في بعض البلدان، إلى واجهة تستثمرها أطراف سياسية في إطار لعبة الاستقطاب.

تحولت بعض المبادرات الخيرية المهمة في بعض البلدان إلى واجهة تستثمرها أطراف سياسية في إطار لعبة الاستقطاب

اقرأ/ي أيضًا: جدار الرحمة في بغداد.. ملابس مجانية للمحتاجين

باكستان وبنغلاديش نموذجًا

في باكستان، اشتهرت تجربة "عبد الستار إيدهي للرعاية الصحية والاجتماعية"، أما في بنغلاديش، فهناك "بنك الفقراء" للدكتور محمد يونس. وهي تجارب يمكن اعتبارها من أشهر وأهم المبادرات الإنسانية، التي لم تقف ضد الفساد السلطوي بقدر ما اضطرت أن تسلك طريق الإصلاح من الداخل.

منذ أيام قليلة، فارقنا فاعل الخير الأبرز في كراتشي عن سن تناهز الثامنة والثمانين، إنه عبد الستار إيدهي، الباكستاني الذي امتلك أكبر وأهم أسطول سيارات إسعاف في بلده. منذ 6 عقود، أسس إيدهي عدة مؤسسات للرعاية الصحية والاجتماعية كان يشرف عليها هو وزوجته بلقيس، كان يدير أهم خدمات الإسعاف في باكستان إضافة إلى مؤسسة لرعاية الأطفال ومصحات ودور رعاية للنساء ودور إعادة تأهيل للمدمنين، ودور إطعام للمشردين على مستوى البلد. وباكستان لمن لا يعرف بلد فقير يعصف به الفساد الإداري سياسيًا واجتماعيًا، يعاني الإرهاب والفقر والمرض ويسكنه زهاء 190 مليون نسمة.

بعد وفاة إيدهي عبرت كل المؤسسات الرسمية في البلاد عن كامل تعاطفها وعميق حزنها على وفاته، نعاه كذلك الفقراء الذين كان عونًا لهم، ووقف في جنازته الجميع حتى موظفي الإسعاف، بقمصانهم الحمراء التي تحمل شارة إيدهي للمساعدات الإنسانية. إيدهي الذي بدأ حياته بائعًا للملابس على أرصفة كراتشي، أصبح أسطورة في العمل الخيري والإنساني، الذي باتت شرائح كبيرة تستفيد منه في باكستان.

أما محمد يونس ففي تجربته مع "بنك جرامين"، الذي أسسه في بنغلاديش في قرية صغيرة تسمى جوبرا عام 1967 كانت فلسفة كاملة جعلت البنك يتمتع بالأصالة في توجهاته، وهي فلسفة تقوم على استبعاد تقييم الفرد على أساس ممتلكاته الشخصية بل على أساس الحافز المعنوي الذي يتملكه الأفراد.

كان يونس يرى أن الناس جميعًا يمتلكون الحافز المعنوي الذي يدفعهم للعمل وجني المال، أما ضماناته التي يؤسس عليها استعادته للمال المقترض، فهي الجماعة المحلية (المجتمع الريفي) ومعرفته بالمقترض وأخلاقياته ومدى احتياجاته والمتابعة الضرورية من قبل موظفي البنك أنفسهم. وأنواع القروض في هذا البنك هي: القرض العام، ويحصل عليه كل أعضاء البنك، ويستخدم في جميع أغراض الاستثمار الفردي، القرض الموسمي والغرض منه دعم الزراعات الموسمية وقرض الأسرة، وتحصل عليه الأسرة عن طريق المرأة وهي المسؤولة قانونيًا عنه وهناك قروض الإسكان.

في وطننا العربي، تحتشد المبادرات الاجتماعية التي تطالب المواطن المثقل بالأعباء بالتبرع لمساندة فئات مختلفة في المجتمع، ولعل أهم هذه المبادرات وأكثرها شهرة هي مستشفى سرطان الأطفال المسماة "75375"، وهي المستشفى القائمة على التبرعات بالكامل وهي من أكبر المستشفيات في الوطن العربي رعاية للأطفال المصابين بمرض السرطان، وهناك مبادرات أخرى كثيرة ليس الهدف من هذا المقال تعدادها.

في وطننا العربي، تحتشد المبادرات الاجتماعية التي تطالب المواطن المثقل بالأعباء بالتبرع لمساندة فئات مختلفة في المجتمع

اقرأ/ي أيضًا: افتتاح أول عيادة مجانية في المغرب

المؤسسات الخيرية.. علامات استفهام

التكافل الاجتماعي فطرة إنسانية طيبة، تنميتها أمر غاية في الأهمية الأخلاقية خصوصًا في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها العالم من حولنا، لكن عديد الأسئلة تطرح في هذا السياق: هل هذه المبادرات قادرة على حل مشكلات الفقر والمرض في العالم، هل قامت بهدف مؤسس طبيعته القضاء بشكل ممنهج على تلك العلل التي يعاني منها الناس؟ أم تبقى أسيرة شغف فردي أو إحساس إنساني نبيل لشخص بعينه؟

وهل يمكن لهذه المبادرات، التي تنشط معظمها في أجواء سياسة شديدة الاحتقان، أن تحظى بالاستقلالية أم يجب أن يكون مرضيًا عنها كما هو الحال في معظم المبادرات الإنسانية التي ذُكرت أعلاه، والتي انتهت إلى إشادة أغلب المسؤولين أخلاقيًا عن مأساة تفشي المرض والفقر والجهل بين أبناء شعبهم؟

والسؤال الأخير والذي يطرح نفسه بقوة: هل ستشكل أي من هذه المبادرات، مع الاعتراف الكامل بما حققته على الأرض، فارقًا مع التفاقم المستمر للمشاكل في كل أنحاء العالم، وفي ظل حكومات تغض الطرف عن المستحق الحقيقي لدعمها وفي ظل مآسٍ عديدة يصعب صد أذاها بجهود فردية اجتماعية فقط؟

اقرأ/ي أيضًا:

ليبيا.. مبادرات شبابية لتهيئة مدارس غات

تونسية شابة تقدم أملًا جديدًا لمرضى الزهايمر