16-ديسمبر-2017

صراع إيران والسعودية في الوقت الراهن، هو الأكثر درامية بلا منازع (Japan Times)

نشر موقع "Standard" مقالًا للباحث والمؤرخ البريطاني بيتر فرانكوبان، ينطلق فيه من مقاربة سريعة بين درامية الأجواء في بريطانيا على خلفية تداعيات البريكسيت، وبين ما يحدث في الشرق الأوسط، ساردًا ومحللًا أبرز الأحداث، أو قل الصراعات، في المنطقة، باعتبارها الأكثر درامية وتأثيرًا في العالم. في السطور التالية ترجمة بتصرف للمقال.


إنه ذلك الوقت من السنة، عندما تمتزج الأسابيع ببعضها، حيث تصير الأيام أقصر، والليالي أطول. تستمر دراما البريكسيت، التي طال أمدها مع تقلباتها ومنعطفاتها المتوقعة، في حين بدأ الانهيار الذي حدث صباح أمس في بريطانيا، بعد البداية الواعدة لأول أمس الخميس، يُظهِر نوعًا من الأُلفة. وحتى سقوط الثلج أعقبه النمط المعتاد من انهيار النقل العام، والإغلاق الشامل للمدارس، والاستعلام الدائم عمّا إذا كان وعد بينغ كروسبي بعيد ميلادٍ أبيض قد يتحقق.

في ظل ما يُمكن تسميته بحالة فوضى عامة في العالم، تبقى التغيّرات الحقيقية هي التي تحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط

وغنيٌ عن القول إنّ التغيّرات الحقيقية في العالم تحدث في أماكن أخرى. وبينما تنتظر الأُمة البريطانية أن ترى مدى التشابه بين ما سيكون عليه الحال بعد البريكسيت وبين ما لدينا بالفعل، تجري حاليًا عملية ضخمة لإعادة تشكيل أجزاءٍ كبيرة من الشرق الأوسط. وقد خلقت المصالح المتناغمة بين روسيا وتركيا وإيران، مخططًا لسُوريا تكمن أهميته فيما سيحدث في البلاد التي مزقتها الحرب، كما هو الحال بالنسبة لتعاون الرؤساء بوتين وأردوغان وروحاني، في سوريا وأماكن أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: صورة كاملة للصفقة الكبرى.. هكذا سعى ابن سلمان للاعتراف بالقدس والضفة لإسرائيل

الولايات المتحدة التي تعمل بالتوازي، تجلس في مركز شبكةٍ جديدة مميزة تربط إسرائيل بالمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن دونالد ترامب كان قبل انتخابه ناقدًا شديدًأ للسعودية، إلا أنه صار شديد الدعم للنظام ولولي العهد محمد بن سلمان. وكان كلا الجانبين قد روّج للزيارة إلى الرياض، في أيار/مايو الماضي، على أنها إقرار بدعم الولايات المتحدة للسعودية، الأمر الذي أكده جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، عندما أُرسل لقضاء ليالٍ طويلة في إجراء مناقشات مع ولي العهد.

نشر ترامب في حسابه على تويتر "إنهم يعرفون تمامًا ما يفعلونه" يقصد السلطات السعودية، بينما كانت قوات الأمن السعودية تبدأ في اعتقال أفرادٍ من النخبة الحاكمة، الشهر الماضي.

كان قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، بمثابة تدخُل حاسم في سياسات الشرق الأوسط الشائكة، تحت رئاسة رجلٍ يدّعي أنه يهتم فقط بوضع مصالح الولايات المتحدة أولاً. وكما قال السفير البريطاني السابق، في بيروت، توم فليتشر: "البيت الأبيض الذي يهتم بأمن الشرق الأوسط، كان سيحاول إخماد الحرائق القائمة بالفعل، وليس إِشعال حرائق جديدة".

في قلب هذه الخصومة بين السعودية وإيران. هناك جذورٌ تاريخية، جزئيًا، وليس حصرًا، ترتبط بأغلبية السنة والشيعة في كل بلدٍ. كما توجد خصومة جيوسياسية واستراتيجية على منطقة الخليج، وبسبب الإعراب عن رؤية أوسع للشرق الأوسط.

وبينما قد يكون من المغري التفكير في أن ما يحرك إيران والسعودية هي الأيديولوجيا والعقيدة، من المهم كذلك الاعتراف بأن هناك أصواتًا متعددة، وغالبًا متنافسة داخل كل دولة، كالجيش مثلًا، وأيضًا داخل السلطات الدينية.

من المفيد أيضًا النظر إلى البراغماتية، بدلًا من الأيديولوجيا، كقُوةٍ محركة. ففي حالة إيران في سوريا، أثبت نظام الأسد، عدم وجود أي عقبات أمام إبرام الاتفاقات لدعم سيطرة حزب البعث على سوريا؛ بينما لا يمكن أن تكون هناك إشارةٌ أكثر وضوحًا على تغيير القوالب التكتونية البنائية، كالدعوة التي وجهها وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى ولي العهد السعودي، هذا الأسبوع، لزيارة الأراضي المحتلة.

يجري ذلك التنافس بين السعودية وإيران من خلال مجموعةٍ متنوعةٍ من الوكلاء. والرياض لا تمتلك ما يكفي لإثبات كفاءة وقدرة. وقد أتت محاولات حصار قطر بنتائجٍ عكسية على عدة مستويات. أما التدخل الأخرق في لبنان التي شهدت اختطاف رئيس وزرائها، سعد الحريري، مع عدم إعلان ذلك صراحةً، فقد فشل في تحقيق ثماره الموعودة بالحد من النفوذ الإيراني، وأثبت مرةً أخرى عدم جدواه.

لا تمتلك مملكة ابن سلمان الخبرة الكافية لإدارة صراعات خارجية بهذا الحجم، لذا فإنها تتلقى الهزائم الواحدة تلو الأخرى

ثم هناك اليمن، الأزمة الإنسانية الأكثر إلحاحًا في العالم، حيث من المتوقع أن يموت 50 ألف طفل من الجوع والمرض هذا العام، وحيث فشلت المحاولات السعودية للتدخل في تحقيق نتائج بسرعةٍ أو كفاءة.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

جزء من السبب في ذلك، يكمن في قلة خبرة السعودية، حيث كان الوضع النموذجي هو البقاء منعزلةٌ ومستقرة لدرجة الاختناق. وهو وضعٌ يحاول ولي العهد تغييره، لكن بطيش وتهوّر.

إنه بصدد مواجهة طهران التي بنت شبكات منذ ثورة 1979، وتمتلك خبرةً في المشاركة منخفضةً التكلفة، ودور بارز في جميع أنحاء المنطقة. وهذه الخصومة ليست سهلة أبدًا.

مقارنة محمد بن سلمان الأخيرة لإيران، مع ألمانيا هتلر، قُوبِلت باستجابةٍ لاذعة من قِبل طهران، كما قُوبِلت إحدى تعليقاته في وقتٍ سابق من هذا العام، بشأن التوتر العسكري المتزايد بين البلدين، وردًا على سؤال حول وجود هجوم محتمل على السعودية من قبل طهران، صرّح ابن سلمان بأنه سيأمر بالبدء بالهجوم، قائلًا: "سنعمل على أن تكون المعركة في إيران، وليس في السعودية".

لا يُعير المراقبون المحنكون هذا الاستعراض أهميةً كبيرة، وهو استعراضٌ مُوجه للجمهور المحلي، كما هو مُوجَّه للجانب الآخر. إلا أن اللافت للنظر وربما والجديد، هو الشعور المتزايد في الشرق الأوسط، كما في معظم أنحاء آسيا، بأن الوقت قد حان لحل المشكلات محليًا. التدخلات الغربية في العراق، وأفغانستان، سارت على نحوٍ سيء للغاية، ثم هناك الشكوك حول بعض الالتزامات مثل الاتفاق النووي الإيراني، الذي يبدو الآن معرضًا للخطر، بينما يقوم ترامب بالانحياز لأحد الجانبين، بدلًا من محاولة التوفيق والقيادة.

يمكن اختصار العصر الجديد، بالدور القوي الذي ترى إيران نفسها تلعبه. يقول محمد جواد ظريف في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي: "لا يمكن للولايات المتحدة وروسيا أن يتخذا القرارات لإيران"، ويضيف: "إنها منطقتنا". قد يعترض السعوديون عل ذلك، ولكن التنافس حقيقيٌ وحاد وخطير.

لا شك أنّ المنطقة تشهد عصرًا جديدًا، تتصاعد فيه المنافسة بين السعودية وإيران، لولا أنّ طيش ابن سلمان قد ينذر بالكوارث

إيران والسعودية في مرحلةٍ انتقالية، وأيضًا في منافسة. وهو ما يضع أهمية كبيرة على ما يحدث، بسبب الدور الذي تلعبه كُل من الدولتين بصفتهما منتجتين للنفط، وكذلك في تحديد صياغة الشرق الأوسط، وآسيا، والشؤون العالمية. يبدو ذلك أكثر أهمية وتأثيرًا من قضية البريكسيت وتداعياتها، حتى الآن على الأقل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تفوقت إيران على السعودية في حرب السيطرة على الشرق الأوسط؟

تخبط السياسات السعودية.. مادة للسخرية لولا كلفتها الدموية!