09-نوفمبر-2021

(Getty Images)

على مر تاريخ الحزب الشيوعي لم يقدم سوى زعيمين من زعمائه على كتابة ما يسمى بالبيان التاريخي. واليوم تترقب الصين لترى إن كان تشي جينبينغ سيصبح ثالثهما.

ورد الإعلان التاريخي وهو الأول من نوعه منذ 40 عامًا على رأس النقاط المطروحة في أجندة اجتماع الحزب هذا الأسبوع. وهو آخر اجتماع قبل انعقاد المؤتمر العام للحزب الذي يعقد مرتين كل عقد، حيث من المتوقع أن يبقى في منصبه لفترة ثالثة في سابقة هي الأولى في تاريخ الحزب. 

يصبو جينبينغ عبر بيانه الخاص إلى تثبيت مكانته بين عظماء الحزب، وقد يؤشر ذلك لتغييرات كبيرة في مسار الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم

صدرت بيانات ماو تسي تونغ ودينغ شياو بينغ التاريخية في منعطفات حرجة في مسار الأمة الصينية ومكنت الزعيمين من فرض سلطتهما على الحزب حتى لحظة وفاتهما. والآن يصبو جينبينغ عبر بيانه الخاص إلى تثبيت مكانته بين عظماء الحزب، وقد يؤشر ذلك لتغييرات كبيرة في مسار الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم. 

دينغ شياو بينغ (بلومبيرغ)

تعقد الجلسة الكاملة السادسة للجنة المركزية للحزب، وهي أكثر فعاليات السياسية الصينية شبهاً بفترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، في الفترة بين 8 إلى 11 تشرين الثاني/نوفمبر. وإذا نجح جينبينغ في حصد الدعم لرؤيته التاريخية الخاصة في هذا الاجتماع، سيكون ذلك أكبر مؤشر على إمكانية حكمه مدى الحياة، خصوصًا بعد عقد كامل قمع فيه أعداءه ورعى فيه صعود مشاعر الفخر القومي.

ما هي الجلسة الكاملة السادسة؟

بين كل مؤتمرين للحزب الشيوعي تجتمع اللجنة المركزية للحزب سبع مرات في اجتماعات تدعى بالجلسات الكاملة لمناقشة مختلف القضايا. يجتمع في هذه الجلسات حوالي 400 رجل وبضعة نساء، فيهم زعماء الدولة وقادة الجيش وزعماء المقاطعات وأكاديميون في فندق مشدد الحراسة في بكين. وكما هو الحال في معظم الأحداث المتعلقة بالسياسة الصينية تظل أجندة الاجتماع سرية ولا يكشف عنها للعموم إلا بعد انتهاء الجلسة، ويحذف منها كل اختلاف ومشاحنة.

وباعتبارها الجلسة الأخيرة في الدورة السياسية الصينية التي تدوم خمسة أعوام، تحمل هذه الجلسة السادسة أهمية خاصة، فهي تمثل الفرصة الأخيرة للرهانات السياسية قبل اتخاذ القرارات الكبرى في المؤتمر العام في العام التالي. واستعدادًا لهذه الجلسة، راجع المكتب السياسي للحزب الشهر الماضي مسودة بيان عن "الانجازات الكبرى والخبرات التاريخية للحزب في الأعوام المائة في عمر الحزب"، وذلك بحسب ما أذاعته وكالة أنباء شينهوا الرسمية، دون تقديم مزيد من التفاصيل.

أثارت الصيغة التي ورد بها النبأ الدهشة. ففي الجلسة المكتملة السادسة عام 1981 مرر دينغ بيانه التاريخي الذي أدان فيه أخطاء سلفه ماو الذي أودت قفزته العظيمة للأمام وثورته الزراعية بالصين إلى المجاعة والموت. وفي قمة مشابهة عام 2016 أضفى الحزب على جينبينغ لقب "زعيم رئيسي" وهو لقب لم يمنح سابقًا إلا لدينغ وماو وجيانغ زيمين ويعني فعليًا منحه سلطة الفيتو في كل القرارات الهامة في الحزب.

ما هي البيانات التاريخية؟

البيانات التاريخية في ظاهرها، سرد طويل وجاف مكتوبة بلغة حزبية صعبة الفهم. لكنها في الحقيقة تمثل أقوى رهان سياسي في السياسة الصينية. 

حين نشر ماو بيانه التاريخي عام 1945، كانت الجمهورية الشعبية ما زالت على بعد أربع سنوات من أن تصبح دولة مستقلة ومع ذلك كانت غارقة في صراعات السلطة. ثم جاءت هذه الوثيقة بعنوان "بيان حول أسئلة معينة حول تاريخ حزبنا" لتنهي كل هذا الجدل. فقد مثلت إعلانًا لاحتكار ماو "للرؤية السياسية الصائبة" لقيادة الحزب الشيوعي الصيني، ومدشنًا عقودًا من حكمه المطلق ذو النزعة الفردية.

وحين قدم دينغ بيانه في 1981 كان الحزب في خضم منافسة محتدمة أخرى على الزعامة بعد وفاة ماو قبلها بأربعة أعوام. وعبر إدانة الفوضى التي خلفتها ثورة ماو الثقافية دون أن يدين الرجل في حد ذاته، حفاظًا على قواعد الحزب، حاز دينغ مكانته باعتباره الرجل صاحب الرؤية الصائبة التي ستمضي بالصين إلى الأمام.

انطلاقاً من تلك الوثيقة تمكن من دينغ من تحرير الاقتصاد الصيني وحظر كل أشكال التحزب حول شخص بعينه، دون أن يتحل في أي وقت من الأوقات منصب الرئيس. تحمل البيانات التاريخية هذه السلطة لأن الحزب يتمحور حول ما يسميه وو غوغوانغ أستاذ التاريخ بجامعة فيكتوريا بـ "السياسة الوثائقية" وهو نظام تحفظ فيه قرارات النخبة في شكل وثائق لا قوانين. 

وبحسب غوغوانغ "إن عملية كتابة وثيقة في الحزب الشيوعي الصيني هي في حقيقتها عملية بناء نوع من الإجماع داخل نخبة الحزب". إعداد هذه الوثائق هو أكبر عرض ممكن للإجماع والرضا الجماعي. جمع دينغ موافقة أكثر من 400 من كوادر الحزب على وثيقته، وأفادت وسائل الإعلام الرسمية أن جينبينغ يعرض بيانه حاليًا على شخصيات هامة خارج الحزب.

ومع ذلك يرى غوغوانغ أن الزعيم هو دائمًا المتحكم الأوحد في السردية الواردة في البيان. في النهاية " هو المتحكم في عملية صياغة البيان التاريخي الثالث وهو يفرض رؤاه لتكون إطاراً عاماً تصل نخبة الحزب إلى الإجماع داخله".

ما الذي سيقوله جينبينغ في البيان؟

على خلاف أسلافه الذين انتقدوا في بياناتهم أخطاء من سبقوهم، سيروي جينبينغ على الأرجح في وثيقته قصة قرن من النجاحات والانجازات والتغلب على المصاعب وسيخط على أساسها رؤيته لمجتمع ماركسي حديث، وذلك وفقا للإشارات الواردة من وسائل الإعلام الرسمية. أعلن المكتب السياسي للحزب الشهر الماضي إعادة إحياء الأمة الصينية باعتبارها "حتمية تاريخية" تحت قيادة جينبينغ، على حد تعبير صحيفة بيبولز ديلي التي يصدرها الحزب.   

صياغة سردية عن النجاح المستمر للحزب ستفرض على جينبينغ الإشادة بالسياسات المتناقضة لماو ودينغ وتجاهل أحداث دامية مثل القفزة العظيمة للأمام ومذبحة ميدان تيانانمين وأن يقدم أيديولوجيته الخاصة باعتباره مسارًا طبيعًيا وحتميًا، رغم انتقاده بأنه يحيي السياسة المتمحورة حول شخصية الزعيم التي كرهها دينغ.

إن الجمع بين ماو ودينغ قد يبدو للبعض غير منطقي، لكنها حيلة سياسية مجدية داخل الحزب الشيوعي الصيني. يغير جينبينغ الكثير من سياسات دينغ لكنه يتبع بلا شك كلاً من ماو ودينغ في أمر واحد: وهو الحفاظ على سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على مقاليد السلطة في الصين".  

ما أهمية الأمر؟

باعتباره زعيماً لخمس سكان العالم، يحمل بقاء جينبينغ في السلطة مدى الحياة تداعيات خطيرة. فالرجل الأهم في الصين يسعى حثيثاً لإعادة توزيع ثروة الأمة لبناء مجتمع ماركسي أكثر عدالة. أدت حملة "الازدهار المشترك" إلى فقد ما يقارب 1 تريلون دولار من قيمة الأسهم الصينية حول العالم في تموز/يوليو الماضي، وأثرت على أعمال الجميع، ابتداء من سائق سيارة التوصيل ومدرسي الدروس الخصوصية، وصولاً إلى شركات التقنية العملاقة والمشاهير، وكان لها تداعيات كبيرة على الاستثمار العالمي.

باعتباره زعيماً لخمس سكان العالم، يحمل بقاء جينبينغ في السلطة مدى الحياة تداعيات خطيرة

متسلحاً بهذا البيان التاريخي، سيقف جينبينغ في مؤتمر الحزب العام القادم ليعلن عن مزيد من الإصلاحات الاقتصادية ومواجهة الولايات المتحدة في مسائل التجارة وفيروس كورونا وبالطبع مسألة تايوان التي تعتبرها الصين مقاطعة مارقة. في تموز/ يوليو الماضي، صرح الرئيس الصيني أن إخضاع الجزيرة التي تتمتع بالحكم الديمقراطي لحكم الحزب الشيوعي الصيني يمثل مهمة تاريخية للحزب، وهي خطوة قد تشعل الحرب بين الولايات المتحدة والصين إن أقدمت عليها الصين بالقوة المسلحة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مسودة قانون التربية الأسرية في الصين تجيز معاقبة الآباء وتكافح إدمان الإنترنت

هل تفي استعارة "الحرب الباردة" بتفسير شكل العلاقات بين بكين وواشنطن؟