19-ديسمبر-2017

استبيان ضمن حملة "المؤبد إلو، الحياة إلها" (موقع الحملة)

غرف صغيرة مغلقة وُضعت بكورنيش بيروت بالقرب من صخرة الروشة ليدخلها المارة من فوق السن القانوني للاستماع إلى قصص حقيقية مؤلمة وقعت في المجتمع اللبناني لأطفال وصبايا تعرضوا لما يُسمى "بالاغتصاب السفاحي" من الأهل والأقارب، وسط حملات للتوعية ببشاعة الجريمة وتوغلها في المجتمع ومطالبات بتعديل قانون العقوبات اللبناني.

حسب منظمة أبعاد اللبنانية، 49% من حالات الاعتداء الجنسي ضد اللبنانيات تُرتكب من قبل أحد أفراد الأسرة أو المعارف المحيطين بالضحية

"في سجون لازم تبقى أبوابها مسكّرة"

ضمن فعاليات حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة التي تدعو لها الأمم المتحدة في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر حتى العاشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، أطلقت منظمة أبعاد، وهي منظمة مجتمع مدني لبنانية أنشئت في العام 2011 وتهتم بالدراسات النسوية والجندرية وقضايا المساواة بين الجنسين، حملة ومبادرة حقوقية توعوية بجريمة الاغتصاب السفاحي بالمجتمع اللبناني.

وتشير منظمة أبعاد إلى أن جريمة الاغتصاب السفاحي تمثل أخطر أشكال الاغتصاب والاعتداء الجنسي، فحسب المنظمة، هناك امرأة من كل أربع نساء في لبنان تبلّغ عن تعرضها لاعتداء جنسي، كما أن 49% من حالات الاعتداء الجنسي تُرتكب من قبل أحد أفراد الأسرة أو المعارف المحيطين بالضحية، وتظل الأرقام الحقيقية لجرائم الاغتصاب السفاحي غير معروفة نظرًا لحساسية الجريمة ووصمها المجتمعي بكونها جريمة ذات طابع عائلي، فضلاً عن وقوع جرائم بالمناطق النائية أو بالمخيمات، ما يجعل رصدها صعبًا على المؤسسات الرسمية أو منظمات المجتمع المدني.

وتحت شعار #المؤبد_إلو_الحياة_إلها، دعت المنظمة إلى التفاعل مع الحملة من أجل الضغط على المشرّعين لتعديل الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات لتشديد الحكم على المغتصب ليصل إلى الحكم المؤبد، تفعيلاً لشعار آخر للحملة "في سجون لازم تبقى أبوابها مسكّرة"، تلك التي يقبع بداخلها مرتكبو جريمة اغتصاب السفاح.

كما أقامت منظمة أبعاد استفتاءً حول العقوبة المناسبة للمغتصب إذا ما كان من عائلة الضحية، وتأكيدًا على عدم تزوير الأصوات فلابد للمصوت أن يسجل باسمه وبريده الالكتروني الشخصي، وحتى هذه اللحظة كان عدد المصوتين لحكم المؤبد1793 صوتًا، بينما 53 شخصًا اختاروا الحكم الحالي بقانون العقوبات اللبناني المتمثل في السجن لخمس سنوات فقط، وعلى الرغم من انتهاء فعاليات حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة إلا أن المبادرة التي أطلقتها منظمة أبعاد لا تزال مستمرة.

اقرأ/ي أيضًا: سرديات الاغتصاب والتحرش.. فتيات عربيات يكسرن الصمت

صعوبات تعيق تنفيذ القانون على المغتصب

تعتبر الجرائم ذات الطابع العائلي من أصعب الجرائم التي يمكن التعامل معها بالشكل القانوني تنفيذًا للعدالة فالمجتمع العربي لا يزال يحرص على إخفائها

تعتبر الجرائم ذات الطابع العائلي من أصعب الجرائم التي يمكن التعامل معها بالشكل القانوني تنفيذًا للعدالة، أو بالشكل التوعوي من منظمات المجتمع المدني، فالمجتمع العربي لا يزال يتعامل مع الجرائم المماثلة بنظرة "العيب" والوصم المجتمعي للضحية قبل المجرم ووصم العائلة ككل، ما يجعل الضحايا في الكثير من الحالات يخترن الصمت بسبب الضغوط الاجتماعية، كما حدث في إحدى الحكايا التي رصدتها منظمة "أبعاد" أن الضحية التي تعرضت للاغتصاب من زوج الأم في سن صغيرة، عندما اعترفت لأمها بما حدث طالبتها بالسكوت منعًا للفضيحة!

وتلك النقطة مثّلت تحديًا لمنظمات المجتمع المدني والحراك النسوي بالوطن العربي محاولين التوعية بتلك الجرائم والمشاكل وتقديم الدعم النفسي لضحايا الاغتصاب السفاحي والاعتداء الجنسي وتشجيعهن على البوح بما وقع لهن دون خوف من الوصم المجتمعي، ومحاولين تقديم الدعم للضحايا لتجاوز الجريمة حتى لا يقعن فريسة للانتحار، كما حدث في بعض الحالات.

وتظل هناك مشكلة محورية تعيق تنفيذ العدالة في تلك الجرائم، وهي الكيفية لإثبات وقوع الجريمة، فالاغتصاب السفاحي يقع في النهاية داخل المنازل والبيوت المغلقة من أحد أفراد الأسرة أو المقربين المسموح لهم بالتواجد بالمنزل، وبالتالي كيفية إثبات وقوع الجريمة أصعب بكثير من جرائم الاغتصاب الأخرى أو التحرشات والاعتداءات الجنسية بالشوارع والأماكن العامة، فضلاً عن جهل الأطفال في السن الصغيرة بأن ما يحدث لهم/هن هي جريمة اعتداء جنسي أو اغتصاب، ففي بعض الحالات يظن الأطفال أن المعتدِ يلعب ويلهو معهم/هن، كما حدث في حالة أحد الأطفال الذي حكى لوالدته أن أبيه يلعب معه بهذا الشكل، لتكتشف الأم مصادفةً جريمة الاعتداء الجنسي الذي تعرض لها طفلها، كما جاء على لسان السيدة إقبال مراد دوغان، رئيسة رابطة المرأة العاملة في لبنان.

كيف تفاعل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مع الحملة؟

تعاطى المدونون على مواقع التواصل الاجتماعي إيجابيًا مع وسم/ هاشتاج #المؤبد_إلو_الحياة_إلها، حتى أن بعض الفتيات استجمعن شجاعتهن وبحن عمّا حدث لهن، ما يذكّرنا بحملة #me_too التي انطلقت من فترة قريبة للتدوين عن حالات التحرش والاعتداء الجنسي، ما يشير إلى أن تلك الحملات تؤثر في المجتمع بشكل تصاعدي واحدة تلو الأخرى. دعا المدونون إلى تشديد العقوبة على المغتصب حتى تكون رادعًا قويًا، فنصف حالات الاغتصاب السفاحي يرتكبها أفراد من العائلة، وإن ظلت القوانين بوضعها الحالي فلن يتغير شيء.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: هل يمكن أن يغتصب الزوج زوجته؟

وقال المدوّن خالد علي الدبيبي أن "السجن المؤقت لا يكفي للمجرم بل يزيده إجرامًا، عندما يخرج من حبسه يكمل حياته بشكل طبيعي، بينما تعيش الضحية في حسرة أبدية، وضرر نفسي، ووصم مجتمعي يلازمها حتى الممات" وأضاف أن هذه النوعية من الجرائم تكون منهكة ومهلكة للأسرة، فكيف الوضع للفرد المعتدى عليه، حتى أن بعض الأسر تتمنى التخلص من الضحية حتى لا تفضح العائلة وتلصق بها العار، وهي لا ذنب لها ولكن المجتمع لا يرحم، على حد قوله.

وطالبت الإعلامية سكينة المشيخص بالتشهير بكل متحرش سواء من داخل الأسرة أو خارجها، سواء كان التحرش لفظيًا أو جسديًا، كما دعت إلى ضرورة تغيير نظرة المجتمع إلى أن المرأة هي التي تُلام حتى إن كانت ضحية، فهناك نساء صامتات يمتن في اليوم ألف مرة نظرًا لخوفهن من البوح بما تعرضن له، كما قالت.

التوعية الاجتماعية أولاً.. تعديل القانون أخيرًا

تحرص حملة "المؤبد إلو، الحياة إلها" في مرحلة أولى إلى خلق حالة من الوعي المجتمعي لتشجيع الناس على الحكي وكشف المستور

قالت المحامية دانيال الحويك، المنسق العام والمسؤولة القانونية عن حملة "المؤبد إلو، الحياة إلها" لـ"الترا صوت"، إن "الحملة تسعى مستقبلاً لإيجاد تشريع قانوني يحمي الفتيات من الاعتداء الجنسي، خاصة اغتصاب السفاح، ولكن الأهم في الوقت الحالي هو خلق حالة من الوعي المجتمعي لتشجيع الناس على الحكي وكشف المستور عن جرائم تحدث داخل جدران المنازل ويتم السكوت عنها خوفًا من الوصم المجتمعي".

وذكرت الحويك أن "منظمة أبعاد تقدّم طرق الدعم كافة لضحايا الاعتداءات الجنسية، من مراكز للإيواء، وخدمات للدعم النفسي لتقليل الضرر الواقع على الضحية ومحاولة تأهيلها مجددًا للاندماج مع المجتمع، فضلاً عن التعاون مع الطب الشرعي وتوفر أدوات الإسعافات الأولية.

وفيما يخص السعي لتعديل القانون الحالي، تضيف الحويك أن "المنظمة لم تسعَ لإعداد مشروع قانون بعد، فالاهتمام الحالي يصب في صالح التوعية، وبداية من العام القادم، تسعى المنظمة لعقد لجنة قانونية بها أعضاء من جهات رسمية للوصول إلى صياغة لمقترح القانون، خاصة بعدما لاقت الحملة تفاعلاً كبيرًا وتجاوبًا من بعض صنّاع القرار والمشرّعين".

وبسؤالها عن الكيفية القانونية لإثبات وقوع الجريمة حيث إنها ضمن الصعوبات التي تحول دون تنفيذ العدالة، صرّحت: "لذلك كان من المهم البدء بالتوعية الاجتماعية وإلقاء الضوء على القضية قبل كل شيء، لأن القانون وحده لا يكفي وقد لا يُطبّق نظرًا لأن الضحايا يمكن ألا يعترفن بالجريمة خوفًا من الوصم المجتمعي، ولذلك تسعى المنظمة لعقد تعاون مع المدارس ومع وزارة الصحة للتوعية بالقضية ورصد حالات الاعتداء على الأطفال الذين من الممكن أن يجهلوا بمثل هذه الجرائم، ومحاولة الوصول لطرق لتأمين الضحايا وإعادة تأهيلهم، وضرورة وجود رعاية اجتماعية شاملة في حالة حبس رب الأسرة المسؤول عن رعايتها ماديًا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

خديجة السويدي.. ابتزاز واغتصاب أديا إلى انتحارها

"العنف الجنسي".. سلاح فتّاك بين يدي داعش والنظام في سوريا