09-يوليو-2021

قمعت قوات الأمن مدعومة بأفراد بزي مدني الاحتجاجات في رام الله (Getty)

نشرت كولديت مرافكو هذا المقال في صحيفة اللوموند الفرنسية في الثلاثاء 6 تموز/يوليو 2021، في قراءة لأعمال العنف  التي قامت بها القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية ضد المتظاهرين.


ضمادة بيضاء خفيفة تحجب وجنة شذى حماد، وعلى مستوى عظمة الأنف زرقة. "كنت أظن أنني سأفقد عيني" تتنهد الصحافية بعمق.

كانت شذى تغطي مظاهرات السبت 26 حزيران/يونيو، برام الله مقر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، هناك حيث تجمع مئات الأشخاص يطالبون بالعدالة للناشط نزار بنات المغتال أثناء التحقيق معه على يدي قوات الأمن الفلسطينية - يبدو أنه عذب حتى فارقته الحياة – بعد اعتقاله. "تقدم مني شخص بالزي المدني، في البدء حاول أن يأخذ مني الهاتف، والتهجم عليّ، لقد كان ملثمًا حتى يصعب التعرف عليه" تواصل الفلسطينية صاحبة الـ 32 ربيعًا روايتها ووشاح بنفسجي منسدل يبرز قسمات وجهها المتعب.

السلطة الفلسطينية تمارس القمع بشكل اعتيادي، ثم تحاول أن تضفي على نفسها صفة المؤسسة الديمقراطية

في الجهة المقابلة للمتظاهرين انتصبت جموع مؤازرة لفتح، حزب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في حين شكلت القوات الأمنية سدًا منيعًا، في هذا اليوم تم جرّ رجل على امتداد أمتار، تركله الأرجل تارة ويقذف بالحجارة تارة أخرى، فهرعت الجموع لإنقاذه من بطش وعنف المنتسبين إلى فتح. تبتعد شذى قليلًا، لتصاب بمقذوفات الغاز المسيل لدموع في الوجه. تؤكد أنّها كانت هدفهم لأنها صحافية.

اقرأ/ي أيضًا: الأخلاقي والسياسي في قضية اغتيال نزار بنات

القمع المروع

في اليوم الموالي، أي يوم الأحد، كان عدد عناصر القوات الأمنية 500 شخص أو يزيد، يرتدون زيًّا مدنيًّا، يهجمون ويسحلون المتظاهرين وسط الشارع، لقد كانوا مزودين بالغاز المسيل لدموع، متأبطين عصيهم، تواصل الشابة الفلسطينية الحديث: "إنّ السلطة الفلسطينية تمارس القمع بشكل اعتيادي، ثم تحاول أن تضفي على نفسها صفة المؤسسة الديمقراطية، لهذا كنا نعتقد أن بعد كلّ الذي حدث يوم الخميس ستخفف السلطة الفلسطينية من حدتها وتسمح لنا بالتعبير عن غضبنا، لكننا تفاجأنا".

خرج المتظاهرون مجددًا بكل هدوء، يوم السبت 3 تموز/يوليو، إلّا أن المنافذ للمقر الرئاسي كلها كانت مغلقة، كما أوصدت باقي الشوارع لمنع وصول المتظاهرين من مدن اخرى. في الوقت ذاته كان الحصار الذي أطبقته القيادة الفلسطينية جدّ فعال، فبعد قمع المتظاهرين "لم تعترف سلطة رام الله بأي شيء ولم تفسر دواعي تصرفاتها، كأن لا شيء حدث" تواصل شذى حماد ممتعضة.

وأمام تواصل صمت المؤسسات وعدم فعالية نقابة الصحافيين قام عدد من الصحافيين يتمزيق بطاقة الصحفي التي يحوزونها. الموقف الوحيد جاء من وزير العمل نصري أبو جيش المنتمي للحزب الشيوعي، إذ قدم استقالته كرد فعل على الأحداث، في حين يواصل الجهاز الأمني إنكار تورطه. "ليس هناك عناصر أمن بالزي المدني، لماذا يرتدون الزي المدني؟"، صرح الناطق الرسمي طلال دويكات للإذاعة.

إنّ موجة الاعتقالات هذه "أمر فظيع، لقد سبق ورأيناه" يقول علاء الترتير، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات "الشبكة". لقد استعملت السلطة الفلسطينية نفس الممارسة في وجه المتظاهرين في 2012 ،على إثر موجات الربيع العربي. يواصل مستحضرًا: "لقد كانت ثمّة دعوة في تلك الفترة، لتشكيل لجان تحقيق حول الاستعمال المفرط للقوة ضد المدنيين، بيّد أن كل هذا قد تلاشى، لا أحد تحمل مسؤولياته".

 تم قمع المظاهرات السلمية ومصادرة الهواتف والأجهزة الشخصية التي تُستخدم لتصوير الانتهاكات التي تمارسها القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على الأرض

 تتحدث كاثرين أبو عماشة، المحامية في المنظمة غير الحكومية "الحق" التي تعنى بحقوق الإنسان؛ عن انتهاكات واسعة. "لقد تم قمع المظاهرات السلمية ومصادرة الهواتف والأجهزة الشخصية التي يستخدمها الأشخاص لتصوير الانتهاكات التي تمارسها القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على الأرض، هناك تجاوزات نفسية وجسدية، الضرب، الصراخ والاستخدام المفرط للقوة وكذلك التحرش الجنسي".

اقرأ/ي أيضًا: الصوت المسروق: لمن يُقتل الرأي الآخر في فلسطين؟

في أحد المباني، وسط رام الله، تؤكد المحامية داليا عياش أن المتظاهرين السلميين هم المستهدفون. "يضغطون على العائلات حتى يمنعوا الناس من الخروج إلى الشارع، وينشرون صورًا للنساء محاولين أن يجعلوا منهن نساء بلا شرف"، تصف المحامية ذات 25 عامًا المشهد. "إن التحرش كان جسديًا، فقد مرر أحدهم يده داخل بنطلون إحدى صديقاتي، كما كان هناك اعتداء لفظي. استسمحكم في هذا الابتذال، إحدى المتظاهرات سمعت أحدهم يقول لها سوف أنكحك".

لا بدّ من تنظيم انتخابات

لأن القمع تفاقم فعليًّا قبل اغتيال نزار بنات، ومع أواخر نيسان/أبريل أجّل محمود عباس الانتخابات النيابية والرئاسية. لقد أثار الإعلان عن هذا الاقتراع الأول منذ 15 عام موجة من الحماس الهائل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ إن أكثر من 93% من الأشخاص مسجلون، كما تم إعداد أكثر من 30 قائمة، لكن بدل التصويت عرفت الضفة الغربية موجة من الاعتقالات.

وفي نيسان/إبريل، كانت اسرائيل تستهدف ممثلي حماس، ثم لاحقًا في أيار/مايو وضعت السلطة الفلسطينية عشرات المترشحين والنشطاء رهن الاحتجاز. تقول داليا إن أغلب الاعتقالات نفذت بعد الهدنة بين حماس واسرائيل في غزة في 21 أيار/مايو، وبعد المشاركة في مظاهرات داعمة لحي الشيخ جراح بالقدس الشرقية ورفضًا للاعتداءات ضد غزة، كما تم توقيف انصار لمحمد دحلان. وحسب داليا فالكلّ انتهى به المطاف في مراكز الاستجواب في أريحا أين تم ذكر حالات تعذيب من قبل.

لقد ضربت رام الله المتظاهرين بقوة لتعوض عن صمتها حين وضعت حماس نفسها كمدافع عن القضية الفلسطينية

لقد ضربت رام الله بقوة لتعوض صمتها حين وضعت حماس نفسها كمدافع عن القضية الفلسطينية، فردت بإطلاق صواريخ على التهديدات بالتهجير التي يتلقاها الفلسطينيون لصالح الاستيطان الإسرائيلي في الشيخ جرّاح ولاقتحام القوات الإسرائيلية لباحات المساجد. "لقد شعرت السلطة الفلسطينية وفتح أكثر بأنها في موقع دفاعي، خاصة بعد أن اعتبرت حماس أنها حققت نصرًا في غزة بعد مضي 11 يومًا من القتال العنيف مع اسرائيل" يصف علاء ترتير الوضع.

 اقرأ/ي أيضًا: إدانات أممية بعد قمع السلطة الفلسطينية "الوحشي" للمحتجين

في حين يرى عيسى عمرو أن القمع لن يتوقف "إلّا اذا مارس المجتمع الدولي ضغطًا مكثفًا على السلطة الفلسطينية، وبطبيعة الحال بفضل تعبئة الفلسطينيين كما يتعين تنظيم انتخابات". كان هناك رد فعل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة بعد المظاهرات الأخيرة، لكن المراقبين الدوليين يشكون في أن الفاعلين الدوليين بإمكانهم أن يذهبوا بعيدًا ذلك إنهم هم أنفسهم من غذوا لوقت طويل الآلة الأمنية الفلسطينية بملايين الدولارات كمساعدات تصل كل عام.

 

 اقرأ/ي أيضًا:

فلسطين: خبران وواقع واحد

فيديو وصور | الأمن يقمع مظاهرة منددة بمقتل نزار بنات