31-مايو-2022

رفض الرئيس التونسي لأي تسوية يثير مخاوف من مواجهة قادمة (Getty)

نشر أستاذ العلوم السياسية جان بيير فيليو تحليلًا في صحيفة لوموند الفرنسية تحت عنوان "العد التنازلي لمرحلة عالية المخاطر في تونس"، تطرق فيه للأوضاع السياسية المتأزمة في البلاد عقب الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس التونسي، وقال إن إصرار قيس سعيّد على فرض التغيير في المؤسسات عن طريق الاستفتاء الذي دعا إليه في 25 تموز/ يوليو القادم يغرق البلاد في حالة من عدم اليقين.

نشر أستاذ العلوم السياسية جان بيير فيليو تحليلًا في صحيفة لوموند الفرنسية تحت عنوان "العد التنازلي لمرحلة عالية المخاطر في تونس"

يشير تحليل الصحيفة إلى أن قيس سعيّد الذي تم انتخابه رئيسًا للجمهورية في 13 تشرين أول/ أكتوبر 2019  بنسبة 73% من الأصوات هو مبتدئ في السياسة ومعادٍ للأحزاب ومحاط بدائرة ضيقة من المؤيدين المخلصين، ادعى أنه يجسد "ما يريده الشعب"، لكن التحول الديمقراطي الذي بدأ في 14 كانون الثاني/ يناير 2011 مع الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي أدى إلى اعتماد دستور جديد أقره البرلمان في 26 كانون الثاني/ يناير 2014، حيث يجب على رئيس الدولة أن يتقاسم السلطة التنفيذية مع رئيس الوزراء، غير أن الرئيس المثير للجدل لا يلقى بالًا لذلك.

وقد دفعت النزعة الشعبوية لسعيّد كما يصفها كاتب المقال إلى إعلان إجراءات استثنائية وتجميد عمل البرلمان، ثم تولي صلاحياته الكاملة. وحظي انقلابه هذا بدعم شعبي لا يمكن إنكاره في البداية بحسب فيليو، لكن الخلافات السياسية انتهت إلى شل إدارة البلاد.

ويرى الكاتب أن قيس سعيّد يحاول أن يكرر في تونس مغامرة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا محمد مرسي، قبل أن يصبح رئيسًا للدولة في انتخابات جرت بعد عام من انقلابه وحصوله على 97% من الأصوات في انتخابات مشكوك في نزاهتها. ويضيف فيلو أن "ساكن قصر قرطاج مثل نظيره المصري يتهم الإسلاميين التونسيين في حركة النهضة بكل الشرور بعد أن فقدوا مصداقيتهم بسبب ضعف أدائهم الحكومي"، مركزًا على أن "المحسوبية الحزبية لديهم أكبر من خياراتهم المجتمعية التي يستنكرها هي الأخرى".

غير أن الفرق الرئيسي بين الانقلاب التونسي والمصري كما يقول الكاتب هو أن الدول التي شجعت على الثورة المضادة في كلتا الحالتين حرصت على عدم تمويل انقلاب سعيّد واستيلائه على السلطة. ويشير بشكل خاص إلى أنه على عكس الدعم المالي السخي للسيسي والذي كان سريعًا من الإمارات والسعودية، فإن الأمر بدا مختلفًا مع سعيّد حتى أن الدولتين اشترطا أن يرتبط الدعم بحصول سعيد على موافقة صندوق النقد.

وبالتالي فإن "سعيّد وجد نفسه سيدًا بلا منازع في بلد تتفاقم أزمته الاقتصادية، وأن السخط الاجتماعي أسهم إلى حد كبير في دعم انقلابه في 25 تموز/ يوليو2021، لكن الرئيس المتخصص في القانون الدستوري اندفع بتهور نحو الإصلاحات المؤسسية كما لو أن هذا الإطار القانوني وحده يمكن أن يحل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد".

وفي مقاربته لإعادة التأسيس، لم يكتف الرئيس التونسي بالعودة إلى الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة بل جعل الاحتفال بالثورة امتيازًا خاصًا به، وغيّر تاريخ الاحتفال بالثورة الموافق لتاريخ سقوط بن علي ووضع مكانه تاريخ اندلاع الثورة في 17 كانون الأول/ديسمبر2010. مؤكدًا أن "الثورة تعرضت للخيانة أثناء التحول الديمقراطي"، الذي اعتبر بأنه أثقل كاهل البلاد بكل المشاكل الحالية، ولذلك يدعو سعيّد إلى شكل من أشكال "الديمقراطية المباشرة" التي تشبه "هوس الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بإبادة الهيئات الوسيطة".

دفعت النزعة الشعبوية لسعيّد كما يصفها كاتب المقال إلى إعلان إجراءات استثنائية وتجميد عمل البرلمان، ثم تولي صلاحياته الكاملة

ويبدو أن الاستشارة الإلكترونية التي نظمها الرئيس التونسي بطريقة مبهمة لم تجذب سوى بضع مئات من الآلاف في بلد يبلغ عدد سكانه 12 مليون نسمة. ويخلص المقال إلى أن تفاقم الأزمة السياسية بدأ يثير مخاوف  الجيش ووزارة الداخلية اللذين دعما سعيّد في إجراءته، خاصة أنه ينكر الآن أي فضيلة للحوار الوطني الذي جنب البلاد المواجهة في العام 2013. وبالتالي فإن رفض الرئيس التونسي لأي تسوية يثير مخاوف من مواجهة قادمة سيكون حتمًا فيها إما فائزًا أو خاسرًا، وقد بدأ العد التنازلي لها.