18-أكتوبر-2016

(خالد السوقي/إ.ف.ب) خريج التّكتوك موجودٌ في لبنان بيننا، مع أن التّوكتوك غير متوفّرٍ في الأراضي اللبنانية

يمتاز اللبناني بالحسّ الأممي المفرط، يتفاعل مع أي حدثٍ عالمي أو إقليمي، يضيء صخرة الرّوشة تضامنًا مع فرنسا، يندّد بتجارب كوريا الشّمالية النّووية، يعتبر نفسه جزءًا من معارك إقليمية أكبر منه، ويتضامن مع الشّعوب حتّى، فكيف به لا يؤيّد ويعيد نشر فيديو الشّاب المصري، خرّيج "التّوكتوك" الذي عبّر عن آلام المصريين اليومية؟

خريج التّوكتوك نقل وجعًا اقتصاديًا مجتمعيًا مصريًا يوميًا، عرف كيف يقسّم أسباب المشكلة ويرويها، وقدّم معها الحلول الاقتصادية النّاجحة، من زراعة وتعليم وتنمية صناعية.

الحلول التي طرحها الشّاب ليست كفيلةً فقط بحل الأزمة المصرية الاقتصادية المستجدّة، بل في حال تعميمها، قد تكون أساسًا ثابتًا لعلاج مشاكل دول العالم الثّالث كلّها، ولبنان طبعًا من ضمنها.

خريج التّوكتوك نقل وجعًا اقتصاديًا مجتمعيًا مصريًا يوميًا، عرف كيف يقسّم أسباب المشكلة ويرويها، وقدّم معها الحلول الاقتصادية النّاجحة

اشتمّ بعض اللبنانيين رائحة ثورةٍ مصريةٍ قد تشتعل، على غرار ثورة الرّغيف وثورة 25 يناير، فأرادوا إظهار تعاطفهم وتأييدهم، لكن قلّة من ركّزوا في مضمون الفيديو، الشّاب لا يتحدّث عن مشاكله فقط، بل يتحدّث عن مشاكلنا كلبنانيين، نعاني المشاكل عينها مع امتيازٍ وحيد، هو قدرتنا على الانفصال عن الواقع.

لبنان يرزح تحت دينٍ عام يفوق السبّعين مليار دولار، واقتصاده يعتمد بشكلٍ أساسى على قطاع الخدمات، أي السّياحة وتوابعها، بما يعني أنّه معرّض للانهيار في أي لحظة وعند أي حدثٍ أمني، صحيحٌ أن التّعليم في لبنان رائد، لكن تكلفته تُعدّ باهظةً مقارنةً بالمحيط.

بينما تغيب القطاعات الأخرى كالزّراعة والصّناعة، وقد كانت سوريا هي البعد الجغرافي المستخدم لتصدير المحاصيل الزّراعية، لكن بعد اشتعال الحرب السّورية، لا بعد جغرافي متوفّر ولا قدرة تصدير متاحة، ما أجبر المزارعين على البحث عن بدائل أحلاه مرّ، كترك أراضيهم مثلًا أو تقليل محاصيلهم، بما يحمله ذلك من خسائر اقتصاديةٍ محتّمةٍ عليهم وبالتّالي على الدّخل الفردي ومعدّله الإجمالي.

يتجه معظم الشّباب اللبناني نحو الاختصاصات الأكاديمية كالطّب والهندسة وإدارة الأعمال، مع اتجاه قلّة منهم نحو الاختصاصات العملية، كالسباكة والنّجارة والحدادة، ما أصاب سوق العمل بتخمةٍ في الخريجين وضعفٍ في عرض الوظائف، مع استئثار الطّبقة الحاكمة بالقدرة التّوظيفية، تبعًا لنظام المحاصصة المعروف منذ ما بعد الطّائف، المبني على المحسوبية حصرًا لا الكفاءة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم كتير كبير.. سوريالية الحياة والصراع الوهمي

خريج التّكتوك هذا موجودٌ في لبنان بيننا، مع أن التّوكتوك غير متوفّرٍ في الأراضي اللبنانية، فاللبناني يسدّد بدل الخدمات مرّتين، مرّةً للدولة وأخرى للمافيات، أو دولة الظّل.

فيسدد فاتورة الكهرباء للدولة وأصحاب مولدات الاشتراك، فواتير الاتصالات باهظة، أما المياه، فيمكن لأي مافياوي قطعها عن أحياء بكاملها كي يبيع ما يحويه خزّانه من مياه، بغطاءٍ سياسي طبعًا.

خريج التّوكتوك هذا موجودٌ في لبنان بيننا، مع أن التّوكتوك غير متوفّرٍ في الأراضي اللبنانية

والنّفط كما الغاز، مهملان متروكان لتسرقهما إسرائيل، لا رغبة جدّية في استخراج هذه الثّروات، فالطّبقة السّياسية لها حساباتها، إن بالحصص أو بالخوف من أطراف إقليميةٍ تمنع استخراج الثّروات.

من الجيّد نشر اللبنانيين لا سيما الشّباب لفيديو الشّاب المصري، لكن علينا أن نعالج مشاكلنا أيضًا، فنحن معترفون بوجودها ومتصالحون مع بقائها.

وهنا أساس المشكلة، نعي أن المشاكل موجودةٌ ولا نبالي، نجح النّظام الرّاهن بتخديرنا لدرجة التّعايش مع أزمة نفاياتٍ استمرت أكثر من 9 أشهر، ولليوم لا حلّ فعليٍ لها، ولم نلمس أي مبادرة.

فإذا كان الحلّ باستيراد توكتوكٍ يجوب شوارعنا كي نواجه حقيقة وضعنا المزري من خلاله، فليكن، ويا أهلًا بالتّوكتوك الثّوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:
تفاحة باسيل و28 أيلول
وما أدراكم ما ميشال عون
لبنان والبطالة.. هل من حل في الأفق؟