21-سبتمبر-2015

استعاد الحراك الشعبي الزخم في بيروت (أنور عمرو/أ.ف.ب/Getty)

بلغ اليوم الحراك اللبناني الشّهرين من عمره. كرة الثّلج التي ما انفكت تكبر وتجرف معها محاولات السّلطة اليائسة لإجهاض الحراك كما فعلت مع حراك "إسقاط النّظام الطّائفي"، تكبر في كل يومٍ وتتعلم المشي على خطى التّغيير الصّحيح. تغييرٌ أبطاله شبابٌ لبناني كفر بالأحزاب ومسلسل الفساد المتواصل منذ ما بعد الحرب الأهلية.

نجح المتظاهرون في تظاهرة الأحد، 20 أيلول/سبتمبر، بالقفز فوق المعوقات التي سبقت التّحضير لهذه المظاهرة، ولا سيما الاحتكاك الذي تطور لاشتباكٍ نهار الأربعاء الماضي بين شبّان الحراك، وشبّان آخرين يدّعون الانتماء لحركة أمل، فالحشد كان مماثلًا للتظاهرات السّابقة، مشكّلًا إثباتًا حسيًّا لجميع المشكّكين في قدرته على الحشد والاستمرار. تظاهرة أمس التي انطلقت من برج حمّود، رافعةً شعاراتٍ لطالما حملها الحراك، كحلٍّ علمي لأزمة النّفايات ومحاسبة المسؤولين عن القمع والاعتقالات، كما المطالبة بإعادة حقّ القرار للشعب، بعد انتهاكه مرّتين بتمديد غير شرعي قام به النّواب لأنفسهم.

أقام بلطجية النظام حواجز ميليشوية في طرقات بيروت

لكن تظاهرة اليوم لم تسلم من "البلطجية". أعاد "البلطجية" لعب سيناريو الأربعاء، ظهروا وانتظروا، وما إن رُفعت صورة تجمع رئيس مجلس النّواب نبيه برّي، النّائب وليد جنبلاط والنّائب سعد الحريري، باشر بلطجية النّظام هجومهم، بالأسلحة البيضاء والحجارة، حاولوا استفزاز المتظاهرين لشقّ الشّارع وجرّ الحراك لغير أهدافه، في محاولة لاستكمال ما جرى نهار الأربعاء، أي ترهيب الحراك تمهيدًا للقضاء عليه، وثني النّاس عن المشاركة فيه مستقبلًا. لكن قوى الأمن، خرجت من غيبوبتها وتدخلت هذه المرّة، لينسحب "البلطجية" من أمام مبنى "النّهار"، متوجّهين إلى جسر الرّينغ، ليقيموا حواجزعلى طريق بشارة الخوري-الخندق الغميق تعتدي بالضرب على المشاة والسيارات الآتية من ساحة الشهداء.

 كان المتظاهرون مصرّين على التّقدم، في ظل مواكبة لافتة لا عنفية من القوى الأمنية وقوى مكافحة الشّغب، للمرة الأولى، حيث لم تسجل أي حالات احتكاكٍ فعلي بين المتظاهرين والأمن، بل تنسيقٌ وتعاونٌ تام، وهو ما ساهم في تسهيل دخول المتظاهرين لساحة النّجمة ومحيط البرلمان. هذه المرة، كان العنف بلطجيًا تمامًا، ومثيرًا للغثيان بطبيعة الحال.

تظاهرة الأحد الهادئة، وليدة سلسلة من التّحضيرات والتّحديات، أبرزها ما حدث السّبت، أي إعادة الحياة لقلب بيروت العاصمة. سوقٌ أصرّت الهيئات الاقتصادية على إفراغه من مالكيه وأهله، وتحويله إلى جزيرة خاصّة بالسّياح، أو بالأحرى، نهب السّياح حتّى تضاءل عددهم، استطاعت الحملات البارحة، ولا سيما "بدنا نحاسب" أن تخترقه وتكسر جدار الطّبقية العازل، من رسم صورةً أعادت بيروت لما قبل الحرب الأهلية، أي سوقٌ جامعٌ لأبنائها بأسعار منطقية، أكمل اليوم ليدخل ساحة النّجمة. ساحة البرلمان الذي يفتقد نوّابه، الخالي إلّا من أشباحهم، الحراك نجح اليوم في إرساء قواعد جديدة في معركته مع السّلطة. لا خطوط حمراء ولا مناطق ممنوعة عن الشّعب، السّاحات ملكٌ عام، والشّعب يعرف كيفية استعادتها. وإن كانت حملة "بدنا نحاسب" قد تلقت انتقادات شديدة، لجرفها الحوار عن مساره الأساسي، المتعلق بأزمات الكهرباء والنفايات وغيرها.

لا خطوط حمراء ولا مناطق ممنوعة عن الشّعب، السّاحات ملكٌ عام

تلفظ خطّة الوزير شهيّب أنفاسها الأخيرة، بعد رفض أهالي المناطق المزمع افتتاح مطامر فيها تشريع مناطقهم للنفايات. وفي بيروت يشتد عود الحراك الشّعبي يومًا بعد آخر، بأجندة واضحة، وأسلحة ذخيرتها وجع النّاس، بمواجهة أجهزة السّلطة ومؤامراتها، كما مخطّطاتها ومحاصصاتها. يمضي الحراك بخطة ثابتة نحو تحقيق أهدافه، في معركة لا تجمعه مع النّظام وأركانه وحسب، بل مع العوامل الطّبيعية. لقد أصبح الشّتاء على الأبواب، بينما تتكدّس النّفايات في الشّوارع. يكشّر الكوليرا عن أنيابه، كلما تأخّر الحل، وتقاعس السّياسيون عن إيجاده، اقتربت الأمراض أكثر. الحراك يتزايد، السّلطة مربَكة، الشّتاء على الأبواب، والوقت ينفد. والساحات ستمتلئ.