12-مارس-2020

واجهت السلطات اليونانية اللاجئين السوريين بعنف فاضح (أ.ب)

في الـ 27 من شباط/فبراير الفائت، استهدفت الطائرات الحربيّة التابعة للنظام السوريّ تجمّعًا للجيش التركيّ بعدّة غارات أسفرت عن مقتل 33 جنديًّأ وإصابة 36 آخرين، ليرتفع عدد قتلى الجيش التركيّ في مُحافظة إدلب إلى أكثر من 50 خلال مدّة زمنية قصيرة.

على الرغم من المُحاولات الحثيثة والأعداد الكبيرة التي وصلت إلى الحدود التركية اليونانية، والمقدّرة بنحو 175.142 مُهاجر، تبدو فرص عبور الحدود والوصول إلى الجانب الآخر منها معدومة

توعّدت تركيا النظام السوريّ بردٍّ قاسٍ تمثّل في استهداف الطائرات المسيّرة التركية لتجمّعاته ومواقعه بشكلٍ مُباشر، في الوقت الذي أعلن فيه مسؤولون أتراك أنّ الحكومة التركية لن تُعيق عبور المُهاجرين نحو الدول الأوروبية، حيث قال المتحدّث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك إنّ تركيا لم تعد قادرة على كبح تدفّق اللاجئين من سوريا، الأمر الذي اعتبره الأوروبيون محاولة من جانب الرئيس رجب طيب أردوغان لابتزاز الاتّحاد بملف المُهاجرين، بينما رآه البعض وسيلة ضغط على الأوروبيين كما الأمريكيين للعب دور فعّال لوقف هجمات نظام الأسد وروسيا على محافظة إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية المسلّحة والمدنية أيضًا.  

اقرأ/ي أيضًا: وقف إطلاق النار في إدلب.. تسوية أم فرصة لالتقاط الأنفاس؟

التصعيد التركيّ ضدّ الأوروبيين تبعه ومنذ الساعات الأخيرة من ليل الخميس 27 شباط/فبراير الفائت، حشود كبيرة للاجئين السوريين في أحياء مدينة إسطنبول، استعدادًا للانطلاق نحو ولاية أدرنة ومنها نحو الحدود اليونانية التي تحوّلت خلال الأيام الماضية إلى جبهة مشتعلة بين المُهاجرين وقوّات حرس الحدود والأمن اليونانيين، بالإضافة إلى قوّات الكوماندوس التي عزّزت بها أثينا حدودها لمنع تجاوزها، متوسّلةً العنف لفعل ذلك، حيث استخدمت القوّات اليونانية الغاز المسيل للدموع والهراوات والعصي الكهربائية والرصاص المطّاطي، بالإضافة إلى إطلاق الرصاص الحيّ في الهواء، ممّا أسفر عن مقتل الشاب السوريّ أحمد أبو عماد وإصابة العشرات بجروح، عدا عن حالات الاختناق التي تسبّبت بها الغازات المسيّلة للدموع بين النساء والأطفال أيضًا.

وكان الاتّحاد الأوروبيّ قد دعم إجراءات الحكومة اليونانية لمنع دخول موجة جديدة من اللاجئين إلى دول القارّة العجوز، حيث صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنّ الاتّحاد لن يتوانى عن مساعدة اليونان وتقديم كلّ ما تحتاجه لمواجهة تدفّق اللاجئين على حدودها. وبين رفض الأوربيين لاستقبال لاجئين جُدد وإصرار الأتراك الباحثين عن دعمٍ جاد لمواقفهم في شمال غرب سوريا، تحوّل الشريط الحدودي إلى معتقل ضخم يعيش فيه المهاجرون أوضاعًا إنسانية صعبة بسبب القمع اليونانيّ من جهة، وغياب المأوى والطقس البارد وعدم توافر الماء والطعام من جهةٍ ثانية، رغم المساعدات التي تقدّمها بعض المنظّمات الإغاثية.

وعلى الرغم من المُحاولات الحثيثة والأعداد الكبيرة التي وصلت إلى الحدود التركية اليونانية، والمقدّرة بنحو 175.142 مُهاجر بحسب وزير الداخلية التركيّ سليمان صويلو، تبدو فرص عبور الحدود والوصول إلى الجانب الآخر منها معدومة في ظلّ الاجراءات الأمنية الصارمة للقوّات اليونانية، والمدعومة بموقف أوروبيّ موحّد ورافض لاستقبال موجة لاجئين جديدة. وكانت وسائل إعلام محلّية يونانية ذكرت أنّ مجموعة من اللاجئين تمكّنت من تجاوز الحدود وقطع مسافة داخل الأراضي اليونانية قبل أن تعترضهم دورية للكوماندوس اليونانيّ الذي أجبرهم على العودة بعد حفلة تعذيب انتهت بتجريدهم من ممتلكاتهم وملابسهم، حيث وصلوا إلى الجانب التركيّ عُراة.

التحرّكات التركية والأوروبية لا توحي بالذهاب نحو المزيد من التصعيد، رغم التصريحات الحادّة الصادرة عن رئيس الوزراء اليونانيّ كيرياكوس ميتسوتاكيس الذي أعلن أن الاتّفاق بين تركيا والاتّحاد الأوروبيّ الذي أدّى منذ العام 2016 إلى الحدّ من الهجرة إلى أوروبّا قد بات ميتًا، متّهمًا أنقرة بالمساعدة في التدفّق المستمّر لآلاف المُهاجرين على الحدود. ومن الممكن القول إنّ منع الأتراك المهاجرين في تركيا من عبور بحر إيجه بأوامر من الرئيس أردوغان ليل الجمعة السبت 7 آذار/مارس الجاري بسبب ما يتضمّنه ذلك من مخاطر، كان أوّل تحرّكات أنقرة لخفض التصعيد مع الأوروبيين، تبعه اتّفاق بين الطرفين على مراجعة اتّفاق 2016 بشأن الهجرة، وذلك عقب قمة جمعت الرئيس رجب طيب أردوغان بمسؤولين أوروبيين في بروكسل.

وشهد المؤتمر الصحفيّ الذي عقده رئيس المجلس الأوروبيّ شارل ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عقب اجتماعهما مع أردوغان، تحوّلًا في الخطاب الأوروبيّ تجاه ملف المُهاجرين، حيث قال ميشيل إنّ تركيا وأوروبّا سيباشران العمل بخصوص مراجعة اتّفاق 18 آذار/مارس 2016، على أن يتولّى كلّ من الممثّل الأعلى للاتّحاد للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية جوزيب بوريل، برفقة وزير الخارجية التركيّ مولود جاويش أوغلوا هذا الملف.

 بينما أكّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أنّ اللقاءات هي من الشروط الأساسية لحلّ الأزمة على الحدود اليونانية، مؤكّدةً أنّ اتّفاق الهجرة لا يزال ساري المفعول، وأنّ الطرفين سيبحثان كيفية استكمال النواقص المتعلّقة بالاتّفاق، بالإضافة إلى قولها إنّه من غير المقبول استخدام القوّة للتعامل مع اللاجئين على الحدود اليونانية.

وسط كلّ هذه التطوّرات، يترسّخ عند المُهاجرين الشّعور بأنّ فرص عبور الحدود باتت معدومة، الأمر الذي دفع بعددٍ كبير منهم إلى العودة إلى المُدن التي جاؤوا منها بعد ازدياد سوء الأوضاع الإنسانية وانخفاض درجات الحرارة على الحدود، في الوقت الذي تتحدّث فيه وسائل إعلام أوروبية عن منع الشرطة التركية لهؤلاء من العودة، وهو ما خلق حالة من الخوف والارتباك عند المُهاجرين حيال ما ينتظرهم في الأيام القادمة.

وتزامنًا مع انخفاض التصعيد بين تركيا والأوروبيين، صعدّت الحركات والأحزاب اليمينية من خطابها ضدّ اللاجئين وسياسات الاتّحاد الأوروبيّ، حيث قدّمت نفسها كحارس لحدود القارّة العجوز، وذلك من خلال إرسال يمينيين متطرّفين من ألمانيا وفرنسا والنمسا إلى جزيرة ليسبوس اليونانية لمشاركة السلطات في تأمين الحدود. وكانت صحيفة "تاغس شبيغل" قد ذكرت أنّ نشطاء من جمعية "ذا إيدنتيتيز" يرافقهم عدد من المنتمين إلى أحزاب يمينية متطرّفة، يُقدّر عددهم بنحو 30 شخصًا، قد وصلوا من فرنسا إلى ليسبوس، على أن يلحق بهم خلال الأيام القادمة مئات المتطرّفين بهدف تأمين الحدود.

اقرأ/ي أيضًا: لقاء تركي روسي على وقع المعارك في إدلب

وكانت وسائل إعلام أوروبية مختّلفة قد تحدّثت عن أنّ نشاط اليمينيين لم يقتصر على مهاجمة اللاجئين، بل توسّع ليشمل الاعتداء على العاملين بالمنظّمات الإغاثية والإنسانية، الأمر الذي دفع ببعضها إلى التوقّف عن مساعدة اللاجئين على الجزر اليونانية بعد تصاعد الهجمات المتطرّفة ضدّهم خلال الأيام الماضية. بينما ذكرت بعض وسائل الإعلام اليونانية أنّ سكّان المناطق الحدودية اليونانية شاركوا قوّات الأمن والجيش اليونانيين التصدّي لموجة اللاجئين الجديدة، ممّا يؤكّد تصاعد الخطاب اليمينيّ المتطرّف واتّساع رقعة تأثيره في البلاد لجهة التعامل مع مسألة المُهاجرين.

كانت وسائل إعلام أوروبية مختّلفة قد تحدّثت عن أنّ نشاط اليمينيين لم يقتصر على مهاجمة اللاجئين، بل توسّع ليشمل الاعتداء على العاملين بالمنظّمات الإغاثية والإنسانية

وكانت منظّمة العفو الدولية قد أكّدت في بيان لها أنّ الإجراءات اللاإنسانية التي تتّخذها السلطات اليونانية لمنع المهاجرين من دخول أراضيها أقرب إلى خيانة لمسؤوليات اليونان في مجال حقوق الإنسان، وستعرّض حياة اللاجئين الفارّين أساسًا من العنف للخطر. بينما اعتبر مكتب المؤسّسات الأوروبية التابع للمنظمة أنّ الإجراءات المتهوّرة التي تتّخذها السلطات اليونانية إنّما هي خرق فاضح لقانون الإتّحاد الأوروبيّ والقانون الدولي، وأنّ الطرفين، الأتراك والأوروبيين، يلتمسون اللجوء كورقة مساومة في الألعاب السياسية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ملفات مشتركة ومصالح مختلفة.. هل تُنهي إدلب التعاون التركي – الروسي؟