19-مارس-2020

فتاة سورية في مخيم مؤقت قرب الحدود التركية (AFP)

لم يكن السوريون الذين انساقوا وراء خدعة فتح الحدود التركية - الأوروبية من قبل السلطات التركية بحاجة لكل هذا العنف المفرط، الذي واجهتهم به قوات حرس الحدود اليونانية، ليكتشفوا مقدار التحول الذي أصاب الطابع الإنساني لمفهوم اللجوء القائم على أولوية الانتصار لكرامة الإنسان لصالح الانتصار لمصالح الأحزاب الحاكمة، كما ردود فعل ناخبي أحزاب المعارضة المتطرفة التي تنافسها على السلطة.

بددت اتفاقية تبادل اللاجئين بين الجانب التركي والأوروبي 2016 أي فرصة ممكنة لآلاف السوريين بالانتقال إلى البر الأوروبي

بددت اتفاقية تبادل اللاجئين بين الجانب التركي والأوروبي 2016 أي فرصة ممكنة لآلاف السوريين بالانتقال إلى البر الأوروبي، بعد أن تبين لهم أنها مقصورة على عدد لا يتجاوز الثلاثين ألف لاجئ سنويًّا، يفترض أن يكون قد مر جزء كبير منهم في محنة الإقامة في معسكرات اللجوء في الأراضي اليونانية، التي تشبه الإقامة فيها إلى حد كبير محنة العيش في المعازل الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا: رهان موسكو الأخير.. المال مقابل السلام في إدلب

لطالما اتسم تطبيق حق اللجوء أو الحماية الإنسانية للذين يعانون من خطر الاضطهاد أو التهديد المباشر لحياتهم، التي كفلته لهم اتفاقيات جنيف الأممية لعام 1951، بالتأرجح بين النزعة الإنسانية والنزعة السياسية، ذلك أنه وراء كل قرار إنساني يتعلق بقضية اللاجئين ثمة موقف سياسي إيجابي أو سلبي من نوع ما.

دلت أزمة اللاجئين الأخيرة التي اندلعت على الحدود التركية اليونانية، التي تراشق فيها مسؤولو البلدين تهم تحويل قضية اللاجئين من قضية إنسانية خاصة بحق الحصول على الحماية إلى قضية ذات بعد سياسي أو نفعي تتعلق بتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية أو السياسية؛ على دور الفاعل الروسي في حدوثها، حيث استمات في محاصرة الجانب التركي بأعداد غفيرة من لاجئي إدلب، بقصد دفع أروغان لتحويل تلك الأزمة إلى الجانب الأوروبي. ومن ثم المسارعة للجلوس على طاولة المفاوضات لفرض إملاءاته على الجميع: إعادة تعويم الأسد، والتعهد بتمويل إعادة تمويل ما دمرته آلة حربه الجهنمية.

نجح أردوغان إلى حد كبير في إفشال مخططات بوتين المتعلقة بتوظيف قضية اللاجئين السوريين لصالحه. وبدلًا من أن يفسح له المجال ليستأثر بنعمة الجلوس على طاولة الأوروبين الخائفين من بعبع اللاجئين سبقه للجلوس على مائدة الكبار، وإن كان عبر دائرة البث التلفزيوني المباشر. حيث لم تقتصر نجاحاته على تحصيل مبلغ الـ 125 مليون يورو التي تبرعت بهن المستشارة الألمانية ميركل، ولا بإعادة التفاوض على نسب الرسوم الجمركية مع الاتحاد الأوروبي، وإنما تجاوزتها بالحصول على دعم سياسي منقطع النظير لوقفته الشجاعة في وجه الضامن الروسي المتنمر.

نجح أردوغان إلى حد كبير في إفشال مخططات بوتين المتعلقة بتوظيف قضية اللاجئين السوريين لصالحه

في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي، في معرض الإضاءة على الظروف التي دفعت المشرعين الأمريكيين لإقرار قانون قيصر الخاص بمحاسبة نظام الأسد، أشار رائد الصالح، رئيس منظمة القبعات البيض: "بأنه لم يأت هنا ليطالب بأية مساعدات إنسانية لضحايا اللجوء الأسدي، وإنما جاء ليطالب بإزالة جميع الأسباب التي ما تزال تمكن الأسد من الاستمرار بتهجيرالمزيد منهم".

اقرأ/ي أيضًا: فيروس كورونا يهدد الشمال السوري.. احتمالات مفتوحة على الكارثة

أثبتت حقائق الأمر الواقع أن قضية اللجوء السوري ليست سببًا من أسباب الطبيعة، بقدر ما هي شرط ملازم لكل عدوان أسدي مدعوم بطائرات موت الاحتلال الروسي، التي كلما تحركت لتجسيد مبدأي وحدة الأراضي السورية وسيادة الأسد المطلقة عليها، كلما أفضت بطريقها إلى دفع مزيد من السوريين إلى مخيمات اللجوء في مغارب الأرض ومشارقها. وبدون توفر إرادة دولية فاعلة، قادرة على خلق منطقة آمنة في عمق الأراضي السورية، فإنه لا أمل في إخراج قضية اللجوء السوري من دائرة التوظيف السياسي الرخيص القائم على المقايضة، إلى دائرة الاعتراف الإنساني القائم على حق السوريين الرافضين للعيش تحت ظل حكم الأسد بالعيش في قراهم وبلداتهم بكرامة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حتى الموت

لماذا نكتب عن سوريا؟