02-أبريل-2020

(Getty) فيروس كورونا

يعيش البشر على التواصل الذي يعد إحدى أهم ركائز الإنسانية، وبدون التواصل يصير البشر أشبه بالقرود! وعلى مدى آلاف السنين كان على الإنسان أن يطور وسائل جديدة ومبتكرة على الدوام من أجل تفعيل التواصل بين البشر ومن أجل كسر الحواجز المختلفة. ويعتبر الفن والأدب بكافة أشكالهما أهم وسائل للتواصل بين الناس.

عالم مقفل!

وبسبب انتشار فيروس كورونا في أكثر من 143 دولة حول العالم، وحصده آلاف المصابين والتسبب بموت المئات، أغلقت المتاحف أبوابها، وأنزلت المسارح ستائرها الحمراء المخملية، وتم تأجيل البطولات الرياضية والحفلات الموسيقية والمهرجانات السينمائية. وتوقف الإنتاج الفني السينمائي والمسرحي والمعارض الفنية والسهرات والأمسيات الثقافية في كل الأماكن التي يتواجد فيها أعداد متزايدة. إنه أشبه بفيلم خيال علمي يعيشه الناس في الواقع الحقيقي.

في لبنان، أصدرت نقابة الممثلين بيانًا أعلنت فيه عن إيقاف العمل الإنتاجي حتى إشعار آخر

وتم إرجاء الإعلان عن إصدارات سينمائية جديدة، وكذلك إنتاج المسلسلات الرمضانية، ففي لبنان أصدرت نقابة الممثلين بيانًا أعلنت فيه عن إيقاف العمل الإنتاجي حتى إشعار آخر، والعديد من الدول اتخذت إجراءات صارمة لمنع التجمعات، خاصة في أماكن العرض الفنية والرياضية وغيرها، ووصلت حالة التأهب إلى منع التجول وتحديده بفترات محددة.

اقرأ/ي أيضًا: الاستثمار في الجوع وخطر التوحش

كل ذلك أدى إلى انتشار حالة من الإحباط لدى الناس، والكثيرون اعتبروا أن الحجر المنزلي بمثابة سجن خاصة مع توقف كل عروض الترفيه والاستجمام والسياحة. لكن محبي الفنون لا يجب أن يحبطوا، بل يجب أن يبحثوا دومًا عن بدائل عرض فنية، ويجب أن يؤمنوا أن لا شيء يمكن أن يقتل الفن والفرح وحب الحياة.

مشاهدة منقوصة؟

تحظى نتفليكس ويوتيوب وغيرها من المنصات بمشاهدات عالية أثناء الحجر المنزلي، وكذلك أفلام الـ"DVD"، وصحيح أنها تشكل بدائل لمشاهدة الأفلام والوثائقيات وغيرها، إلا أنها لا تعوض الحماسة الخاصة في الذهاب إلى صالة عرض السينما بأعداد كبيرة، وفي أولى أيام عروض الأفلام، بما يمثله ذلك من حالة مميزة وفريدة تقدم للمشاهد نشوة خاصة. كل ذلك لا يعني الاستغناء عن مشاهدة السينما في المنزل حيث تبقى البديل الأفضل والأنسب.

كذلك توقفت المسارح عن تقديم عروضها حيث يعتبر المسرح الأكثر تأثرًا بشكل سلبي بفعل انتشار فيروس كورونا. فحتى لو أراد البعض مشاهدة بعض المسرحيات عبر اليوتيوب فإنها ستكون مشاهدة منقوصة وتفتقر إلى عناصر عديدة منها التفاعل المباشر بين الجمهور والممثلين داخل المسرح، وثانيهما ربما جودة التصوير المتدنية. لكن يمكن تعويض ذلك بعدة طرق منها قراءة المسرحيات أو حتى الحصول على تسجيلات مصورة بشكل جيد وهي متوفرة بكثرة.

وكما يمكن مشاهدة اللوحات والمنحوتات عبر المواقع الإلكترونية للمتاحف العامة والخاصة أو عبر المجلات الورقية، ولكن بعيدًا عن النسخ الحية والتفاعل المباشر داخل المتاحف، لكن ذلك يشكل تجربة منقوصة.

بدائل فنية

في أوروبا، طالت التعديلات أسبوع الموضة، وألغى جورجيو أرماني عرضه لمجموعته الشتوية في مسرح فارغ، بينما شاهد الجمهور العرض عبر النت، بينما في أسبوع الموضة في باريس سار عارضو الأزياء وهم يضعون الأقنعة. وأما في كرواتيا فقد قام أحد مصممي الأزياء بتصميم إكسسوار عبارة عن قناع بألوان زاهية مستوحى من الكتب المصورة وفن البوب ​​وشخصيات ديزني. خلاصة ذلك: الفن يتكيف مع الراهن.

في كرواتيا، قام أحد مصممي الأزياء بتصميم إكسسوار عبارة عن قناع بألوان زاهية مستوحى من الكتب المصورة وفن البوب ​​وشخصيات ديزني

ومن بين جميع الفنون، سيرتفع استهلاك الأدب والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي داخل المنزل أو للمناظر عبر الشرفات أو للحيوانات الأليفة داخل منازلنا، كذلك تصوير الفيديوهات المضحكة عبر منصات مثل تيك توك وانستغرام وفيسبوك وغيرها، وكذلك ألعاب الفيديو مثل البابجي وغيرها، والتي يمكن التشارك فيها بين عدة أفراد عبر الإنترنت ولعبها سويًا. ناهيك عما للطبخ من متعة خاصة يمكن أن تصل إلى حدود الفن كونها تعتمد على الذوق وأساسها الطيب والجميل.

اقرأ/ي أيضًا: "الموت الأسود" في أعمال كتاب ومؤرخي الشرق

يمكن الحديث عن ارتفاع في منسوب الكتابة والقراءة، أو على الأقل في التجريب في الكتابة، حتى لو كانت لأهداف خاصة ذاتية لا تبغي النشر، أو الكتابة الأدبية بهدف النشر. وفيما خص القراءة حتى لمن لا يمتلك كتبًا ورقية أو مكتبة في منزله، وبسبب إغلاق المكتبات العامة، يمكن الاستعانة بالكتب الإلكترونية وتحميلها عبر النت، فما هو متوفر ومتاح يعد بالآلاف ولكل الأذواق والأعمار، وبذلك يمكن الحديث حينها عن هجمة مرتدة يقوم بها الإنسان في مواجهة فيروس كورونا للفنون والأدب، وتحويل الأزمة إلى فرصة لتنمية الثقافة ورفد الذات بالثقافة والإبداع والخيال في شتى الميادين.

الكوارث مصدر إلهام فني

فيروس كورونا سيكون ملهمًا لإبداعات سينمائية وروائية شتى تمامًا كما كانت الحربان العالميتيان الأولى والثانية، وغيرهما من الحروب، مادة إلهام للسينما والأدب، فمثلًا الخفافيش كان مصدرًا للكثير من أفلام الرعب وأفلام الأطفال، واليوم تنتشر الأخبار بشكل جنوني، لكن هذا الجنون يحمل في طياته بنية إبداعية. وليس علينا سوى تذكر الأفلام التي استندت إلى سيناريوهات الكوارث المناخية والبيئية وتصورات نهاية العالم الوشيكة.

ومن أحد هذه الأمثلة "أن فيروس كورونا انتشر جراء ممارسة جنسية بين رجل صيني مع الخفاش!"، وفي فيديو آخر انتشر حاليًا يظهر جماعات من الناس "بدأت باقتحام المحلات الغذائية ومصادرة بضائعها فيما لا وجود لحسيب أو رقيب"، وهي مشهديات تحيل إلى استخدامات في السينما والأدب والفن بكل عام.

كذلك أفلام المخابرات ومؤامرات أجهزة المخابرات العالمية في مواجهة بعضها البعض، أو أفلام الفضاء ووجود حياة أخرى لبشر أخرين على كواكب أخرى. وأيضًا أفلام السجون والمساجين واحتمالات تفشي الوباء داخلها. وما نشهده اليوم من تحول الطرقات والمدن التي كانت تعج بالزوار إلى مدن للأشباح، وكذلك أفلام الفضائح التي تتعلق بأجهزة الدولة والسياسة العليا للدول، أو فضائح تتعلق بكبرى شركات تصنيع الأدوية والمختبرات البيولوجية والأبحاث الكيميائية، وأخيرًا تلك الأفلام والقصص المتعلقة بالأديان ورجال الدين والله والكنيسة والمسجد والمعبد.

الخيال الإنساني مفتوح على كل الاحتمالات ولا حدود له، والسيناريوهات التي يمكن الكتابة حولها وتستند إلى فيروس كورونا لا حصر لها

الخيال الإنساني مفتوح على كل الاحتمالات ولا حدود له، والسيناريوهات التي يمكن الكتابة حولها وتستند إلى فيروس كورونا لا حصر لها، خاصة وأن هذه الأفكار والطروحات لها أساس متين يدور على ألسنة الناس يوميًا حول العالم. يدور حاليًا جدل حول دفن الموتى المصابين بالكورونا، وإمكانية نقل العدوى إلى الآخرين، وربما اللجوء إلى حرقها وإلى تفسخ العلاقات الاجتماعية والعاطفية، وكل ذلك يشكل مادة غنية للفن والسينما والأدب، ويمكن الاستشهاد بكثير من الأفلام التي نسجت حول مرضى السرطان والزهايمر والسيدا وغيرها من الأمراض.

اقرأ/ي أيضًا: الفوتوغرافيا الصهيونية ومقولة أرض بلا شعب.. قصة تزوير

وتتجلى أبهى السيناريوهات السينمائية في ملاصقتها للواقع الحالي بعد انتشار فيروس الكورونا، وذلك في فيلم Contagion المنتج عام 2011 ومن بطولة مات دايمون، حيث يحكي الفيلم قصة انتشار وباء عالمي، والسبب في ذلك أن خفاش أكل تفاحة ووقعت على الأرض فأكلها خاروف، وبعد ذبح الخاروف لبيعه للناس انتقل الوباء وانتشر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ألبير كامو حول كورونا.. المعاناة عشوائية وذلك أبسط ما يمكن قوله

العجوز في الرواية الأوروبية.. صور ونماذج تبدأ بالعزلة وتنتهي بالموت