15-أكتوبر-2019

تزداد أعداد الكلاب الضالة المسعورة في اليمن بشكل كبير (فتحية شمسان)

وكأن اليمنيين لم ينقصهم تسلط أمراء الحرب منذ 2015، حتى تتسلط عليهم الكلاب المسعورة، التي تزايد عددها بشكل ملحوظ، فلا يكاد يخلو حيّ سكني في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات من وجود الكلاب الضالة.

منذ مطلع 2019، تسببت الكلاب الضالة المسعورة في وفاة 50 شخصًا وإصابة أكثر من 10 آلاف آخرين بفيروس داء الكلِب

ومنذ مطلع العام الجاري، 2019، تسببت الكلاب الضالة، وأغلبها مصابة بداء السعر، في وفاة 50 شخصًا وإصابة أكثر من 10 آلاف آخرين بفيروس داء الكلِب الذي يسبب التهابًا حادًا في الدماغ، وينتقل من الكلب المصاب إلى الإنسان عن طريق عضة الكلب.

اقرأ/ي أيضًا: الصحة في اليمن.. موت بالرصاص وآخر بالمرض

وفي حين يتزايد أعداد المصابين بالداء من عضات الكلاب الضالة، لا تلوح في الأفق أية بوادر لحل المشكلة المستعصية، التي باتت تمثل كابوسًا مؤرقًا للكثير من اليمنيين. 

كلابٌ مسعورة

حينما كان عبدالمنان العريقي متجهًا من منزله إلى المتجر الذي يعمل فيه بمنطقة الحوبان، بمحافظة تعز، تفاجأ بهجوم مباغت من مجموعة كلاب ضالة، لم تفلح معها محاولاته للفرار، فتعرض لعضة في قدمه اليسرى.

الكلاب الضالة في اليمن

 وبعد العضة بسويعات، شعر عبدالمنان بالحمى مرفوقةً بالصداع، ليدرك أنها أعراض أولية لداء الكلب. يقول العريقي لـ"الترا صوت": "أخبرني الأطباء بأنه علي السفر لصنعاء لتلقي العلاج في وحدة مكافحة داء الكلب". 

لكن الرحلة شاقة، فالسفر البري يستغرق نحو عشر ساعات، تزيد من تعبه. أما المفاجأة، فكانت عند وصوله للمستشفى الجمهوري في العاصمة، إذ وجد أن قسم وحدة مكافحة داء الكلب متوفقًا عن العمل بسبب عدم توفر اللقاحات والأمصال المعالجة للداء، لولا أن بعض التحايل مكّنه من تلقي العلاج.

وفي حي الدائري، بوسط العاصمة صنعاء، هاجم كلب مسعور فتاة كانت عائدة في طريقها من المدرسة إلى المنزل. كادت الفتاة تتعرض لعضة من الكلب، بيد أن شاب عشريني يدعى مروان العرافي، كان يمشي إلى جوارها، تمكن من إنقاذها حين صد الكلب بيده اليمنى ليتعرض هو للعضة.

قال مروان لـ"الترا صوت" إنه اضطر لشراء العلاج بثمن باهظ لعدم توفره في المستشفى الجمهوري بصنعاء. وبينما كان العلاج عبارة عن خمس جرعات، تصل قيمة الجرعة الواحدة إلى 50 دولارٍ أمريكي، أي أنه اضطر إلى دفع 250 دولار على الأقل، وهو مبلغ يفوق في معظم الأحوال، رواتب معظم اليمنيين. 

مع ذلك، يبقى كل من عبدالمنان ومروان محظوظان، لأنهما تمكنا من تلقي العلاج اللازم، وفي إطار الفترة الزمنية اللازمة، فالكثير ممن يتعرضون لعضات الكلاب في اليمن لا يسعفهم الوقت لتلقي العلاج بالسفر إلى العاصمة، وإن أسعفهم الوقت، فقد لا تسعفهم قدرتهم المادية على شراء المصول.

من جهة أخرى، يتعرض البعض لعضت الكلاب ويصابون بداء الكلب، غير أنهم لا يدركون إصابتهم به حتى ظهور الأعراض الشائعة للداء، ومنها: الحمى والصداع وضيق التنفس والتهيج اللا إرادي والعنف في الحركة، والشعور بالخوف الشديد من الضوء والماء، انتهاءً بنوبات متفاوتة من الهلع وفرط الحركة والخمول، وقد يصاب المريض بالشلل المؤدي للغيبوبة.

تفاقم الإصابات

بلغ إجمالي حالات التعرض لعضات الكلاب في مختلف المحافظات اليمنية، خلال الأعوام التسعة الماضية، أكثر من 96 ألف حالة، بمعدل 11 ألف حالة في العام الواحد. 

وكان عام 2018 الأعلى في المعدل، حيث وصل عدد الحالات المصابة إلى 13 ألفًا و541 حالة، ويتوقع أن يتجاوز العام الجاري هذا العدد بنسبة كبيرة، وذلك وفقًا لإحصائيات صادرة عن البرنامج الوطني لمكافحة داء الكلب في وزارة الصحة التابعة للحوثيين.

الكلاب الضالة في اليمن

وكشفت التقارير الصادرة عن البرنامج، تفاقم الإصابات بداء الكلب خلال فترة عمل البرنامج ما بين عامي 1990 و2018، حيث بلغ متوسط معدل الزيادة السنوي خلال الفترة الزمنية التي سبقت الحرب 17.3% للإصابات و18% للوفيات. وزادت هذه النسبة خلال فترة الحرب، ما بين 2015 و2018 لتبلغ 29.37% من إجمالي الإصابات و24.5% من إجمالي الوفيات.

هذا وتعد العاصمة صنعاء، ثالث محافظة في عدد الإصابات بداء الكلب بعد محافظتي ذمار وإب، فيما يعد مستشفى الجمهوري، الوحيد الذي يتوفر على وحدة خاصة لمكافحة داء الكلب، حيث يستقبل يوميًا ما بين 40 إلى 60 مصابًا بعضات الكلاب، وهو عدد يفوق القدرة الاستيعابية للمشفى.

وفي حديثه لـ"التراصوت"، أوضح مدير وحدة مكافحة داء الكّلِب بالمستشفى الجمهوري، الطبيب عبده غراب، أن جرعات دواء داء الكّلِب يتم تحديدها بناءً على نتيجة فحص المريض ودماغ الكلب. لكن أغلب من يصل إلى المستشفى من المرضى لا يستطيعون إمساك الكلاب التي هاجمتهم.

وأضاف غراب أن الأمصال وجرع العلاج غالبًا ما تكون منعدمة داخل الوحدة بسبب الحصار المفروض على المنظمات المانحة للأدوية والأمصال الخاصة بعلاج مرضى داء الكّلِب، كمنظمة الصحة العالمية.

ويشير غراب إلى أن الحالات المصابة بداء الكّلِب تفوق التوقعات، "حتى بات الداء أشبه بالوباء" على حد تعبيره، لذا فإنه يشدد على ضرورة إيجاد "حلول عاجلة" من المسؤولين محليًا ودوليًا.

حلول غائبة

"يعود تزايد انتشار الكلاب الضالة في مختلف المناطق اليمنية لأسباب، منها: ضعف العمليات الدورية للحد من انتشار الكلاب مقارنة بما كان يحصل في السابق، من قبل إدارات صحة البيئة وصناديق النظافة الحكومية، وكذا انتشار القمامة والمخلفات، وعدم تطعيم الكلاب الخاصة، من قبل وزارة الزراعة"، يقول موسى العماري، المسؤول في صندوق النظافة والتحسين بصنعاء.

داء الكلب في اليمن
في 2018 وصل عدد الحالات المصابة بداء الكلب إلى 13 ألفًا و541 حالة

ويضيف العماري لـ"التراصوت": "في الشهر الماضي، قامت فرق مكافحة الكلاب الضالة التابعة لصندوق النظافة، بحملات إبادة للكلاب المسعورة باستخدام السم وإبر التخدير. لكن الميزانية لم تكفي لتنفيذ تلك الحملات في مختلف المناطق بسبب عدم توفر الإمكانيات المالية جراء الحرب".

ويلجأ سكان المحافظات اليمنية المتضررة من تزايد الكلاب الضالة المسعورة، للقضاء عليها، إلى قتلها بالرصاص. لكن السلطات المحلية لا تفضل هذه الطريقة بسبب أنها تلوث البيئة، خاصة مع عدم قدرة المواطنين على دفن الكلاب المسعورة المقتولة بالطريقة اللازمة.

ارتفعت معدلات زيادة الإصابات والوفيات بداء الكلب في اليمن، خلال سنوات الحرب، لتلبغ 29.37% من الإصابات و24.5% من الوفيات

من جانبه، يقول الناشط البيئي محمد العرماني، إن الجهات الحكومية المعنية، "متقاعسة عن أداء مهامها، وتعتمد في المقابل على المنظمات الدولية التي بدورها لا تنظر لمكافحة داء الكلب باعتباره أولولية الآن في ظل تكاثر الأزمات الناجمة عن الحرب".

 

اقرأ/ي أيضًا:

وباء حرب اليمن.. موجة رابعة من الكوليرا تتفشى في البلاد

بسبب عدم التزام الدول المانحة.. كارثة صحية وشيكة في اليمن!