16-يناير-2020

يايوي كوساما/ اليابان

من تقنيات عملية خبيز الكعك ارتداء القفازات الحرارية، الاعتقاد المُغري بأنه يمكن سحب قالب الكعك من الفرن دون إصابات أمرٌ جائز، لكن احتمالية حدوث إصابة أكبر.

هل يستحق الأمر عناء الألم؟ والبحث عن مراهم لتخفيفه؟ والقلق من تشوه كف اليد الملساء؟ أيتها النساء الجميلات: لا شيء يستحق الألم، ولا أضنى على النفس من القلق.

يهدر أنين الأمير أندريه من الرواية: "هلمي أنقذيني بقلب الصفحة التي أُصِبتُ فيها، سيسعفونني، لا يمكن أن أبقى رهن مزاجية القراءة لديك، لدي أمور أكبر أرويها، وسماء تجلت الحقيقة عليها بعيدًا عن المجد الخادع، في داخلي تتمدد لهفة -الله وحده يعلم مقدارها- لأروي للقراء اكتشافي للحقيقة الواحدة التي حزتها قبل العالمين، سأروي لهم عن الألم والسماء والفرصة الجديدة... لي أيضًا في البيت طفلًا وزوجة قد أعود إليهما، لا يمكن أن ينتهي دوري هنا جريحًا غريبًا مهزومًا".

لكنها صفحاتٌ يا أندريه عن فلسفة الحرب والموت والحياة! كل جملة تستبيح جماليتها نفسي، أقول "جُملٌ تراكيبها بسيطة لكن تقول الكثير". الحروف يا أندريه هنا ليست وسيلة لنقل الفكرة فحسب، ليست لإمضاء وقت أو تصفية مزاج قد عكرته أحداث اليوم، إنها جسرٌ أعبره إلى عالم آخر بعيدًا عن ترهات القرن الواحد والعشرين... ما أدراك أنت بعالم اليوم؟ هناك منصات يقف عليها الجميع فيتحدثون، ضوضاء لا نهائية من الأصوات، وأذناي آآآه! الحروف هنا طوق نجاة يا أندريه، إغاثة لملهوف... سُكنى! هل تُدرك معنى ذلك؟

يتوسل الأمير أندريه، أفقدُ لباقتي، إذ هو لا يفهم لغتي، لا يتبصر فكرتي، فأستشيط غضبًا، أخبره "أنت شخصية خيالية لحوحة، مملٌ لدرجة أنني سأحكم عليك بأسبوع آخر من الأنين والضياع، سأتركك مترنحًا بين الموت والحياة، ولا تصل إلى أحدهما، الحالات البينية وجه آخر من العذابات، لو تعرف وَخزها!"

يخاف فيصمت.

أنظر إلى قائمة المهام المفترض إنجازها اليوم، دفتر ملاحظاتي فتي، أقول إنها أوراق تراكمت فصارت دفترًا، كالأوهام تصير بناء عظيمًا لا أساس له.

لقد تعلمتُ فيما مضى وفي أوقات جزعي أن يمسك كَفي الآخر، وأستمع إلى صوتك البعيد في هذا الشتاء القارس، ينقشع الضباب بابتسامتك، وتبقى حائرًا حانقًا، وأنا سعيدة، ألستَ حولي؟ هذا يكفيني.

قُل للسعادة إنها امتلاء وانتشار، فكيف أجرؤ على محاصرتها باختلاق عنوان.

ثم تنكمش ذات السعادة أو ما تكاد تكونه، تلبية لنداء الحقيقة، وتثبت الأخيرة بأنها الأعلى صوتًا والأكثر هيمنة. تتراخى همتي باختيار عنوان –بناء على طلبك- ليس لشيء إلا أن الفراغ ينتشر داخلي، مجددًا.

قلبتُ الصفحة، نعم! عاد الأمير أندريه إلى البيت، أما أنا فوقفتُ وحدي أُلملم الرايات المرمية، أعدُ جثث القتلى، أُحصي الخسائر في معركة "أوسترليتز" كما يُحصي الإعلام اليوم خسائر حرائق غابات أستراليا وقتلى ليبيا واللاجئين المرميين على الحدود.

كم من الأحداث تركتنا ذاهلين، أشباه مجانين؟

يضيق بنا الكوكب، نهتف: "لو تتجلى القيامة، هَلُمّي حررينا". والجوع والظلم والحروب من يعقرها جميعًا؟ وسفر أيوب لا زلنا نردد سطوره "لك الحمد إن الرزايا عطاء... وإن المصيبات بعض الكرم."

لكن! فيما تبدو القيامة بعيدة، وفي الفصل الذي نظنه أخيرًا: يسقط المطر، يُرسَل الغوث: يا واهبًا هذا الجمال بعد كل هذا القنوط: "ألم تعطني أنت هذا الظلام... وأعطتيني أنت هذا السَّحر".

ترن الضحكات الآتية من الكلام غير المفهوم، ها أنت تتقدم بخطى واثقة تغرس الزهر بكرم في الحدائق المحروقة، تأتي على سلم موسيقي من ترنيمة تنتمي إلى القرون الوسطى، تتكئ على وسائد الرِي والصول، تُحدثني عن قصة طفلٍ يبحثُ عن المعاني الجديدة، يخافها! كم يساوره القلق في محاولة فهمها، ويجتاحني هدوءٌ طفولي، أُقلب كلمة "نِعمة" على وجهيها، فأراها تتجلى في "الآن" وتكون حركة المَدَة مكتوبة من الأمل "umut".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أحمد زين: فاكهة للغربان

موريس شاباز: الموت كالندى الطازج