18-أغسطس-2018

كتب أحرقها النظام في روسيا

يخبرنا جون نيكسون، صاحب كتاب "استجواب الرئيس"، عن أفضل كتاب قرأه صدام حسين بعد سؤاله، حيث أجابه "الشيخ والبحر" لإرنست همنغواي، معللًا هذا التفضيل "تتكون من رجل وزورق وخيط لاصطياد السمك. تروي لنا الكثير عن وضع الإنسان".

بعد صدور رواية "آيات شيطانية" والضجة التي سببها تكفير الخميني للكاتب سلمان رشدي يقال إن صدام أمر بترجمة الرواية بشكل فوري ليطلع عليها.

ثمة علاقة وشيجة يكشف عنها التاريخ بين الكتب والدكتاتوريات القديمة والمعاصرة

ثمة علاقة وشيجة يكشف عنها التاريخ بين الكتب والدكتاتوريات القديمة والمعاصرة، فهناك كتب يطرب لها الدكتاتور، وهناك كتب تزعجه وتؤرق نومه وتجعله يحسب ألف حساب لإصدار أي قرار قد يفتك بكرسي حكمه.

يقول الدكتور علي شريعتي: إنْ شئت التمرد على الدكتاتورية والظلم ما عليك سوى أنْ تقرأ وتقرأ وتقرأ. لكن السؤال هنا أي نوع من الكتب تلك التي تجعل الشعب قادرًا على هزيمة الدكتاتور؟

اقرأ/ي أيضًا: فصل المقال في ما بين القارئ والكاتب من الاتصال

عند الدخول في لجج التاريخ لإجراء مراجعة سريعة للأنظمة الدكتاتورية، نرى أنها تتخوف أشد التخوف من كتب الفلسفة والأخلاق والسياسية، ولذلك كان الفلاسفة فيما سبق يمثلون كبش الفداء لمجتمعاتهم، فإصدار أي كتاب فلسفي ثمنه السير إلى المقصلة، مما جعلهم ينشرون كتاباتهم بأسماء مستعارة، او يضطرون إلى السفر إلى بلاد أخرى تفسح لهم حرية النشر.

منع نابليون دراسة علم السياسة في معاهد فرنسا، وأظهر اهتمامه بالتعصب الديني لأنه عماد بقاء الدولة آنذاك. وحرم وعاظ السلاطين كتب الفلسفة وكفروا وانتقموا من مؤلفيها، وأصدروا الكتب التي تبيّن دورها في فساد العقل، والحقيقة أنها تبين فساد السلطة مثل كتاب "تهافت الفلاسفة" للغزالي.

أما هتلر فقد قام بحملة كبيرة لحرق الكتب، وعدَّ ذلك يومًا احتفاليًا تتخلله الموسيقى والرقص وإلقاء الخطابات، إذ قام بحرق جميع الكتب التي تمثل أيديولوجيات تعارض النازية، وذهب ضحية محارقه تلك ما يزيد عن خمسة وعشرون ألف كتاب. ولم تخلُ مواقف صدام حسين من ذلك، إذ كان يسمح بطباعة الكتب الدينية القديمة، وكتب الأدعية والزيارات، لكنه كان يمنع الكتب التي تشمل موضوعاتها السياسة والفلسفة التي لا تتلاءم مع أفكار حزب البعث.

يقول الشاعر عدنان الصائغ: "إن الدكتاتورية حاربت الوعي، ومنعت الكتب المتنورة، وحاولت أن تفرغ العقول، وما إن نجحت في ذلك حتى أتت العقليات المتخلفة والظلامية فوجدت الأرض جاهزة فقفزت إلى السلطة".

بلداننا العربية الآن عامرة بالمكتبات، لكنها في نفس الوقت عامرة بالطغاة واللصوص، الذين لم يحاسبهم أحد فما هذه المفارقة والشرخ الكبير بين أمة تقرًا وفي الوقت نفسه يحكمها مجموعة من الجهلة والمخربين؟!

لا علاقة بين الأمة التي تقرأ والأمة التي لا تجوع ولا تستعبد، حسب تعبير الكاتب أمين الزاوي، فهذا ضرب من الخيال، خصوصًا إذا عرفنا أن هناك كتبًا تؤصّل وتوطد للدكتاتورية والخرافة، بل الأمر متعلق بنوع الكتب والاختيار الواعي من قبل القارئ وإدراكه للّحظة التي يعيشها، وماذا تتطلب من أفكار تساهم في بناء مجتمعه وتحدد موقفه من السلطة السياسية.

يقول أحد الكتبيين القدماء في مدينة الديوانية إن أكثر الكتب مبيعًا عنده هي كتب التنمية البشرية والخواطر، أما الكتب الفلسفية والسياسية فرفوفها مملوءة بالغبار، لا يطلبها إلا عدد قليل جدًا من الناس لأسباب عديدة أهمها خرافة أنّ قراءة كتب الفلسفة تؤدي إلى الجنون واعتزال العالم. ويخبرنا كتبيّ آخر من بغداد، عن طريق حسابه الشخصي في الفيسبوك، إن مصدر رزق مكتبته، يعتمد على كتابات علي نجم وأدهم شرقاوي.

علي الوردي: إذا انتشر الوعي السياسي في المجتمع فمن الصعب السيطرة عليه بالمعاذير الشرعية أو الحجج المنطقية

يحسب قارئ هذا النوع من الكتب أن وجوده يشكل خطرًا على السلطة الفاسدة، بعد أن أجهز على مئة كتاب في الخواطر والتنمية، من غير أن يدرك أنها سحبته من واقعه، وجعلته يحلق في عوالم طوباوية بعيدة عن كل ما يمر به مجتمعه من ظلم ويلات.

اقرأ/ي أيضًا: عنصرية أمريكا البيضاء.. غواية هتلر

تخيل معي كيف أن كتب منال العالم وتفسير الأحلام والخواطر هي الأكثر مبيعًا في عالمنا العربي، ولها القدرة على خلق مجتمع لا يجوع ولا يستعبد، لا أريد أن أقلل من شأن تلك الكتب ولا من شأن قارئها، فالذي يقرأ أفضل حالًا من الذي لا يقرأ مطلقًا، فهي على الأقل قد تسهم بجانب معين من المعرفة، لكنها لا تخلق وعيًا مجتمعيًا قادرًا على التغيير، ولا أن تجعل الفرد يدرك شخصيته وكيانه ودوره، لا سيما في ظل سلطات فاسدة تستطيع التلاعب بالعقول ولها مآرب كثيرة، وبراقع ترتديها لإخفاء الحقائق عن عامة الناس. هذا بالضبط ما نبّه إليه الدكتور علي الوردي بقوله: "إذا انتشر الوعي السياسي في المجتمع فمن الصعب السيطرة عليه بالمعاذير الشرعية أو الحجج المنطقية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن القارئ

القراءة.. أعظم النعيم