18-سبتمبر-2018

ساسان ناسيرنيا/ إيران - كندا

يبدو جليًّا أن مشكلة الكتاب العربي لا تقف عند انتشار الأخطاء الإملائية واللغوية في كثير مما ينشر، بل تظهر أيضًا في الاضطراب الحاصل في استخدام علامات الترقيم وعلامات التعجب والاستفهام، خاصة في كثير من الروايات، وفي الكتب المترجمة أيضًا مع أنّه لا يظهر أثر لتلك العلامات في النصوص الأصلية في أغلب الأحيان.

لم يكن العرب قديمًا يعرفون علامات الترقيم الحديثة، وكانت النقطة أو المربع هي ما يستخدم في النصوص

اقرأ مثلًا هذه الجملة من كتاب "هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟" لحميد دباشي، ترجمة عماد الأحمد، والصادرة عن "منشورات المتوسط" عام 2016:

"إن أعمال الفلسفة، وقراءها، تربح، بالترجمة، ليس -فقط- لأن مؤلفيها بدؤوا، بالتنفس، في لغة جديدة، ولكن؛ لأن النص يشير إلى عالم غريب، عن تأليفه الأولي." 8 فواصل في سطرين، ولا داعي إلا لاثنتين منها.

أما النص الأصلي فكان: "Works of philosophy — and their readers — gain in translation not just because their authors begin to breathe in a new language but because the text signals a world alien to its initial composition."

وقد اقتبست من هذا الكتاب كمثال وحسب، لاسيّما أنه مليء بهذا الشكل من الاستخدام المزعج لعلامات الترقيم في معظم فقراته.

اقرأ/ي أيضًا: لم يجدر بنا التفريق بين الكتاب الإلكتروني و"البي دي أف"؟

لم يكن العرب قديمًا يعرفون علامات الترقيم الحديثة، وكانت النقطة أو المربع هي ما يستخدم في الكتب والشروح عليها، ومع ذلك لن يصعب على القارئ العربي أن يقرأ كثيرًا من الطبعات القديمة من نصوص التراث العربي، بل وحتى بعض الترجمات الكلاسيكية المبكّرة، والتي كانت خالية إلى حد كبير من علامات الترقيم الحديثة.

وحتّى في الغرب، كان المقصود من استخدام علامات الترقيم بادئ الأمر أن يسترشد بها القارئ عند القراءة الجهرية، ثم تطوّر الأمر مع انتشار الكتاب والقراءة الصامتة وصار الكتّاب يستخدمون علامات الترقيم لتفادي أي غموض قد يقع فيه القارئ أثناء القراءة، لا سيما إن كانت بنية الفقرة تستدعي ذلك.

أما في الكتب العربية، فقد كانت حركة الترجمة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين هي الباب الذي دخلت منه علامات الترقيم الحديثة إلى الكتابة العربية، وكان استخدامها- وما يزال- عشوائيًا غير مطرد حتى داخل الكتاب الواحد، ولم تحظ علامات الترقيم الحديثة بتقعيد في كتاب معروف سوى في بداية القرن العشرين على يد أحمد زكي باشا، وكان ذلك في كتابه "الترقيم وعلاماته في اللغة العربية" عام 1912.

ثم توالت الكتب والأدلة المدرسية والجامعية والصحفية التي تتناول قضية الترقيم في الكتابة العربية الحديثة. لكن لا يحتاج أحدنا إلى دليل ليجزم اليوم، في القرن الحادي والعشرين وبعد أكثر من 100 عام على صدور أول كتاب في هذا الموضوع، أن استخدام علامات الترقيم عربيًا ما يزال محكومًا بمزاج الكاتب وهواه، مع كسلٍ في دور النشر عمومًا على ضبط هذه المسألة في كتبها أحيانًا، وخوفٍ منها في طلب التعديل من الكاتب أو المترجم "المبجّل" لتنبيهه إلى أنّه لا يستخدم علامات الترقيم وعلامات الانفعال والتعجب والاستفهام بطريقة منطقيّة.

لا شكّ أن الإفراط في استخدام هذه العلامات، بل وحتى الحركات تقبّح النص المكتوب بدلًا من تحليته، وتضر بسلاسة عملية القراءة، وكأنه لا تكفينا الأخطاء الإملائية واللغوية المتفشية في كثير مما ينشر اليوم من كتب. فما الذي يدفع الكاتب مثلًا لاستخدام ثلاث علامات انفعال بعد جملة من جمله الأثيرة! ألا يمتلك هذا الكاتب، أو المترجم، الثقة في أن صياغته للجملة كفيلة بنقل الطرفة أو العجب فيها؟ أم أنّه يفترض الغباء في القارئ فيرغب في الأخذ بيده كي يقف عند الجملة ويعرف أنّ فيها شيئًا طريفًا وعجيبًا فيتنبّه؟

لم تحظ علامات الترقيم الحديثة بتقعيد أوّلي شبه متفق عليه سوى في بداية القرن العشرين على يد أحمد زكي باشا

 

إذا كانت كتب المنفلوطي والعقّاد وتوفيق الحكيم وغيرهم من أدباء العرب الكلاسيكيين قد بالغت في استخدام هذه العلامات لظروف عديدة في ذلك الوقت المبكر من نهضة حركة التأليف والنشر والترجمة، وما ساد فيها من "أبويّة" لدى كتّاب ذلك الزمان، فإنه لم يعد هنالك داع للإصرار اليوم على اقتفاء هذه النماذج والتأثر فيها، فآليات القراءة قد تطورت، ووعي القارئ قد اختلف، ولم يعد مقبولًا أن تستمر هذه الحالة من الفوضى والاضطراب في توظيف علامات الترقيم في كتبنا العربية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 كتب أساسية قد تغيّر حياتك إلى الأفضل

الأردن.. المكتبة الجامعية للملائكة فقط