30-نوفمبر-2022
عذراء بخشايشي

لوحة لـ عذراء بخشايشي/ إيران

لا تمر ساعة من وقت هذا العالم من دون أن تخرج إلى النور كتابات جديدة. مقالات وكتب وقصص لا تنتهي فصولًا. يراد لنا، نحن القراء، أن نأخذ علما بمصائب الكوكب وكوارثه. بأحوال النساء المعنفات في أي مكان من العالم، بالقتلى الذين يسقطون على الجبهات أو في أسرتهم نتيجة قصف جيش معاد. علينا أن نأخذ علمًا بكل شيء، وأن نهيئ أنفسنا ونجري ترتيبات مناسبة لئلا نقع في موقع الذين أقعدتهم الكوارث والأحداث.

هذا العالم يقول لنا اليوم إنه أفضل مما كان عليه منذ عقود. لكن هذا العالم الأفضل بات أدعى للشكوى والحذر والخوف من العالم الذي غبر

 

نحن القراء لا نستطيع أن نفعل شيئا لإنقاذ أحد. علينا أن نأخذ علمًا، ونغذي خوفنا وارتيابنا من العالم والبشرية بقصص عنف إضافية. وكل يوم نفكر لو أن حكومات دولنا تسن قوانين جديدة لمنع المتشردين من افتراش الشوارع حيث نمر، ومنع السائقين العنيفين من قيادة سياراتهم حيث نقيم ونعمل، ومنع المدخنين من السكن في جوارنا. ثم منع الناس من أن تتنفس في وجوهنا، لئلا تصيبنا عدوى مرض ما.

إنما، ماذا لو أننا امتنعنا عن أن نكون قراء؟ هل يمكننا إذ ذاك أن نتخفف من قلقنا قليلًا؟ أن نشعر أن العالم أكثر ألفة مما هو عليه؟ أن نتجنب خسارة أموالنا وقيمتها بسبب التضخم أو الاحتيال؟ هذه شؤون وشجون مشكوك بتحققها. ذلك أننا أيضًا، حين نتعمد الجهل، لا نفعل سوى أن نطالب بسن قوانين إضافية لحماية الجاهلين. فكرة غرامشي عن الكتابة وفكرة لينين أيضًا، لا محل لها من الإعراب في عالم اليوم. لم نعد نستطيع دفع العالم نحو إظهار أفضل ما فيه. كل ما نستطيع فعله، لو أدمنّا على تناول العالم، قراءة وكتابة، على النحو الذي سنّه لينين ذات يوم، أن نرفع من حدة الغضب الذي يعتمل في نفوسنا. ثم لا شيء.

هذا العالم يقول لنا اليوم إنه أفضل مما كان عليه منذ عقود. لكن هذا العالم الأفضل بات أدعى للشكوى والحذر والخوف من العالم الذي غبر. كل ما نملكه حيال هذه الأهوال، أن تصيب المصائب شعوبًا غير الشعب الذي ننتمي إليه، أو أن تواتينا المصادفات فنحقق ربحًا جالبًا لطمأنينة عابرة على حساب خسارة آخرين. العالم يبدو مكتظًا جدًا بناسه. ونحن كل يوم نغذي رغبتنا في أن تأخذ الكوارث معها هؤلاء الذين يقاسموننا الفضاء العام.

قد لا يكون ما تقدم جديدًا على أفهام الناس. لكن الكتابة لم تكن دومًا على هذا النحو من الإحباط، ولم يكن القارئ دومًا على هذا القدر من العجز. كان ثمة آمال عريضة يتغذى منها جموع القراء، فيحسبون أنهم باتحادهم واقتناعهم ومساهمتهم في النقاش العام، قادرون على تغيير ظروف حياتهم نحو الأفضل. الرئيس الأمريكي الثاني جون أدامز كتب معلقًا على الجملة الشهيرة في الدستور الأمريكي التي تشرع "الحق في البحث عن السعادة"، أن الأمريكيين يحسبون تحقق السعادة ممكنًا إذا تملكوا واستمتعوا بملكياتهم، في حين أن تحققها مرهون بمشاركة الهواجس والهموم بين الناس. هذه الملاحظة كانت أكثر من لامعة في زمانها. لكننا اليوم، بتنا نعرف أن المشاركة في الهواجس والهموم لا تحقق شيئًا. ثمة مؤسسات بالغة التخصص تكلف نفسها صناعة القواعد التي يجدر بنا الامتثال لها. وهذه المؤسسات لم تعد تقبل آراء الهواة. والهواة هنا هم الكتّاب وقراؤهم على حد سواء. بتنا نكتب لننال الإعجاب. نؤدي وصلة ترفيه للقارئ المستريح. وقد نكسب جراء هذا الجهد كله، إعجابًا يقربنا من مراتب النجوم. والنجوم في حقيقة الأمر ليسوا أكثر من كائنات عابرة، وحين ندقق في إنجازاتهم نكتشف أنها لم تكن مرة ضرورية لأي شيء.