الكاكاو في خطر.. تقرير يحذّر من هشاشة واردات أوروبا الغذائية
23 مايو 2025
حذّر تقرير جديد من أن انهيار المناخ وفقدان الحياة البرية يُفاقمان ما يُعرف بـ"أزمة الشوكولا" في الاتحاد الأوروبي، حيث يُعد الكاكاو واحدًا من ست سلع أساسية تستوردها أوروبا بشكل كبير من دول شديدة التأثر بالتهديدات البيئية، وذلك على الرغم من إعلان منظمة الكاكاو الدولية عن فائض يُقدّر بـ142 ألف طن متري لموسم 2024/2025.
غالبية واردات الكاكاو من دول غير مستعد للتغير المناخي
وفقًا لصحيفة "الغارديان" البريطانية، فقد أفاد تقرير صادر عن شركة "فورسايت ترانزشنز" البريطانية للاستشارات أن أكثر من ثلثي واردات الاتحاد الأوروبي من الكاكاو، البن، الصويا، الأرز، القمح والذرة في عام 2023 جاءت من دول تُعد غير مستعدة بشكل كافٍ لمواجهة آثار التغير المناخي. وقد أظهرت التحليلات أن ثلثي واردات الكاكاو والقمح والذرة، مصدرها دول تُصنف تنوعها البيولوجي على أنه غير سليم أو متدهور.
وأشار التقرير إلى أن الباحثين استخدموا بيانات التجارة من "يوروستات" لربطها بتصنيفين بيئيين لتقدير مدى تعرض الاتحاد الأوروبي للمخاطر البيئية في سلاسل الإمداد الغذائية. وكشف التحليل أن غالبية الواردات جاءت من دول تقع ضمن الفئة "منخفضة إلى متوسطة" أو "متوسطة" في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
وبحسب التقرير، فإن بعض السلع أكثر عرضة للمخاطر من غيرها. فعلى سبيل المثال، استورد الاتحاد الأوروبي 90% من احتياجاته من الذرة من دول منخفضة إلى متوسطة الجاهزية المناخية، و67% من دول لا تتمتع بتنوع بيولوجي سليم. أما الكاكاو، المكوّن الأساسي في صناعة الشوكولا والذي لا يُزرع في أوروبا، فبلغت نسبة وارداته من دول ضعيفة الاستعداد المناخي 96.5%، ومن دول ذات تنوع بيولوجي متدهور 77%.
مخاطر بيئية ومناخية
ويأتي ذلك، وفقًا لـ"الغارديان"، في وقت يعاني فيه القطاع بالفعل من ارتفاع أسعار السكر، المتأثر بدوره بالأحوال الجوية القاسية، ومن نقص في إمدادات الكاكاو. إذ إن معظم الكاكاو الذي تعتمد عليه أوروبا يأتي من دول غرب أفريقيا التي تواجه تراكبًا في المخاطر المناخية والبيئية. وقد دعا التقرير، الذي صدر بتكليف من "مؤسسة المناخ الأوروبية"، شركات الشوكولا الكبرى إلى الاستثمار في مشاريع التكيّف المناخي وحماية التنوع البيولوجي في الدول المنتجة للكاكاو.
حذّر تقرير جديد من أن انهيار المناخ وفقدان الحياة البرية يُفاقمان ما يُعرف بـ"أزمة الشوكولا" في الاتحاد الأوروبي
وأكد التقرير على أن "هذا ليس عملًا خيريًا أو مجرد امتثال لمعايير الاستدامة، بل خطوة حيوية لتقليل المخاطر التي تهدد سلاسل التوريد"، مشددًا على ضرورة "ضمان حصول المزارعين في هذه السلاسل على سعر عادل مقابل منتجاتهم، من شأنه تمكينهم من الاستثمار في صمود مزارعهم".
كما أشار التقرير إلى أن البن، الأرز والصويا تواجه مخاطر أقل نسبيًا، لكنه حذر من "نقاط ساخنة" مقلقة، مثل أوغندا التي زوّدت الاتحاد الأوروبي بـ10% من حاجته من البن عام 2023، لكنها تعاني من ضعف في الاستعداد المناخي وتدهور في التنوع البيولوجي.
دعوات لمساعدة المزارعين في مواجهة تغيرات الطقس
قالت الباحثة الرئيسية في التقرير، كاميلا هايسلوب، إن "الأضرار التي لحقت بالإنتاج الغذائي نتيجة الانهيار المناخي تتفاقم بفعل تراجع التنوع البيولوجي، ما يجعل المزارع أقل قدرة على التكيّف والصمود"، مشيرةً إلى أن "هذه ليست تهديدات مجردة، بل واقع ينعكس بشكل سلبي على الأعمال والوظائف، وعلى توفر الغذاء وأسعاره بالنسبة للمستهلكين، والأمر يزداد سوءًا".
من جهته، وصف الباحث البيئي في جامعة أكسفورد، بول بيرينز، والذي لم يشارك في إعداد التقرير، النتائج بأنها "صورة مقلقة للغاية" بالنسبة لقدرة الأنظمة الغذائية على الصمود، مضيفًا "يميل صناع القرار إلى الاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي مؤمّن غذائيًا لأنه ينتج جزءًا كبيرًا من غذائه بنفسه، لكن التقرير يُظهر أن الاتحاد لا يزال معرضًا بشكل كبير لمخاطر المناخ والتنوع البيولوجي في بعض سلاسل الإمداد الحيوية".
كما دعا مؤسس اتحاد مزارعي البن في أوغندا، جوزيف نكاندو، إلى تحسين الوصول إلى التمويل المناخي الدولي، لمساعدة المزارعين في مواجهة تغيرات الطقس المتزايدة، موضحًا أن "الطقس في أوغندا لم يعد قابلًا للتنبؤ"، وأكد نكاندو في حديثه أن "موجات الحر والجفاف المطول والأمطار غير المنتظمة تتلف شجيرات البن وتضرب الإنتاج".
من جانبه، شدد الباحث في شؤون الغذاء بجامعة أكسفورد، ماركو سبرينغمان، والذي لم يشارك أيضًا في إعداد التقرير، على ضرورة التحول نحو أنظمة غذائية أكثر صحة واستدامة لضمان قدرة الأنظمة الغذائية على التكيف. وأضاف موضحًا: "حوالي ثلث الحبوب وكامل واردات الصويا تقريبًا تُستخدم لتغذية الحيوانات. لذا فإن تعزيز مرونة هذه السلاسل يفوّت جوهر المشكلة، لأننا ندعم منتجات مسؤولة إلى حد كبير عن التحديات البيئية نفسها التي نحاول حمايتها من آثارها".
عن فائض يُقدّر بـ142 ألف طن متري
وعلى الرغم من التوقعات السلبية لواردات أوروبا من الكاكاو، إلا أن تقرير لوكالة "الأناضول" صدر في آذار/مارس الماضي، أشار إلى أسعار الكاكاو أنهت عام 2024 بارتفاع بلغ 178.2%، حيث وصل سعر الطن إلى 11,675 دولارًا، بعد أن لامس ذروته عند 12,931 دولارًا للطن. إلا أن الأسعار في 2025 تراجعت بنسبة 33% على أساس سنوي، لتنخفض إلى ما دون 8,000 دولار للطن.
وأرجع تقرير "الأناضول" الارتفاع القياسي في أسعار السلعة الأساسية المُصنعة للشوكولا العام الماضي إلى مخاوف تتعلق بالمعروض، لافتًا إلى أن الظروف المناخية السيئة في غرب إفريقيا قد تسبّبت بانخفاض الإنتاج العالمي. وشكّل التراجع الحاد في إنتاج ساحل العاج وغانا، وهما أكبر منتجي الكاكاو في العالم، عاملًا رئيسيًا في تقليص العرض ورفع الأسعار.
ووفقًا لتقرير "الأناضول"، تسببت الظروف المناخية غير المواتية، بما في ذلك موجات الجفاف الطويلة، والأمطار الغزيرة، والأمراض النباتية، مثل فيروس "تورم براعم الكاكاو" (CSSV)، في مزيد من الاضطراب في سلاسل الإمداد. كما أسهمت ندرة الأمطار، إلى جانب زيادة الطلب من قبل شركات الشوكولا الصغيرة على الكاكاو، في دفع الأسعار إلى مستويات أعلى خلال العام الماضي.
مخاطر بيئية ومناخية
ونقلت "الأناضول" عن الخبير في السلع والعقود الآجلة، ظافر إرجزين، قوله إن "ظروف الجفاف في غرب إفريقيا لعبت دورًا كبيرًا في ارتفاع الأسعار العام الماضي"، مضيفًا أن "تراجع المحاصيل في ساحل العاج وغانا أثّر بشكل مباشر على الأسعار عالميًا، لكن التوقعات تشير إلى زيادة الإنتاج في الموسم المقبل"، لافتًا إلى أنه "حتى إن بقيت الأسعار مرتفعة في الأمد القصير، فإن الاتجاه العام يميل إلى البيع".
من جهته، أشار محلل السلع الأساسية في "رابو بنك"، أوران فان دورت، إلى أن مشكلات العرض كانت محركًا رئيسيًا للارتفاع في أسعار العقود الآجلة، في ظل ضعف السيولة في السوق. لكنه في المقابل، أوضح أن "منظمة الكاكاو الدولية أعلنت عن فائض يُقدّر بـ142 ألف طن متري في موسم 2024/2025، وهو ما يُشكك في السيناريوهات التي تحدثت عن عجز في المعروض".
ولفت فان دورت في نهاية حديثه لـ"الأناضول" إلى أن "جميع شركات الشوكولا الكبرى أوضحت خلال مكالمات أرباحها أن الطلب بدأ يتراجع، نتيجة رفع الأسعار، وتقليص كميات الكاكاو المستخدمة في المنتجات، مع احتمالات لمزيد من الزيادات السعرية مستقبلًا".
يجدر الذكر أن التقارير إلى أن نحو 77% من واردات الكاكاو تأتي من دول مصنّفة ضمن الفئات "المتوسطة أو الأدنى" من حيث سلامة التنوع البيولوجي، وأضافت هذا الواقع البيئي، إلى جانب اضطرابات سلسلة التوريد والمخاطر المناخية، انعكس بشكل مباشر على المستهلكين، حيث سجّلت أسعار الشوكولاتة ارتفاعًا بنسبة 43% خلال السنوات الثلاث الماضية، في ظل تصاعد ظاهرة "تضخم أسعار الشوكولاتة" في المتاجر الكبرى حول العالم، بحسب موقع "يورونيوز".