22-ديسمبر-2015

فاروق سويرات/ تركيا

قد يكون الجدل الذي تبع مقتل سمير قنطار في  دمشق سببًا إضافيًا للنظر في منظومة فكر ما يسمى بـ "المقاومة". فثمة شبه إجماع أن القنطار خان مبادئ المقاومة عندما حولها من مقاومة اسرائيل إلى مقاومة الشعب السوري.

قامت التيارت التي وصلت الحكم، تحت الغطاء الفكري البراق لمقاومة إسرائيل، إلى إرساء حكم شمولي لا يُبقي ولا يذر

لكن الحقيقة، كما أراها، هي أنه كان وفيًا إلى تلك المبادئ، وما قتاله السوريين وقتله لهم في سوريا سوى ترسيخ وتطبيق عملي لهذه المبادئ. نشأ فكر المقاومة، وفق الصيغة المطروحة عربيًا، ضمن منظومة فكرية انحدرت من الفكر القومي العربي (حركة القوميين العرب) واصطبغ بالنزعة اليسارية، وكانت "إسرائيل" هي رأس الحربة التي وجه زخمه لمقاومتها على اعتبارها احتلت فلسطين وقتلت وشردت شعبها، فكان شعاره الأبرز هو مواجهة الإمبريالية العالمية التي من جهة: كانت الحامي لإسرائيل في عدوانها، بل أسستها وزرعتها في قلب العالم العربي لتساهم في تجزئته وتخلفه، ومن جهة أخرى: فإن الإمبريالية العالمية هي التي نهبت وتنهب ثروات الشعوب وتفقرها وتبقيها، رغماً عنها، على هامش الحضارة والتاريخ والعالم. 

ضمن هذا الشعار واستنادًا عليه، وصل جزء من معتنقي هذا الفكر إلى السلطة في بعض بلدان العرب، سوريا نموذجًا، وكانت النتيجة أن قامت هذه السلطات تحت الغطاء الفكري البراق هذا، بإرساء حكم شمولي لا يُبقي ولا يذر. تعثر هذا الفكر وتجلياته السياسية والسلطوية كثيرًا، خاصة خلال حرب 1967، وانكشف أنه مجرد فكر سياسي يسعى إلى السلطة لينهب ويفتك بالعالمين من شعبه، وانكشفت طروحاته في المقاومة بوصفها  طروحات في قمع الشعوب ونهبها، وقتلها أيضاً.. في هذه الحالة برز تيار ديني استغل هذا الفراغ الهائل في فكر المقاومة اليسارية/ القومية، وأعلن عن نفسه أنه هو، لا غيره، المقاوم، وقد ساعد ظهور إيران الإسلامية على ترسيخ هذا النهج. 

وحمل الفكر المقاوم الإسلامي الأفكار ذاتها التي كان اليساري يحملها وهي مواجهة الإمبريالية العالمية والصهيونية ممثلة بـ "اسرائيل" وأدواتها في الداخل.. ضمن تقاطع المصالح في هذه الفكرة، وفي رفع هذا الشعار كان أن أقيم تحالف قوي بين تيارات المقاومة اليسارية وتيارات المقاومة الإسلامية، وتوسع هذا الحلف حتى أنه ضم: الأحزاب والقوى اليسارية التي تدعي معارضتها لسلطاتها السياسية، مع السلطات السياسية ذاتها التي ما انفكت تسجن معارضيها اليساريين ذاتهم، مع إيران الدينية وحزب الله – ذراع إيران في المنطقة، وحركات التحرر العالمية، أمريكا اللاتينة كمثال، ومن وصل إلى السلطة في هذه البلدان، تشافيز مثلًا... وأطلقت هذه الجبهة على نفسها: جبهة المقاومة. 

ونحن نعرف أن البلدان التي تحكم فيها جبهة المقاومة هي أكثر البلدان دكتاتورية وشمولية وفسادًا... بمعنى آخر: البلدان التي ترفع شعار مواجهة الإمبريالية العالمية والصهيونية ممثلة بـ "إسرائيل" وأدواتها في الداخل هي البلدان التي لم تواجه سوى شعوبها، ولم تقاوم سوى ما ينبثق عن شعوبها، ولم تتعرض لأي (تخاذل) من حلفائها حتى الذين لم يصلوا إلى السلطة ولا مرة، الأحزاب والقوى المقاومة الأخرى (الحزب الشيوعي اللبناني، الحزب القومي السوري الاجتماعي... حزب الله، إلخ…) بل وجدت تأييدًا صارمًا منها. 

البلدان التي ترفع شعار مواجهة الإمبريالية العالمية والصهيونية هي البلدان التي لم تواجه سوى شعوبها

مات تشافيز وهو يلهج باسم القذافي والأسد! كل ذلك تم ويتم تحت بند "أخوّة المنهج" المتمثل في مواجهة الامبريالية والصهيونية وأدواتها... وكانت كافة المشاكل التي تتعرض لها بلدان المقاومة هي مشاكل من صنع هذا العدو الأساسي عبر أدواته في الداخل، بقصد التخريب على المقاومة، لذلك كان يتم التصدي لأدواتها في الداخل كما ينبغي: السجن، والتشريد، القتل... فالمقصود بعبارة "أدواتها في الداخل": المعارضين، والشعوب عندما تتمرد... وقد رأينا التطبيق العملي الفاقع لهذه المنظومة الفكرية في سوريا خلال الثورة. وقد كان سمير قنطار ومنظومته الفكرية وتمثيلاتها السياسية في سوريا يواجهون أدوات الصهيونية في الداخل، وبهذا كانوا أوفياء لمبادئهم على نحو لا تردد فيه. 

اعتدنا نحن أصحاب الفكر (العقائدي) علمانيين وإسلاميين أن ننزه فكرنا ومنظومته عن الأخطاء والممارسات السيئة عبر قانون تم اختراعه كقانون طبيعي، أزلي لا راد له وهو: "الخطأ ليس في الفكر، بل في الممارسة"... ورغم كل الموبقات التي ارتكبت تحقيقًا لهذا الفكر، إلا أننا لم نزل ننظر إليه على أن الممارسة هي الخاطئة، فما الذي يجب أن يحدث لنقول إن هذه المنظومة برمتها خاطئة وشمولية؟ ماذا يمكن أن يحدث أكثر من ذلك؟ أكثر من نصف قرن على ترسيخ هذه المنظومة سياسيًا، وإعطائها كافة الإمكانيات لاختبار نفسها ، والنتيجة كانت: شموليات على مد النظر.

الثورات العربية، السورية خاصة، قالت الكثير: ومن أهم ما قالته برأيي: العيب ليس في الممارسة، بل في هذا الفكر، في بنيته، في نظامه المتعالي، في قسريته. فكر المقاومة هذا هو الذي حاول إضاعة فلسطين، وهو الذي يحاول إضاعة الباقي... إن إسرائيل تقاتل شعوب المنطقة بهذا الفكر ذاته، فكر مقاومتها.

اقرأ/ي أيضًا:

تصفية مربكة لسمير القنطار

تسمين الثورة