20-يونيو-2017

عبدالله أحد العمال المصريين في صناعة الجريد (ألترا صوت)

لأكثر من 150 عامًا، تواجدت هذه الصناعة المصرية التي تعتبر محل اهتمام وتقدير كبير سواء للعاملين فيها أو للفلاحين والبائعين وللمواطنين جميعًا. ببعض لمسات فنية، يستطيع هؤلاء العمال تحويل جريد النخيل الزائد عن الحاجة إلى العديد من الأشياء، منها الأقفاص والكراسي والمنضدات وغيرها.

لم تقدم السلطات المصرية أي دعم للقفاصين وصناعتهم العريقة في مصر رغم طلباتهم المتكررة بتأسيس نقابة وتأمين صحي

مع دخول مواسم ظهور (طرح) بلح النخيل، يصعد للنخلة ما يسمى "الطرّاح" أو الشخص المنوط به تقطيع سباطة البلح وجني الثمار، بعد ذلك يبدأ في تقليم النخلة أي يخلع عنها الورق الزائد "الجريد" ويعرضه لحرارة الشمس عدة أيام متتالية، ثم يُباع للقفّاصين في مختلف المحافظات.

اقرأ/ي أيضًا: الغزل والنسيج المصري.. صناعة وطنية لا تهم النظام

وبالرغم من الأهمية الكبيرة التي تمثلها صناعة القفاصين إلا أن الدولة المصرية لم تقدم الدعم "البسيط" لهؤلاء العمال، حيث يقول أحدهم، عم أشرف، 45 عامًا، إنه يعمل في هذه المهنة من عمر 10 سنوات، يستمر في العمل لأكثر من 12 ساعة يوميًا، مقابل 40 جنيه (دولارين وربع). بالإضافة إلى أنه قد يصاب في أي وقت ويبقى دون عمل، حيث يقل إنتاجه كلما كبر في السن، لأن العمل يعتمد على قوته البدنية أساسًا.

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

ويضيف عم أشرف، لـ"ألترا صوت" أن معظم القفّاصين "مصابون بمرض في الغضروف وليس لهم تأمين صحي، لأن مهنتهم لم تحظ بأي تأمينات أو معاشات من الدولة، رغم أنهم تقدموا مرارًا بطلب تأسيس نقابة للدولة". كما يخبرنا عم سيد، الذي يعمل "قفاصًا" منذ 38 عامًا، أنه ورث تلك المهنة عن والده دون اختيار شخصي منه، ويشتكي أن "القفص الواحد يتطلب ما يقارب عن ساعتين من العمل مقابل ثلاثة جنيهات، وأنه كثيرًا ما يصاب بجروح غائرة في جسده تجبره على التوقف عن العمل لفترة".

وذلك رغم أن المادة 18 من الدستور المصري تنص أن "لكل مواطن الحق في الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة، التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل".

تتواجد أغلب ورش صناعة الجريد في مصر بالفيوم والقليوبية والمنوفية وتعتبر مصدر رزق لأصحاب الورش وعمالهم

الدولة المصرية لا تحدد سعرًا معينًا للأقفاص المصنوعة ولا تهتم بذلك بالرغم من أهمية هذه الصناعة كما يصفها عمالها، وهي أيضًا لا تهتم بصيانة حقوقهم بالرغم من طلباتهم المتكررة، بينما تنص المادة 13 من الدستور المصري أن الدولة "تلتزم بالحفاظ علي حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعي، وتعمل علي حماية العمال من مخاطر العمل وتوفر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، وتحظر فصلهم تعسفيًا، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون".

قابلنا صاحب إحدى أكبر الورش لصناعة الجريد في منطقته "محمد طلبة"، الذي يعمل كقفّاص منذ أكثر من 30 عامًا، لينقل لنا الصورة من وجهة نظر أصحاب الورش، يقول لـ"الترا صوت": إن "حساب العامل عنده يكون حسب الإنتاج، أي أن العمل يكون بناء على قوته البدنية، وفي حالة مرضه، يبقى العامل دون مرتب".

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

يتلخص دور "طلبة" الأساسي في توفير الخامات (الجريد) طوال الوقت، وتعتبر صناعته مربحة، لكنها لا تعود بدخل وفير للعمال وحتى أصحاب الورش الصغيرة ينتهي بهم الحال لإغلاق ورشهم لأن الصناعة تحتاج الكثير من المال للاستمرار.

في المقابل، يقول ابن صاحب العمل (16 عامًا) لـ"الترا صوت" إنه "لا يريد تعلّم صنعة أبيه، فهي تؤلم ظهره كثيرًا، بينما لا يجني منها المال الكافي"، وأنه يكتفي حاليًا بمتابعة العمل إداريًا فقط. ويقاطع حديثه أحد العمال مؤكدًا حجم الآلام على مستوى الظهر والمفاصل التي يعانون منها.

اقرأ/ي أيضًا:  مهن السوريين في تركيا تتقدم وتزدهر

تتواجد أغلب ورش صناعة الجريد في مصر بالفيوم والقليوبية والمنوفية وتعتبر مصدر رزق لأصحاب الورش وعمالهم، ويقول "طلبة" إن "رجلًا يدعى الحاج عبد العزيز عطية يعتبر "إمبراطور القفّاصة" وبورصة صناع الجريد في مصر كما يطلق عليه التجار، يعمل في منطقة الجيزة، وبالرغم من كونه مليونيرًا (حسب طلبة) إلا أنه بدأ كعامل بسيط"، وهو ما يدل أن تلك الصنعة مربحة إذا اهتم بها الأشخاص ووفروا لها رأس مال جيد.

وقد حاول "الترا صوت" التواصل مع أحد المسؤولين في الوزارة المسؤولة لعرض مشاكل هؤلاء العمال عن الإهمال الصحي وضعف الإمكانيات المتاحة ولكننا لم نتلق إجابة حتى كتابة هذه الكلمات.

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

جوانب من عمل القفاصين في مصر (ألترا صوت)

 

اقرأ/ي أيضًا:

فن التلي.. من الصعيد المصري إلى موضة عالمية

الجزائر.. الصناعات التقليدية تعاني عديد الصعوبات