تعرضت المصالح الإقليمية والدولية الروسية لضرر كبير على خلفية خسارة موسكو لقواعدها العسكرية في سوريا، وخاصةً قاعدة حميميم وميناء طرطوس، حيث أضعفت تلك الخسارة قدرة الروس على التأثير في النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط وإفريقيا (ليبيا والسودان ودول الساحل الإفريقي) من جهة، وحرمانها من فرص تجارية واقتصادية كبيرة من جهة أخرى.
أمام هذا الوضع، تحركت موسكو على أكثر من جبهة لتعويض خسائرها وما لحق بصورتها من ضرر أمام شركائها بعد تخليها عن أحد أهم حلفائها، وهو نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
القطب الشمالي فرصة روسيا الإستراتيجية لتعويض خسائرها
يمثل القطب الشمالي فرصة لروسيا لتعويض خسائرها نظرًا لما يشهده من تزايد ملحوظ في الأنشطة التجارية بفعل ذوبان الجليد بسبب التغيرات المناخية المتسارعة، حيث من المتوقع أن يُصبح القطب الشمالي في عام 2030 خاليًا من الجليد. وتزعم روسيا أنها تسيطر على 70% من موارد القطب الشمالي، ومن هذا المنطلق يمكن القول إنه ساحة نفوذ جديدة لروسيا بما تتضمنه من إمكانيات وفرص اقتصادية.
يشهد القطب الشمالي تزايدًا كبيرا في الأنشطة التجارية بفعل ذوبان الجليد بسبب التغيّرات المناخية المتسارعة
وقد بدأت روسيا بالفعل في تطوير موانئها على طول الطريق البحري الشمالي ضمن مشروع "طريق الحرير القطبي"، الذي تهدف من ورائه إلى "تحسين الربط التجاري بين أوروبا وآسيا"، وذلك عبر التعاون مع الصين. ففي البيان المشترك الذي أعقب اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الصيني شين جين بينغ، في أيار/مايو الماضي، تم التشديد على ضرورة "تطوير ممرات تجارية بحرية جديدة من شأنها خلق تغيرات اقتصادية وجيوسياسية غير مسبوقة".
وكان على رأس تلك الممرات ممر القطب الشمالي أو ما سمي بطريق الحرير القطبي. ولتجسيد هذه الرؤية، شكّلت موسكو وبكين لجنة تعاون لبحث "استغلال الممر وتطويره حتى يغدو ممرًا مائيًا دوليًا"، ويقتضي ذلك من الجانبين "تشجيع الشركات الروسية والصينية على تكثيف المرور منه، وبناء البنية التحتية اللوجستية على طوله، بالإضافة إلى تعميق التعاون في مجال تكنولوجيا بناء السفن القطبية".
ومن العوامل الجاذبة لهذا الممر أنه يعد "أقصر الطرق التي تربط بين آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية" مقارنةً بالمرور من ممرات أخرى، على غرار قناة بنما أو قناة السويس أو مسار رأس الرجاء الصالح.
ثروات القطب الشمالي وعوامل التفوق الروسي في المنطقة
بفعل الخصائص التي سبق ذكرها، بات من شبه المؤكد أن ممر القطب الشمالي سيدخل عمّا قريب إلى قائمة الممرات العالمية الأكثر ديناميكية. وتتمتع روسيا بعدة مزايا ترشَحها لأن تكون أكبر المستفيدين من عالمية القطب الشمالي كممر، حيث تمتلك قدرة فائقة على التحرك في القطب الشمالي نظرًا لكاسحات الجليد النووية التي بحوزتها، والتي تصل حاليًا إلى 43 كاسحة جليد، في ظل توقعات بأن يتضاعف ذلك العدد في غضون 10 سنوات. فضلًا عن ذلك، قامت موسكو بتطوير محطات الطاقة النووية العائمة التي بدأ العمل فيها عام 2019 في ميناء بيفيك أقصى الشرق الروسي بمنطقة القطب الشمالي. وبحلول هذا العام 2025، من المنتظر أن تنشر "5 محطات طاقة نووية عائمة".
ومن شأن كاسحات الجليد النووية ومحطات الطاقة النووية العائمة أن توفر الضمانات القوية للملاحة، عدا عن توفير الطاقة والظروف المناسبة للسكن على طول طريق الحرير القطبي. ويبقى الرهان القوي في جعل الطريق طريقًا عالميًا بامتياز هو على التعاون الروسي الصيني في المجال التجاري، لا سيما تجارة المواد الأولية والحبوب.
تجدر الإشارة إلى أنّ السفن التجارية التي مرّت عبر طريق الحرير القطبي في العامين الماضيين تجاوزت حمولتها أكثر من 160 مليون طن، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 250 مليون طن بعد 5 سنوات.
تشير نتائج الدراسات الاستكشافية لثروات القطب الشمالي إلى احتوائه على حوالي 13% من الاحتياطات النفطية غير المكتشفة في العالم، إضافةً إلى 30% من احتياطات الغاز الطبيعي عالميًا، عدا عن مقدّرات هائلة من المعادن (الماس والزنك.. إلخ).