15-مارس-2017

صورة من شريط فيديو بثته خادمة مغربية تستغيث من مشغلتها (فيسبوك)

تم بث شريط فيديو لخادمة مغربية تستغيث من مشغلتها، على موقع "يوتيوب"، ومشغلتها هي القنصل في وزارة الخارجية المغربية. انتشر الفيديو كالنار في الهشيم، في كل مواقع التواصل الاجتماعي. الشريط يوثق للحظات توسل القنصل المغربية بمدينة "أورلي" في ضواحي باريس، لجيرانها بعدم إحضار الشرطة، بعدما تدخلوا لإنقاذ خادمتها المغربية، التي اتهمتها بحجزها ومنعها من مغادرة البيت، وحرمانها من الأكل والهاتف، فضلًا عن تعرضها للعنف الجنسي من قبل ابن مشغلتها.

جيران القنصل الفرنسيين، حاولت الدبلوماسية المغربية تهدئتهم ومحاولة التفاهم معهم، لدرجة أنها توسلت إليهم، أمام تهديد الخادمة المغربية بالانتحار إذا لم يتم إبلاغ الشرطة، لكن الفرنسيين أصروا على تبليغ الشرطة، مخاطبين القنصل المغربية: "أنتِ في فرنسا".

أغلب المواطنين في المغرب شبه مقتنعين أن القانون يطبق فقط على طبقة اجتماعية فقيرة أو متوسطة

ويبدو أن هذه الجملة أثارت انتباه العديد من النشطاء المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، معبرين عن إعجابهم من قوة وسلطة القانون في "بلاد الأنوار"، وتطبيقه بشكل صارم على المذنبين، مهما كانوا ذوي حظوة في مجتمعهم، مقارنين الوضع في بلدهم، فهذه العبارة أيضًا أثارت العديد من الأسئلة حول قوة القانون ومدى تطبيقه في مجتمعنا.

اقرأ/ي أيضًا: تعدد الزوجات في المغرب بين الرغبة والواقع

إذ تكاد عبارة "القانون فوق الجميع"، تصبح خرافة أو أسطورة، يسمع عنها المواطن فقط في خطابات المسؤولين التي لا تنتهي، ويلمسها في الأفلام التلفزيونية والسينمائية عندما يودع الأشرار السجن، احترامًا للقانون، فأغلب المواطنين شبه مقتنعين أن القانون يطبق فقط على طبقة اجتماعية فقيرة أو متوسطة.

وكأن القانون خلق فقط لتنفيذ مقتضياته على الفقراء، مستنثنيًا أشخاصًا ذوي مناصب ومكانة هامة، زيادة على معارفهم وأقاربهم، ففي المغرب مثلًا يكفي أن تسمع أشخاصًا يتشاجرون فيما بينهم، حتى تتلى على مسامعك أمثلة شعبية يرددها أحد الأطراف يؤكد بها عدم احترام القانون، أو عدم ثقته بقوة القانون، فيكفي أن تسمع مقولة شعبية، "لي ماعندو سيدو عندو لالاه"، والتي تعني أن الآخر يمكن أن يلجأ إلى الوساطة أوالمحسوبية، أو اتكال على أشخاص لقضاء مصلحته كيفما كانت، أي أن هناك دائمًا من يحميه ويعتمد عليه في حل مشاكله.

وهذا ما يفسر أيضًا عدم لجوء البعض إلى القانون، أو المطالبة بحقوقهم، ويفسر أيضًا السلوكيات العنيفة بشكل يومي عند البعض، سواء في الشارع أو في المرافق العمومية.

يكفي أن تحاول ركوب حافلة بالمغرب، حتى ترصد حجم العنف الذي يمارسه الكثير من المواطنين فيما بينهم، لحظة ركوبهم وسيلة نقل مهترئة، لا تناسب أن تكون وسيلة نقل للبشر، إذ يتسابق المواطنون فيما بينهم بشكل عنيف ومقزز في محاولة الجلوس على كرسي بالٍ، فبمجرد أن يفتح السائق باب الحافلة، حتى يتكدس عدد كبير من المواطنين، في مشهد لا يعكس أبدًا آدميتهم، وكأن هؤلاء الأشخاص بمزاولة سلوكهم العنيف يضمنون حقهم في الجلوس، لأنهم في العادة لا يثقون بالآخرين، أو أنهم متشبعون بثقافة أن العنف وحده سيضمن أخذ حقوقهم المهضومة.

وأحيانًا كثيرة تكون تداعيات هذا العنف، جد مؤسفة، فمؤخرًا قتل شاب، بعد دهسه من طرف الحافلة، بينما كان يحاول اللحاق بها.

اقرأ/ي أيضًا: هل سلطان ملك المغرب فوق كل السلطات؟

في فضاء آخر، يمكننا أيضًا أن نراقب عنفًا من نوع آخر، أقصد هنا المعاملة السيئة التي يمارسها العديد من الموظفين في حق المواطنين، فإن أردت وثيقة إدارية، لا يكفيك انتظار طابور طويل، بل يجب عليك أن تصبر لسلوك موظف بئيس في إدارة مملة، وتحاول أن تتذكر إن كنت على معرفة بهذا الموظف، هل يقربك أو أحد من معارفك؟ وأنت تعد أصدقاءك كلهم، وفي غفلة منك، تراقب شخصًا تجاوز الطابور بكل قلة أدب، "مدردشًا" مع الموظف البئيس، ومتباهيًا بأنه يعرفه جيدًا، وفجأة تشاهد بأم عينيك كيف حصل على الوثائق التي يريد في ثوانٍ معدودة، وأنت والآخرون في انتظار مزاج الموظف أن يلين ويباشر عمله.

كأن القانون في المغرب خلق فقط لتنفيذ مقتضياته على الفقراء، مستنثنيًا أشخاصًا ذوي مناصب ومكانة هامة، زيادة على معارفهم وأقاربهم

وللعودة إلى حادث القنصل المغربية واتهام خادمتها بالاعتداء عليها، ومغادرتها فرنسا بعدما أمهلتها السلطات الفرنسية العودة إلى بلادها مدة لا تتجاوز 48 ساعة، وبغض النظر إن صحت أو بطلت اتهامات الخادمة، هذا الفيديو يذكرنا أيضًا بفيديو آخر لسيدة عنفت شرطي بصفعه وسبه، نشر أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، والتي بالمناسبة أمست هذه المواقع مثل "دركي" لفضح مرتكبي المخالفات.

السيدة والعهدة على وسائل الإعلام المحلية، استغلت قربها من وزير سابق وعنفت شرطي مرور، ويقول الشرطي الذي ظهر في الفيديو، إنه أراد أن يطبق القانون بعد ارتكاب السيدة للمخالفة، إلا أنه تعرض إلى العنف ومحاولة تمزيق كسوته، من طرف السيدة، التي قيد الاعتقال حاليًا.

هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، وبين الحين والآخر نقرأ أو نسمع أو نرى اعتداءً على شرطي سعى إلى تحرير مخالفة ما، من طرف أقارب أو معارف لأشخاص في مناصب هامة، أو عن سماع أنهم أفلتوا من العقاب في رمشة عين، فمن حق الفرنسي إذن أن يخاطب القنصل بعبارة "أنتِ في فرنسا سيدتي". فهو يعرف جيدًا أن في بلاده "القانون يطبق على الجميع".

اقرأ/ي أيضًا:
حقوقيون.. وضعية حقوق الإنسان قاتمة في المغرب
المغرب.. أطفال يُنتهكون في مهن الكبار