12-يونيو-2019

معظم البلاستيك الذي تم إنتاجه منذ اختراع البلاستيك لا يزال موجودًا في الكوكب (EPA)

اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع مهتمة بالبيئة، صورٌ لحيوانات تقتلها أو قتلتها مواد بلاستيكية؛ حيوانات عانت الجوع لأيام طويلة لأن قطع بلاستيك عنيدة سدّت فمها أو لأن قطعة دخلت في قنواتها التنفسية، فضلًا عن الصور الكثيرة للمناطق الأشد تلوثًا، بحضور طاغٍ للمواد البلاستيكية. 

الزيادة الكبيرة والسريعة في إنتاج المواد البلاستيكية التي يتم صرفها، تفوق قدرة العالم على التعامل معها

كل ذلك أثار موجة مطالبات بالسعي بجهد سريع لإنقاذ الكوكب والكائنات الحية من البلاستيك القاتل، الذي تحتاج قطعة صغيرة منه لسنوات لا عدد لها كي تتحلل.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي إمكانيات القضاء على تهديد الكوكب بالنفايات البلاستيكية؟

إنتاج العالم من البلاستيك أكبر من قدرته على مواجهته!

الزيادة الكبيرة السريعة في إنتاج المواد البلاستيكية التي يتم صرفها، تفوق قدرة العالم على التعامل معها. يكون التلوث البلاستيكي أكثر وضوحًا في الدول الآسيوية والأفريقية النامية، حيث غالبًا ما تكون أنظمة جمع القمامة غير فعالة أو حتى غير موجودة بالمرة.

لكن ذلك لا يعني أن ما تسمى بـ"دول العالم المتقدم" ليست واقعة في نفس المشكلة، فعلى ما يبدو لا يوجد حتى الآن نظام فعال للتخلص من البلاستيك أمام هذا الكم الهائل منه في العالم.

النفايات البلاستيكية

لكن السؤال هو: كيف بدأ كل شيء؟ تقول الأبحاث الخاصة بالتلوث البلاستيكي، والتي تحدثت عنها ناشيونال جيوغرافيك ، إن عمر البلاستيك المصنوع من الوقود الأحفوري قد يحتاج لمئات السنين قبل أن يتحلل.

وتسارع إنتاج وتطوير آلاف المنتجات البلاستيكية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى تحول العصر الحديث إلى عصر البلاستيك بلا منازع، إذ يدخل البلاستيك في أغلب الصناعات، والكثير منها صناعات ساهمت في تطور البشرية، بل إنقاذها بدخوله في الصناعات الطبية.

لكن مع ذلك، أدى دخول المواد البلاستيكية المريحة في صناعات مهمة، إلى صعوبة التخلص منها على المدى البعيد. على سبيل المثال: تمثل المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد 40% من البلاستيك المنتج كل عام. بعض هذه المنتجات مثل الأكياس البلاستيكية لها عمر استخدام يتراوح بين دقائق وساعات، ومع ذلك فقد تستمر في البيئة قبل أن تتحلل لمئات السنين.

أرقام وحقائق مرعبة

تشير الإحصائيات العلمية إلى أن إنتاج العالم من البلاستيك زاد بشكل كبير، من 2.3 مليون طن في عام 1950 إلى 448 مليون طن في عام 2015. ومن المتوقع أن يتضاعف الإنتاج بحلول عام 2050.

كما يتحدث العلماء عن أن الإنتاج الضخم للبلاستيك، الذي بدأ قبل عقود ليست ببعيدة (نحو ستة عقود)، تسبب في مليارات الأطنان من النفايات، التي جعلت العلماء يشعرون بالرعب من حتى محاولة حصرها.

النفايات البلاسيتيكة

تقول جينا جامبك، مهندسة بيئية بجامعة جورجيا ومتخصصة في دراسة البلاستيك: "لقد علمنا جميعًا أن هناك زيادة سريعة ومتطرفة في إنتاج البلاستيك من عام 1950 حتى الآن، ولكن في الواقع كان تقدير العدد التراكمي لجميع أنواع البلاستيك التي تم تصنيعها، بمثابة صدمة!".

ولأن تحلل البلاستيك طبيعيًا يحتاج مئات السنين، فإن معظم ما أنتج من البلاستيك لا يزال موجودًا بشكل ما، وما تم حرقه يساوي فقط 12% من الكمية الموجودة. ويقول العلماء إنه إذا استمرت الوتيرة على وضعها، فإنه بحلول عام 2050 سيكون هناك 12 مليار طن متري من البلاستيك في مدافن النفايات، أي ما يساوي في الوزن 35 ألف ضعف وزن مبنى إمباير ستيت الشهير في نيويورك.

وبحسب دراسة نشرتها مجلة Science Advances والتي قدمت أول تحليل عالمي لجميع المواد البلاستيكية التي صنعت على الإطلاق ومصيرها في العالم؛ وُجد أنه من 8.3 مليار طن متري مجموع ما تم إنتاجه ، أصبح هناك 6.3 مليار طن متري نفايات بلاستيكية في العالم ، تم إعادة تدوير 9% منها فقط. ووجدت الدراسة أن الصين وحدها تنتج أكثر من نصف الألياف المستخدمة في صناعة البلاستيك بما نسبته 68% من ألياف البوليامايد والبوليستر .

المحيطات.. الحوض الأخير لنفايات البلاستيك

 تحتوي المواد البلاستيكية في كثير من الأحيان على إضافات تجعلها أقوى وأكثر مرونة وديمومة، وفي كل عام يستقر الحال بحوالي ثمانية ملايين طن من النفايات البلاستيكية إلى المحيطات من الدول الساحلية. وهذا يعادل وضع خمسة أكياس مليئة بالقمامة على كل سفح لكل ساحل في جميع أنحاء العالم.

كما يتم نقل القمامة إلى البحارعن طريق الأنهار الرئيسية، والتي تعمل كحزام ناقل، حيث تلتقط المزيد والمزيد من النفايات أثناء تحركها في اتجاه مجرى النهر.

ولبيان مدى انتشار النفايات وانتقالها، عثر العلماء في جزيرة هندرسون، وهي جزيرة مرجانية غير مأهولة  في منتصف المسافة بين تشيلي ونيوزيلندا، على مواد بلاستيكية من روسيا والولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا الجنوبية واليابان والصين، تم نقلها إلى جنوب المحيط الهادئ بواسطة دوامة في جنوبه.

يتغلل البلاستيك بواسطة عوامل طبيعية، فبمجرد وصوله إلى البحر، تعمل أشعة الشمس والرياح وحركة الأمواج على تقسيم النفايات البلاستيكية إلى جزيئات صغيرة، غالبًا ما يقل عرضها عن خمس بوصات. تنتشر هذه المواد البلاستيكية الدقيقة في جميع أنحاء المعمورة، من أعلى قمة في العالم، في جبل إفرست، إلى أعمق حوض في الأرض في خندق ماريانا.

موت سريع للحياة البرية

تقتل ملايين الحيوانات بالبلاستيك كل عام، حتى أن حوالي 700 نوع من الكائنات الحية، بما في ذلك الأنواع المهددة بالانقراض، قد تأثرت بالبلاستيك.

ومعظم الوفيات التي تحدث في الحيوانات ناتجة عن التشابك مع قطعة بلاستيك أو أن تسبب قطعة بلاستيك تدخلها، بتجويعها حتى الموت، فيتم خنق الحيتان والسلاحف والحيوانات الأخرى بواسطة معدات الصيد المهجورة أو الحلقات البلاستيكية داخلها. ويفيد العلماء أنه تم العثورعلى البلاستيك الدقيق في أكثر من 100 نوع مائي، بما في ذلك الأسماك والروبيان وبلح البحر.

وفي كثير من الحالات تمر هذه الدقائق الصغيرة عبر الجهاز الهضمي وتُطرد دون تأثير، ولكن تم العثور على البلاستيك أيضًا الذي يعمل على انسداد المسالك الهضمية، ما تسبب في وفاة الحيوان، فالمعدة المليئة بالبلاستيك تقلل من الرغبة في تناول الطعام، مما يسبب الجوع.

التلوث

كما استهلكت الحيوانات البرية المواد البلاستيكية، بما في ذلك الأفيال والضباع والحمر الوحشية والنمور والجمال والماشية وغيرها من الثدييات الكبيرة، ما تسبب في بعض الحالات في الوفاة.

المعنيون بالإصلاح.. هل هم مهتمون حقًا؟

وجه علماء البيئة انتقادات حادة للولايات المتحدة بسبب عرقلتها الطموحات العالمية لمنع تدفق الحطام البلاستيكي إلى المحيطات، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة تبطئ التقدم في مسار التخلص التدريجي من البلاستيك المستخدم مرة واحدة، وتعرقل أي جهد لصياغة معاهدة ملزمة قانونيًا بتقنين استخدام البلاستيك والتخلص من نفاياته. يأتي هذا بالتوازي مع انسحاب الإدارة الأمريكية الحالية من اتفاقية باريس للمناخ.

يقول ديفيد أزولاي، محامي مركز القانون البيئي الدولي في جنيف، إن "الولايات المتحدة تنأى بنفسها عن مواجهة التحديات الحرجة لكوكبنا. فالعالم كله يتصدى للتحدي البلاستيكي من جذوره؛ الاتحاد الأوروبي يفعل ذلك، والهند تفعل ذلك".

وفي حين سعت الولايات المتحدة إلى حصر مشكلة الحطام البحري في النفايات، كان المجتمع الدولي يشدد على أن المشكلة تبدأ من الإنتاج للمواد طويلة العمر المسببة للتلوث، على رأسها البلاستيك المستخدم مرة واحدة. وعليه ضغط الولايات المتحدة إلى استبدال صيغة "التخلص التدريجي" من البلاسيتك المستخدم مرة واحدة، بصيغة غاضمة هي "التقليل بشكل كبير"، مع مد الفترة المستهدفة من عام 2025 إلى 2030.

تعرقل الولايات المتحدة الجهود العالمية الرامية إلى التخلص التدريجي من إنتاج المواد البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة

أما بالنسبة للمعاهدات الدولية القائمة بالفعل، والتي تتناول الحطام البحري، فثمة معاهدة واحدة هي معاهدة MARPOL، التي اعتمدتها المنظمة البحرية الدولية، والتي منعت السفن من إلقاء النفايات البلاستيكية في المحيطات منذ عام 1988. لكن هذه المعاهدة لا تحل المشكلة، فنحو 80% من ثماني ملايين طن سنويًا من النفايات التي تتدفق إلى المحيطات، تنشأ على الأرض، وفقًا لبحث منشور في عام 2015.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نفايات الهولدينغ الملكي؟

ماء الضاحية الجنوبية ملوث بالبراز البشري.. "انتصارات" على المواطن