28-فبراير-2023
getty

يقدم الفيلق الدولي الذي يقاتل إلى جانب الجيش الأوكراني إضافة رمزية في مجمله (Getty)

بعد مرور قرابة العام على اندلاع الحرب في أوكرانيا، لم يسلط الضوء بشكلٍ كبير على "الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي عن أوكرانيا"، الذي أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن تشكيله، لمساعدة الشعب الأوكراني في التصدي للغزو الروسي.

مع استمرارية الغزو الروسي لأوكرانيا، ظهر فيلق "روسيا الحرة" الذي يتكون من عناصر روسية ويقاتل الجيش الروسي على الجبهة الشرقية

ويتشكل الفيلق من وحدات قتالية تضم متطوعين من مختلف دول العالم، من ضمنهم أمريكيين، وكنديين، وبريطانيين، وأوروبيين، لكن اللافت أن غالبية المتطوعين في الفيلق من الدول المجاورة لأوكرانيا، جورجيين، وبيلاروس، وشيشان، وحتى مواطنين من روسيا.

أسست وزارة الدفاع الأوكرانية، موقعًا خاصًا من أجل تقديم طلبات الانضمام للفيلق، لكن في المجمل تشير التقديرات إلى أن أعداد المنتسبين بشكلٍ تطوعي لا يتجاوز 20 ألف، ولكن أهميتهم لا تكمن في عددهم ولا في نوعيتهم، فقد جاء غالبيتهم من خلفية عسكرية، ولهم خبرة قتالية واسعة، حيث قاتلوا في دول مثل سوريا والعراق وأفغانستان، وبعضهم على دراية بتضاريس المنطقة، لأنهم من أبناءها. والقاسم المشترك بين بعض هؤلاء الأعضاء، هو انتسابهم لشعوب عاشت طويلًا في ظل روسيا القيصرية ومن ثم الاتحاد السوفيتي.

getty

"للثأر من روسيا"

مؤخرًا، شكلت الأخبار عن مشاركة الوحدات الشيشانية ضمن الفيلق الدولي، أبرز الأحاديث عنه، حيث انخرطت في المعارك الدائرة على جبهات القتال شرق أوكرانيا، وظهرت بشكلٍ واضح بعد بث تسجيل مصور ظهر فيه قائد جماعة "أجناد القوقاز" رستم آزييف المعروف بعبد الحكيم الشيشاني، مع مجموعة من عناصره في أوكرانيا. 

ونشر جهاز المخابرات الأوكرانية، بداية العام تسجيلًا مصوّرًا، عبر حسابه في تويتر لمقاتلين شيشان من بينهم قائد جماعة "أجناد القوقاز" عبد الحكيم الشيشاني، على جبهات القتال في باخموت شرقي أوكرانيا، وكتب "المتطوعين الشيشان، كجزء من الفيلق الدولي، يواصلون الدفاع عن أوكرانيا في النقاط الساخنة بالجبهة، ومن بين المتطوعين عبد الحكيم، بطل شعب إيشكيريا الشيشانية، التي تقاتل فرقته ضد الروس". 

وصل عبد الحكيم الشيشاني، وهو من قدامى المحاربين في الحرب الشيشانية الروسية الأولى في التسعينيات، وقائد مجموعة "أجناد القوقاز" التي تقاتل قوات النظام السوري في ريف اللاذقية، إلى أوكرانيا مع مجموعة من المقاتلين الشيشان لمحاربة القوات الروسية، وذلك بعد التنسيق مع مجموعات عسكرية من كتيبة "الشيخ منصور" الشيشانية، التي تقاتل إلى جانب القوات الأوكرانية ضد الروس، إضافة إلى كتيبة "جوهر دوداييف"، وهي مجموعة من المعارضين لرمضان قديروف الزعيم الشيشاني الموالي لبوتين. وكانوا في طليعة "الفيلق الدولي" عندما اندلعت الحرب في إقليم دونباس عام 2014، بعدما استولت المجموعات الانفصالية المدعومة من روسيا على أجزاء من الإقليم، والذي شهد  تدفقًا كبيرًا للمتطوعين الأجانب للقتال، وقد قدر كاسبر ريكاويك، وهو باحث ما بعد الدكتوراه في مركز أبحاث التطرف في جامعة أوسلو، عدد المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في القتال بدونباس بنحو 1000 مقاتل.

لم يقتصر الأمر على الشيشان الذين يملكون ثأرًا خاصًا مع بوتين، بعد عملية التدمير الممنهج الذي شهدته العاصمة غروزني، في الحرب الشيشانية الروسية الثانية. فهناك الفيلق الجورجي، وهي وحدة عسكرية تتكون من متطوعين من أصل جورجي، قاتلوا إلى جانب القوات الأوكرانية في حرب دونباس، ويشكلون اليوم أهم فرق "الفيلق الدولي". 

وأحد أبرز المتطوعين في الفيلق، هو وزير الدفاع الجورجي السابق إيراكلي أوكرواشفيلي، الذي وصل مع مجموعة من المقاتلين إلى أوكرانيا، في الأيام الأولى للغزو، وساعدت وحدته في الدفاع عن العاصمة كييف، حيث خاضت قتالًا شرسًا مع وحدة روسية حاولت التسلل إلى العاصمة، وساهم في إعطاب دبابتين. يقول أوكرواشفيلي في حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، لقد "مررنا بهذا الطريق بالفعل في 2008، حين خضنا حربًا مع روسيا"، في إشارة إلى غزو روسيا لجورجيا عام 2008. وأضاف "أوكرانيا لا تقاتل فقط لأجل حريتها وسيادتها واستقلالها، هذه ليست حرب أوكرانيا وحدها". 

مؤخرًا، جرى الحديث عن فيلق "روسيا الحرة"، وهو فيلق يضم مواطنون روس هاربين من قمع أجهزة الأمن الروسية، ومعارضين للحرب، والتقت صحيفة "نيويورك تايمز"، بعدد من منتسبي الفيلق، والذين يشاركون في أكثر المعارك احتدامًا منذ اندلاع الحرب. 

جنود روس ضد جنود روس

يقاتل هؤلاء الجنود الروس ضمن وحدة عسكرية أوكرانية مكونة بالكامل من روس، وينشطون على جبهة باخموت في مواجهة جنود روس أيضًا. أمّا عن دوافعهم في حمل السلاح ضد روسيا، فقد جاءت لعدة أسباب منها، شعورهم بالغضب الأخلاقي من قيام بلادهم بغزو أوكرانيا، والرغبة في الدفاع عن البلد الذي احتضنهم بعد البطش الذي تعرضوا له، بالإضافة للكراهية العميقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبفضل الأدوار التي قاموا، اكتسبوا ثقة كافية من القادة الأوكرانيين ليكونوا في  مقدمة القوات التي تقاتل الجيش الروسي بشراسة.

يقول أحدهم، وهو شاب منحدر من مدينة سان بطرسبرغ للصحيفة الأمريكية، "رجل روسي حقيقي لا ينخرط في مثل هذه الحرب العدوانية، لن يغتصب الأطفال ويقتل النساء وكبار السن"، مضيفًا "لهذا السبب ليس لدي ندم، أنا أقوم بعملي، وقتلت الكثير منهم".

getty

في بداية الحرب، منع القانون الأوكراني المواطنين الروس من الانضمام إلى القوات المسلحة الأوكرانية، واستغرق الأمر حتى آب/ أغسطس من العام الماضي، لوضع تشريع يسمح للمواطنين الروس بالانضمام إلى الفيلق الدولي بشكلٍ قانوني، والذهاب إلى الجبهة للقتال.

ومع اقتراب دخول الحرب عامها الأول، صوت البرلمان الأوكراني على مشروع قانون يسمح للأجانب بالخدمة في كل من القوات المسلحة الأوكرانية والحرس الوطني، بما في ذلك داخل صفوف كتيبة "آزوف" التي تصنفها روسيا ضمن "المنظمات الإرهابية"، حيث تصف أعضاء الكتيبة بأنهم "نازيون جدد"، وهم ورثة الزعيم القومي الأوكراني ستيبان بانديرا، المتهم بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب العالمية الثانية.

ومع اشتداد المعارك في أوكرانيا، تمركز جنود الفيلق الدولي في المنطقة المحيطة في باخموت، ومن ضمنهم المئات من الجنود فيلق "روسيا الحرة". وخاضوا معارك محاولة استعادة مدينة سوليدار القريبة من باخموت، التي سقطت بيد الروس، إلّا أن المحاولة باءت بالفشل وفقد الفيلق مجموعةً من الجنود.

هل يقدم الفيلق الإضافة؟

يرجح المتابعون للوضع الميداني بأوكرانيا، أن السبب الرئيسي للانتكاسات في محيط باخموت يعود إلى الفوضى، والنقص في العتاد والتنظيم، في صفوف الفيلق الدولي.

ينقل موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي، عن جوليا التي التحق شريكها بالفيلق الدولي،  أنها تلقت رسالة من برايان يونغ، يشكو فيها الفوضى في الفيلق، لكنه أكد لها بأنه تم إنجاز الكثير، كما في الأيام السابقة. وكان يونغ عضوًا في الكتيبة 517 عمليات خاصة من لواء "إيفان بوهون"، الذي تشرف عليه المخابرات الأوكرانية، وعادةً ما يضم قدامى المحاربين أو الأشخاص الذين لديهم خبرة في ساحة المعارك، ويتمتع أعضاء اللواء بمهارات عالية، وينتشرون في مجموعات صغيرة تعمل في الجبهة بشكلٍ  مباشر. 

وفي رسالة أخرى أرسلها يونغ إلى جوليا، قال فيها "هناك فوضى، غادر معظم المتطوعين الأجانب، لم يتبق سوى عدد قليل منا". وفي شهر تموز/يوليو تعرضت كتيبة يونغ في بلدة "Hryhorivka" في دونيتسك، لهجمات صاروخية روسية عنيفة. في حينها، تم تكليفهم بالنزول إلى وادٍ وتطهيره من الجنود، حيث كانت القوات الروسية تعمل على عبور النهر. 

المهمة السابقة تمت بنجاح، لكن المجموعة وقعت في كمين نصبته دبابة روسية، أصابت القذيفة الأولى لوك وهو متطوع أمريكي، بالإضافة إلى مسعف كان بجانبه، وبعد توقف قصير لإطلاق النار، هرع على الفور يونغ وثلاثة جنود، لتقديم المساعدة إلى لوك ورفيقه، للقيام بالإسعافات الأولية ، وإخلائهم من المكان، لكن قذيفة روسية ثانية قتلتهم جميعًا، وفي المحصلة قتل أمريكيين وكنديين وسويديين، من الأعضاء في الفيلق الدولي. وتكشف الرسائل المرسلة إلى جوليا من الجنود في وحدة يونغ، أنه كان يمكن تفادي مقتلهم لو لم يكن قائد الكتيبة متهورًا.

getty

جوليا ليست الشخص الوحيد الذي أثار تساؤلات حول الطريقة التي عومل بها بعض المقاتلين الأجانب في أوكرانيا، والمخاطر التي تعرضوا لها، حتى مع إدراكهم لتلك المخاطر. فقد تصدرت عناوين الصحف أخبار المتطوعين الأجانب الذين يغادرون أوكرانيا، بسبب سوء التنظيم ونقص المعدات والقادة المتهورون. 

لم يكن يونغ، آخر أمريكي يقتل في المعارك بأوكرانيا، فقد قتل أمريكي آخر ويدعى ترينت ديفيس، وهو من قدامى المحاربين في الجيش الأمريكي، خلال مهمة للفيلق الدولي قرب خيرسون، وديفيس كان على  عاشر أمريكي يقتل في القتال الدائر هناك.

وعلى الرغم من التقارير التي تتحدث عن الفوضى والاضطراب ، إلّا أن قوة وأهمية الفيلق الدولي نمت، على مدى أشهر الصراع، وأثبت أنه دوره مفيد جدًا من "الناحية التكتيكية والعملية" للجيش الأوكراني.

أحد أبرز المتطوعين في الفيلق، هو وزير الدفاع الجورجي السابق إيراكلي أوكرواشفيلي، الذي وصل مع مجموعة من المقاتلين إلى أوكرانيا، في الأيام الأولى للغزو، وساعدت وحدته في الدفاع عن العاصمة كييف

أمّا قيمتهم الأبرز في الحرب، فهي رمزية إلى حدٍّ كبير، ورغم الإنجازات الميدانية والتكتيكية التي تحصل من قبلهم، إلّا أن العدد المحدود لهم يشير إلى رمزيتهم أساسًا في هذه الحرب، ففي الوقت الذي تساهم فيه الدول الغربية بالأسلحة فقط، في محاولة لتجنب صراع كبير مع روسيا، هناك من يقرر الوصول إلى أرض المعركة والمشاركة فيها.