10-مارس-2016

فيروز على مسرح بعلبك سنة 1998(رمزي حيدر/أ.ف.ب)

نجح الفنّ اللبناني منذ بداياته في ترك بصمةٍ دامغةٍ في ذهن المستمع. برز الرحابنة كمصنعٍ لإنتاج عمالقة الفنّ كفيروز ووديع الصافي، لتلاقيهم مواهب أخرى صبّحت بصوتها وأفلامها على العالم العربي، كصباح ونصري شمس الدّين. لليوم، لا يزال الفنّ اللبناني ناجحًا وقادرًا على التّأقلم مع طلب السوق الأبرز، أي الإغراء والضخامة الإنتاجية.

سمحت مدرسة الرحابنة لكُثر بنيل الشهرة، لكنها حطّمت وأخفت مواهب عديدة كانت لافتة في زمانها وعيبها الوحيد هو غياب الإنتاج

معظم الأغاني اليوم يمكن وصفها بالمنفصلة عن الواقع وخاصة المطلوبة جماهيريًا بإلحاح، حتّى باتت سلعًا سهلة الترويج في عصر "الصّنمية السّلعية"، عصر تحوّلت فيه الأغنية كصوت، كلمات وكليب لصنمٍ بالنّسبة للمتلقّي، يتعامل معه كعنصرٍ ثابتٍ بواقعه اليومي، لعل هذا ما سمح لفنّانات الإغراء ومن خلفهن شركات الإنتاج بأن تحدّد نمط الفنّ السّائد أو الذي ساد في الأعوام العشرة الماضية، فنُّ يُشبه كلّ شيءٍ إلّا الطرب، فنّ إثارة، إغراء، تسليع، بهرجة، وتضخيم صُوري، يجعل من الفنّان أو الفنّانة، المؤدّي أو المؤدّية مجرّد كماليةٍ تُضاف للمشهد، ولولا الحاجة لظهوره كمكمّلٍ للمشهدية المطروحة، لكانت شركات الإنتاج أبعدته/أبعدتها عن الصّورة. 

اقرأ/ي أيضًا: الدراما اللبنانية.. جرائم ترتكب باسم الفن!

برز النّجم اللبناني في منتصف الأربعينيات وبداية الخمسينيات، مع موسيقيين بارزين كمحمّد فليفل، إضافةً إلى دعم الإذاعة اللبنانية للفنّ، وعلى رأسها المبدع حليم الرّومي، ليصدّر لبنان إلى العالم المنتج الذي تلاقى بتصديره مع مصر عبد الحليم وأم كلثوم.

مدرسة عاصي ومنصور الرّحباني تُعد من أهم المدارس العربية الفنّية إن لم تكن أهمّها، منها تخرّجت نهاد حدّاد، أو السّيدة فيروز كما نعرفها جميعًا، فيها بدأ نصري شمس الدّين ووديع الصّافي مشوارهم، لكن هذه المدرسة، تشبه "روتانا" التي عرفناها في الأعوام السّابقة، سمحت لكُثر بنيل الشّهرة، لكنها حطّمت وأخفت مواهب عديدة كانت لافتةً في زمانها، عيبها الوحيد هو غياب الإنتاج، لعل من أبرزهنّ الفنانات سلوى القطريب، التي ساندها الملحن روميو لحّود، وهيام يونس وغيرهنّ. الملحنون أيضًا نالوا نصيبهم من التّهميش الجزئي، كفيلمون وهبي، صاحب الموسوعات الغنائية اللبنانية الغنيّة، وزكي ناصيف، عملاق الأغنية الجبلية، كما الشّعبوي اللطيف، مروان محفوظ ومعه العظيم طوني حنّا.

اقرأ/ي أيضًا: "The voice".. حكم على مين؟!

تحوّل جزء من الفن اللبناني إلى منتدى تسيطر عليه الأجساد لا الأصوات

فن الغناء اللبناني تترجم إلى مسرحياتٍ كانت فيروز وصباح نجمتيها الأبرز، مسرحياتٍ وأفلام مثل بياع الخواتم، الليل والقنديل، جسر القمر، لولو، ميس الرّيم وغيرها. للبنان حصّته من المهرجانات أيضًا، مهرجاناتٌ اعتادت أن تستضيف كبار الفنّانين كماجدة الرّومي، ابنة حليم الرّومي، وفيروز إضافةً إلى العديد من الفنانين العرب والأجانب، ومهرجانات بيت الدّين، بعلبك وصور، كما مسرح البيكاديلي يشهدون بذلك.

بدأ الفنّ اللبناني يتجّه حصرًا نحو الإغراء في بدايات التّسعينيات، هذا لا يعني أنّه لم يكن موجودًا سابقًا فالتّاريخ اللبناني لا ينسَ جاكلين، أو دلع صباح، لكنّها كانت حالاتٍ محدودةً مربوطةٍ بفنٍ وأصواتٍ وكلماتٍ راقية، أما اليوم وبالمرحلة السّابقة القريبة، تحوّل الفن لمنتدى تسيطر عليه الأجساد لا الأصوات.

عصر هيفاء ودومينيك ودانا وغيرهن، هؤلاء حصدوا الملايين من الجماهير والدّولارات ومعهم شركات الإنتاج، بعد موجة التّدمير الممنهج لأذن وذوق المستمع، حتّى بتن سيّدات السّاحة دون منازع، ولو أن برامج المواهب الأخيرة وخرّيجيها إن استطاعوا الاستمرار، سيدقّون المسمار الأخير في نعش الفنّ الهابط، ويعيدون للطرب العربي بعضًا من بريقه، لعل وعسى، يعرف المؤدّي حجمه فلا نضطر نحن، المستمعين، إلى التّعامل مع المؤدّيات والرّاقصات، كمغنّيات، فالتأدية والرّقص نوعان من الفنون مختلفان تمامًا، عندها فقط، يمكننا العودة إلى "خمرة الحبّ" بدل أن "نبوس الواوا"، ونستردّ الحق بـ"المعاتبة بكلمة" بدلّ الدّلع، والـ"أخاصمك آه".

اقرأ/ي أيضًا:

فيروز و"الشّراع" المكسور والصحافي المغمور

عندما يغزو الدين معاهد الفنون الجميلة في لبنان..