15-مارس-2020

الفنان اليمني عبد الباسط عبسي

يوشك العقد السادس من عمر الفنان اليمني عبد الباسط عبسي على الانتهاء، وعلى الرغم من أنه توقف عن الغناء منذ سنوات بسبب المرض والشيخوخة إلا أن أغانيه التراثية والإنسانية التي جسّدت الحياة الريفية خلّدته في أذهان اليمنيين، خصوصًا أبناء المناطق الريفية، وما زالت ألحانه وكلماته يتردد صداها في مختلف المحافل اليمنية الثقافية والاجتماعية.

ينتمي عبد الباسط عبسي لجيل الفنانين القدامى، حيث ولد في العام 1956، في منطقة الحجرية، بقرية الاعبوس الجبلية الريفية الجميلة في محافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، كانت هي الوحي والملهم بالنسبة له، فمزج بين أحاسيسه وجمال الطبيعة بألحانه وكلماته الغزلية، وغنى للحياة الريفية وتناول حياة المزارعين وعشقهم وطريقة حبهم، وعلاقاتهم مع الأشجار والأمطار، ومشاكلهم الاجتماعية أيضًا.

الأغاني التراثية والإنسانية للفنان عبد الباسط عبسي التي جسّدت الحياة الريفية اليمنية خلّدته في أذهان اليمنيين

بعد أن اكتشف بعض زملائه موهبته الغنائية وهو لا يزال طفلًا قرّر أن ينمي موهبته، وعقب انتقاله إلى مدينة الحُديدة، غربي اليمن، بدأ بتعلم أصول العزف على آلة العود وممارسة الغناء في العام 1971، على يد أستاذه الفنان محمد بشر العبسي، ليصبح اليوم واحدًا من أبرز الوجوه الفنية اليمنية.

اقرأ/ي أيضًا: المعرض اليمني "جدار حر".. أعمال وأفكار بصرية جديدة

عقب عودته من الحُديدة مع معلمه، لم يكن عبسي يملك عودًا للغناء وأسرته فقيرة جدًا، لكنه أصر على والدته أن تشتري له عود، مهددًا إياها بأنه سيقدم على الانتحار إن تلبي طلبه.

نزعت والدته أقراص الذهب من أذنها، وباعتها لكي تشتري له عودًا لممارسة هوايته المفضلة، والانطلاق نحو مستقبله الذي كان ينشده منذ طفولته.

من أشهر أغانيه "مسعود هجر"، التي تحدث بها عن الغربة، وهي من كلمات الشاعر اليمني سلطان الصريمي، التي شرح مسلسل غربة البن الذي عرض في شهر رمضان الماضي قصتها، بالإضافة إلى "يا خضبان وردك"، و"مظلوم معك"، و"وا قمري غرّد"، و"أمرّ الكؤوس"، و"حسنك لعب بالعقول".

صوت المرأة والأرض

اتجه عبسي نحو الأرض والمزارعين، والمرأة على وجه الخصوص، وحاكى مظلوميتها ومعاناتها جراء العادات والتقاليد، والأعباء التي تتحملها، في ظل غياب زوجها في العمل في الحقول، فكانت المرأة في أغانيه رمزًا للوفاء والصبر، وقطب الرحى الذي تدور حوله الحياة الريفية، فتناولها في صورة المرأة المزارعة والراعية والزوجة والأم والحبيبة منها هذه الأغاني:

عروق الورد:

عــروق الــورد مُـسـتـني رعـودك

حنينك يـا مُــســقـي الزرع بإيدك

غصون البان تتمنى خدودك

برودك مـن حمى الدنيا برودك..

 

"باكر ذري"

بـــاكــــــر ذري تـــأزري وخــضراء

حِـسِــك تـلـيــمـي مـن عـيــون الـغدراء

أمـانــتــــك لا تـهــمــلـيــش الــغبراء

خـلـيـنـا نــفــرح بــالــذرة والـحمراء..

 

"وراعية غني وشلي بالدان":

وراعـــيــــه غــنـــي وشـــلــي بــالــــدان

مـا تــنــفــع الطاعة ولا الـتـمـسـكــان

وســلــمــي عـلـى نــقـــــم وشــمــســـان

ســــــلام دامــي مــن بــتــول مــهــتــان..

 

جملة من المشاكل التي تناولها عبسي في أغانيه، منها مشكلة الفقر وارتفاع المهور، وأيضا الغربة، بالإضافة إلى التسلط الذكوري على المرأة. منها أغنية مسعود هجر، التي جسد فيها الغربة، ومعاناة المرأة في ظل غياب زوجها.

وا عــمــتـي مــنــو شـقــول لـمــسـعـــود

بــعــــامــنـــا الاول رزقــنــــا مـــولـــود

مـسـعـود هـجـر خـلـف الـمـصـائــب

والـبـعـــد طـــال وزادت الــمتاعب..

جمع عبسي في أغانيه جميع الألوان اليمنية، وانتزع لأغانيه ألحانًا من الموروث الشعبي، ما جعله إحدى المدارس الفنية البارزة في اليمن، ومرجعًا فنيًا وتاريخيًا فإلى جانب كونه فنان يعد ذاكرة تراثية وفنية، لمراحل متعددة مرت بها اليمن، من الشمال إلى الجنوب.

كُرّم أكثر من مرّة، وحصل على عدد من الجوائز وشهادات التقدير، كان آخرها تكريمه من قبل مؤسسة بيسمنت الثقافية بصنعاء، مطلع العام الحالي، حيث أقامت المؤسسة فعالية احتفالية وفنية كرمته فيها بدرع بيسمنت تقديرًا لمسيرته الغنائية.

جمع عبد الباسط عبسي في أغانيه جميع الألوان اليمنية، وانتزع لأغانيه ألحانًا من الموروث الشعبي

يأمل محبي الفنان عبد الباسط عبسي، في سماع أعمال جديدة، لكنه يقول: "إن شاء الله سأتمكن من إنتاج أعمال قادمة لكن القليل"، ويضيف: "الشباب قد راح وذهب معه الحماس أيضًا".

اقرأ/ي أيضًا: محمد شرف.. الذكرى تنفع المُهمشين

لا يغادر عبسي منزله، فيبقى إلى جانب عوده، وفي حال كانت صحته جيدة، يُسمع أصدقاءه وزواره أغاني الزمن الجميل، في جلسة غنائية، لا تخلو من وجود نبتة القات.

اقرأ/ي أيضًا:

الفرقة اليمنية "Black'N White".. حوار محلي مع العالم

الراب في اليمن.. أصوات الشارع والحياة