12-يونيو-2016

أثناء عملية لقوات البحرية الأمريكية في الفلوجة آذار/مارس 2004 (أ.ف..ب)

الفلوجة، قضاء في محافظة الأنبار غربي العراق. سكانه جميعهم من السُنة. نسمتهم 100 ألف شخص. يُقال إنه "معقل الجهاديين السُنة بعد عام 2003 في العراق". القصة بدأت باستهداف عجلات القوات الأمريكية والشركات الأمنية العاملة فيها. وصولًا إلى معركتين كبيرتين بين مجاميع مسلحة والقوات الأمريكية عامي 2003-2004، ولم يتمكن الأمريكيون حينها من القضاء على المسلحين في المدينة.

القضاء بقى مُسيطرًا عليه من قبل المسلحين الإسلاميين، لتظهر بعد ذلك القاعدة ثم فصائل سُنية مسلحة أخرى مثل حماس العراق وجيش الراشدين والجيش الإسلامي وأنصار السُنة وغيرهم، وأخيرا داعش.

أبرز الذين تواجدوا في الفلوجة، القيادي في تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي. وتمثل الفلوجة بالنسبة للجهاديين معقلًا أساسيًا لنفوذهم وتحركاتهم في مدن عراقية أخرى، فهم مسيطرون عليها قبل سيطرتهم على مدينة الموصل التي سيطروا عليها في العاشر من حزيران/يونيو 2014.

دائمًا ما يُتهم قضاء الفلوجة بأنه معقل الإرهاب الذي يضرب البلاد، غير أنه دائم الشكوى من التهميش والعنصرية والعدائية في التعاطي مع أي من ملفاته أو ساكنيه من طرف بغداد

اقرأ/ي أيضًا: بعد 13 عامًا..التجنيد الإجباري يعود للعراق

بقي ذلك القضاء يرتبط بعلاقة غير إيجابية بالحكومات العراقية المتعاقبة منذ الغزو الأمريكي للعراق، فدائمًا ما يُتهم بأنه معقل الإرهاب الذي يضرب البلاد، غير أنه دائم الشكوى من التهميش والعنصرية والعدائية في التعاطي مع أي من ملفاته أو ساكنيه من طرف حكومات بغداد المتعاقبة منذ الاحتلال وحلفائها.

منذ أيام تشهد الفلوجة -المسيطر عليها من تنظيم "داعش" منذ عامين- تقدمًا للقوات الأمنية العراقية باتجاهها في محاولة معلنة لطرد التنظيم منها وإعادة السيطرة عليها. يشارك في هذه المعركة ما يقارب الـ35 ألف مقاتل، بين الجيش العراقي وقوات الشرطة الاتحادية وأفواج الطوارئ يرافقهم تواجد إشكالي لقوات من الحشد الشعبي، يناظرها تجمعات أخرى من الحشد العشائري.

تقدم بطيء للقوات العراقية باتجاه الفلوجة

تشهد معركة الفلوجة العراقية التي انطلقت في الثالث والعشرين من آيار/مايو الماضي تقدمًا بطيئًا من قبل القوات الأمنية العراقية، في وقت ما زال خمسون ألفًا من السكان المدنيين، بحسب الأمم المتحدة، تحت سيطرة تنظيم "داعش" داخل المدينة.

ما يعيق القوات الأمنية العراقية والقوات التي ترافقها في عملية استعادة السيطرة هذه، هي الأنفاق التي حفرها عناصر تنظيم "داعش" بالإضافة لذلك التفخيخ الذي يقول عنه مصدر في الجيش العراقي: "من صنع الآسيويين في التنظيم".

تشترك الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المعركة، بفريق من المستشارين والطيران الحربي. تقريبًا يستهدف هذا الطيران يوميًا معاقل التنظيم داخل الفلوجة وعلى حدودها، بالإضافة لمخازن الأسلحة والمتفجرات.

نظريًا، تبدو أوراق المعركة عسكريًا جميعها بيد القوات الحكومية العراقية والقوات المساندة لها. فهي التي تمتلك الطيران والقوات المتعددة التي تُحاصر الفلوجة، لكن ما يعيق حسم المعركة، بجوار خبرة التنظيم بالمدينة، هو وجود السكان المحاصرين داخل المدينة بين الجهتين المتحاربتين.

اقرأ/ي أيضًا: 16 حادثًا طائفيًا في مصر بعد الثورة

الفلوجة.. حيث تكون الانتهاكات لحقوق الإنسان

مطالبات كبيرة كانت قد خرجت قبل بدء معركة تحرير الفلوجة تطالب بضرورة عدم إشراك قوات الحشد الشعبي الموالية للحكومة العراقية في معركة الفلوجة، لكن القرارات الحكومية ذات التواصل المستمر مع واشنطن وطهران، انتهت بقرار مشاركة الحشد.

تلك المطالب كانت تتحدث عن احتمالية ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المدنيين في الفلوجة من قبل الحشد الشعبي، لكن هذا لم يحصل في الأيام الأولى في العلن. بعد ذلك بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بصور ومقاطع فيديو تصور الانتهاكات الفادحة من قبل الحشد الشعبي ضد مدنيين سُنة من سكان قضاء الفلوجة.

مخاوف كبيرة تحدثت قبل معركة الفلوجة عن أهمية ألا تتكرر أحداث محافظة صلاح الدين التي ارتكب فيها الحشد الشعبي انتهاكات لحقوق الإنسان بمستويات تكاد تكون غير مسبوقة على مستوى العراق كله، لكن مقابل هذا تصف الأصوات الشيعية الجهات التي تتحدث عن الانتهاكات بـ"الموالية لداعش"، متسترة وراء هذه التهمة وإشهارها في وجه كل من ينتقد أداء الحشد الشعبي أو أي من المليشيات المرؤوسة إيرانيًا، سواء في ميدان المعارك أو على مستوى الفظائع المرتكبة بحق سكان الفلوجة أسوة بأهالي تجمعات سنية أخرى كثيرة في العراق.

أظهرت مقاطع فيديو أشخاصًا يبدو أنهم تابعون للقوات الموالية للحكومة العراقية وهم يعتدون بالضرب على الرجال النازحين من الفلوجة، كما أن السلطات العراقية أفرجت في السابع من حزيران/يونيو 2016 عن 609 محتجز في منطقة الكرمة بمحافظة الأنبار لعدم ثبوت الأدلة ضدهم، اعتقلتهم بشكل عشوائي أثناء نزوحهم من الفلوجة، دون وجود أوامر قضائية. أربعة من هؤلاء توفوا بسبب التعذيب، واثنان آخران نقلا للمستشفى بسبب حالتهما الصحية المتدهورة، بينما حال الآخرين مأساوي إلى حد كبير.

وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين في بيان، إن "هناك تقارير محزنة للغاية وذات مصداقية عن تعرض رجال وصبية عراقيين لانتهاكات على أيدي الجماعات المسلحة التي تعمل مع قوات الأمن العراقية بعد الفرار من الفلوجة".

وأضاف أن "شهودًا وصفوا كيف تعتقل الجماعات المسلحة التي تدعم قوات الأمن العراقية الذكور لإخضاعهم لفحص أمني الذي يتحول في بعض الحالات إلى انتهاكات جسدية وأشكال أخرى من الانتهاكات لانتزاع اعترافات قسرًا".

رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي ركز أكثر من مرة على سلامة المدنيين، وشكل لجنة معنية بحقوق الإنسان لتشخيص أي خرق لتعليمات حماية المدنيين، لكن الذي استغرب منه الجميع، هو تصريح السفير الأمريكي في العراق ستيوارت جونز عن عدم وجود أي شيء يمكن أن "يؤكد وجود انتهاكات ب‍الفلوجة"، وهو ما يشير إلى الرغبة الأمريكية، في ألا يعيق حديث الانتهاكات، معركة الفلوجة التي تجيء لهم في المرتبة الأولى قبل أي شيء آخر في أواخر عهدة ساكن البيت الأبيض، وهنا مكمن خطورة التجاهل الدولي المتوقع لمصائر كثير وقعت وستقع بين أيدي رجال المليشيات الطائفية في ظل التعامي الأمريكي والتغطية المتعمدة لجرائم من فتح لهم الغزو الأمريكي باب العراق على مصارعه.

اقرأ/ي أيضًا:

مساع لإعادة مقاتلين في الحشد الشعبي لجؤوا لأوروبا

نواب سنة وكرد يخشون العودة إلى بغداد