1. عشوائيات
  2. مجتمع

الفلاحات المصريات.. معاناة لا تتوقف ونماذج مشرفة

19 مايو 2025
فلاحات مصريات
عدد العاملين في قطاع الزراعة في مصر نصفهم تقريبًا من النساء (وسائل التواصل الاجتماعي)
عماد عنانعماد عنان

مع فجر كل صباح تستيقظ أسماء مسرعة إلى الحقل، لمساعدة زوجها أيمن في أعمال الفلاحة، من أجل توفير أجرة عامل بعدما وصلت إلى أرقام لا يتحملها الزوج الستيني، وعند الظهيرة تعود إلى البيت لتناول طعام الغداء ثم تعود مرة أخرى قبيل العصر بدقائق معدودة للأرض لاستكمال أعمالها.

وعلى هذا المنوال قضت المرأة الأربعينية زهرة شبابها على مدار 12 عامًا من إجمالي 20 عامًا تزوجت خلالها، ما أفقدها صحتها وأصابها بالكثير من الأمراض، ورغم مناشدة الأطباء لها بالراحة التامة بعدما أصيبت بالغضروف، إلا أنها تٌصر على مساعدة زوجها لأجل تربية ابنتها الوحيدة وحتى تستطيع الوفاء بالتزامات زواجها حين يأتيها ابن الحلال.

تقول أسماء في حديثها لـ "الترا صوت" إن كثيرًا من جيرانها وأبناء قريتها القابعة في إحدى المناطق النائية بمحافظة الشرقية، يشاركن أزواجهن في أعمال الفلاحة، بل إن بعضهن يعول أسر بأكملها دون زوج أو عائل، منوهة أنها تتفوق في أعمال الزراعة عن الرجال وربما المهندسين، فهي تجيد كل شيء، زراعة وري وحصاد، ويلقبونها في قريتها بـ "نقيبة الفلاحات".

كشف تقرير حكومي رسمي أن عدد العاملين في قطاع الزراعة في مصر بلغ نحو 5.4 مليون فرد بنسبة تناهز خمس إجمالي أعداد المشتغلين بكافة القطاعات الاقتصادية، نصفهم تقريبًا من النساء

وتعد المرأة العاملة في القطاع الزراعي المصري نموذجا فريدًا من الصمود والثبات والتحدي، نساء قهرن الصعاب وتحدين المستحيل، ورفعن شعار "لا مجال للراحة"، فاستطعن أن يكن صنوًا للرجل وأحد أضلاع المنظومة الزراعية المصرية، ورافدًا لا يمكن الاستغناء عنه، ومقوم بناء لا نهضة بدونه.

غير أن هذا النجاح كان له ثمن غال، وكلفة باهظة، دفعتها الفلاحة المصرية من عرقها وصحتها، من شبابها وأنوثتها، من حاضرها ومستقبلها، ورغم ذلك لم تحظ بالدعم الكاف، ولا التقدير المستحق، فعانت أشد معاناة، وتحملت ما لا يتحمله الرجال، مضحية بالكثير من الخصوصية لأجل المصلحة العامة، مصلحة أبنائها وأسرتها في صورتها الضيقة، ومصلحة بلدها ووطنها بشكل أعمّ وأكثر شمولية.

2.5 مليون امرأة تعمل في القطاع الزراعي

كشف تقرير حكومي رسمي أن عدد العاملين في قطاع الزراعة في مصر بلغ نحو 5.4 مليون فرد بنسبة تناهز خمس إجمالي أعداد المشتغلين بكافة القطاعات الاقتصادية، نصفهم تقريبًا من النساء، أي أن أكثر من مليوني ونصف امرأة مصرية يعملن في المجال الزراعي بشكل دائم، علاوة على العاملات بشكل مؤقت وموسمي.

هذه النسبة ربما تكون أكثر حساسية حين يٌضاف لها نتاج التعداد بمصر والذي كشف عن أن 30.2% من الأسر المصرية تعولها امرأة، وأن 58.3% منهن أميّات، و89.9% منهم مشتغلات، وبحسب تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن معدل البطالة بين النساء أربعة أضعاف المعدل بين الرجال عام 2010.

الوضع يزداد تفاقمًا مع ارتفاع معدلات الفقر والتي وصلت إلى 29.7% بين عامي 2019 و2020، أي قرابة 30 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر المحدد بأقل من دولار يوميًا، هذه النسب المرتفعة دفعت الكثير من النساء إلى طرق أبواب العمل، أيًا كانت طبيعته وصعوبته، وفي الأقاليم والأرياف حيث ندرة الفرص، لا تجد المرأة هناك أفضل من الأرض الزراعية لتذهب إليها للعمل حتى لو تعارض ذلك مع طبيعتها الأنثوية وتكوينها الجسدي.

معاناة يومية

هناك ثلاثة أشكال مختلفة لعمل المرأة في المجال الزراعي في مصر، أولها أن تعمل في أرضها المملوكة لها أو لزوجها، أو تعمل لدى الغير بنظام "الزمال" وهو ما يعني أن تعمل المرأة لدى أراضي الغير من الأهالي المعروفين لديها دون مقابل مادي، على أن يُرد هذا اليوم لديها من قبل أي من أصحاب تلك الأراضي حين تحتاج إليهم في أرضها الخاصة.

أما النظام الثالث وهو الأكثر شيوعًا فهو نظام العمل نظير أجر مادي، وهو نوعان، الأول العمل الأهلي، أي أن يُطلب من المرأة أن تعمل لدى أخرين مقابل أجرة يومية يتم تحديدها مسبقًا، أما النظام الثاني فهو العمل عند "مقاول أنفار" وهو شخص يتجمع لديه العشرات من العاملات والعاملين ثم يقوم بتوزيعهم على الأراضي الزراعية نظير رسوم يتقاضاها من صاحب الأرض على كل شخص.

تقول أم علي إنها تخرج من بيتها في تمام الساعة الخامسة فجرًا، حاملة بيدها خرقة بها بعض الطعام وطاقم العمل الخاص بها، ثم تتوجه حيث مكان التجمع عند عم محمود وهو مقاول الأنفار الذي يلتقي عنده كل العاملين، رجال ونساء، وأصحاب الأراضي ممن يذهبون إليه للحصول على خدمات المزارعين للعمل لديهم في أراضيهم.

تقف المرأة التي لم يتجاوز عمرها 45 عامًا في طابور طويل في انتظار أن يقع الاختيار عليها، إما من مقاول الأنفار أو صاحب الأرض، وما أن يٌشار إليها حتى تركب سيارة نصف نقل، بها ما يزيد عن 30 عامل وعاملة، مما يعرضهن للخطر، وكثير ما يسقط بعضهن بسبب السرعة وسوء الطرق والعربات غير المؤهلة.

وعلى مدار اليوم وتحت أشعة الشمس الحارقة وطيلة أكثر من 9 ساعات وربما يزيد لا تخرج أم علي من الأرض، محنية الرأس والظهر معًا، تارة تجمع القطن وأخرى تزرع الأرز وثالثة تلتقط الحشائش من بين المحصول، حتى أصيبت بالغضروف من المستوى المقلق، لكن رغم ذلك أبت إلا أن تُكمل مسيرتها حتى ينتهي ولداها، علي وأحمد، من مراحل التعليم المختلفة، خاصة بعد وفاة والدهما قبل 3 سنوات.

لم تكن أم علي الحالة الوحيدة، فمثلها عشرات الالاف من النساء العاملات في الحقل الزراعي، ممن يدفعن الثمن مقدمًا، معاناة لا تتوقف، وأنين لا يصمت، ومشقة لا يتحملها إلا من لديه نفس طويل وإصرار ممنهج على الاستمرار، فما خلفهن من مسؤوليات جسام لا يمنحهن رفاهية الاختيار أو التفكير.

وفي دراستها المعنونة بـ "العاملات الزراعيات.. حقوق ضائعة" كشفت الباحثة في الدراسات الاجتماعية، منى عزت، صور المعاناة التي تتعرض لها الفلاحات في الأراضي الزراعية، من وسائل نقل غير آمنة تعرض حياتهن للخطر، وعدم وجود تعويض مناسب لمن تتعرض منهن لأي إصابة عمل، وغيرها من الانتهاكات التي تحول حياتهن جحيمًا.

 ثغرة قانونية

مما يزيد من معاناة المزارعات المصريات عدم وجود قانون يحميهن إذا ما تعرضن لأي مخاطر، حيث استثنى قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003 النساء العاملات في الزراعة البحتة من فصله المتعلق بتشغيل النساء، ما يعني أنه لا يعترف بهن من الأساس، كما جاء في نص المادة 97 من القانون التي تقول "يستثنى من تطبيق أحكام هذا الفصل العاملات في الزراعة البحتة".

المعنيين بالشأن الحقوقي العمالي يبررون للمشرع هذه الثغرة بالإشارة إلى أن المتعارف عليه أن عمل المرأة في الأراضي الزراعية في الأرياف إنما يأتي من قبيل مساعدة الزوج مثلها من الأعمال المنزلية، لكنها ليست مهنة مستقلة، تخضع لقانون العمل، وعليه تم استثنائها، غير أن هذه السقطة لابد وأن يعاد النظر فيها بعدما وصل عدد الفلاحات أكثر من 2.5 مليون سيدة، وذلك من باب المساواة بين النساء والرجال.

كلمات مفتاحية
الحفريات في المغرب

"طفرة" الحفريات الأثرية في المغرب.. مرحلة جديدة من الوعي الأركيولوجي

يكثّف علماء الآثار والباحثين المغاربة الحفريات الأثرية في مواقع متعددة على مستوى التراب المغربي، في خطوة تعكس حركية أكاديمية نوعية حول التراث المغربي بشقيه المادي واللامادي

اليمن

الأمم المتحدة: اليمن على حافة المجاعة وقطاعه الصحي ينهار

أكّدت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جويس مسويا أن حوالي 17 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد

استلام المساعدات

بين الجوع والرصاص: الغزيون عالقون في متاهة الإغاثة المسلّحة

فيما يواجه أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة خطر المجاعة والانهيار الكامل للبنية الإنسانية، تحوّل الحصول على المساعدات إلى رحلة محفوفة بالموت والإهانة، تشبه في ملامحها "ألعاب الجوع" كما وصفها مسؤول أممي

هارفارد
تكنولوجيا

هارفارد تتيح أكثر من مليون كتاب لخدمة الذكاء الاصطناعي

ثمة تحديات تتضمن وجود معلومات غير دقيقة ضمن هذه الكتب والنصوص التي تحتوي على نظرات استعمارية أو علمية عفا عليها الزمن

آبل
تكنولوجيا

لحماية الأطفال.. آبل تضيف ميزة "موافقة الأبوين" على المراسلة

إذا حاول الطفل أن يرسل رسالة إلى شخص غير مدرج ضمن الأسماء المعتمَدة عند الأبوين، يصل على الفور تنبيه إلى تطبيق "الرسائل" عند الأبوين للتصديق على هذا التواصل أو رفضه

كرة القدم
رياضة

متى تصبح مغادرتك لفريقك خيانة؟

تتعقّد الأمور عندما يخرج لاعب محبوب من الجماهير من فريقه بشكلٍ يراه البعض خيانة، دون أن يضعوا في الاعتبار أن بعض اللاعبين يُعاملون هذه الرياضة كعملٍ بدوامٍ كامل

الصين
رياضة

لماذا تفشل قوة عظمى كالصين في لعبة كرة القدم؟

تتداخل أسباب الفشل في كرة القدم الصينية بين تدخل السلطات والنمطية والنفوذ والفساد، بالإضافة إلى الخوف على المستقبل والنطاق التلقيني في التنشئة