15-فبراير-2017

لقطة من الفيلم

تغرق الطبيبة جيني دايفان في عقدة ذنب، بدأت تحركها وتتحكم بسلوكها، ويغرق معها فيلم الأخوين البلجيكيين جان بيير ولوك داردين، لا بنمطية الأحداث في الحياة اليومية فحسب بل بإيقاعها وطريقة تطورها، هذا ما يجعل من فيلمهما الأخير "الفتاة المجهولة" 2016 واحدًا من مجموعة أفلام واقعية، كانوا قد احترفوا صنعها. حيث لا جديد في ذلك النمط الذي يصل بك تمامًا إلى العاديّة، في تراكم الإيقاع وتتابعه، مبدئيًا لا مانع من ذلك لطالما كانت هناك عناصر داردين التي اعتدنا عليها منذ أفلامهما الأولى، روزيتا، الطفل وآخرها وأهمها، يومان وليلة.

لطالما كانت هناك عناصر الأخوين "داردين" التي اعتدنا عليها منذ أفلامهما الأولى، روزيتا، الطفل وآخرها، يومان وليلة

الرحلة هي إحدى العتبات وما تجمع عليه نظرية الأخوين السينمائيين الواقعية التي تقود معها البطل لمواجهة أشكال مختلفة من الشخوص والتجارب. اختبرا معًا عبر تلك القصص الاجتماعية، الواقعية المفرطة، وعلى منوال مشابه، تجد الطبيبة نفسها في رحلة البحث عن حقائق ومعلومات، كما كانت ماريون كوتيار في الفيلم الأسبق "يومان وليلة" تبحث وتصر وتحاول إقناع زملائها بمساعدتها للحفاظ على العمل، تخطو الطبيبة خطوات الإقناع والبحث ذاتها، تلاحقها الكاميرا أينما ذهبت وبكل البيوت التي دخلت إليها، يتحول كل ما يجري أمامها نحو هدفٍ واحد ولغاية واحدة، فيصير كل الفيلم سائرًا بالاتجاه نفسه.

اقرأ/ي أيضًا: 10 أفلام تستحق المشاهدة من مهرجان صندانس السينمائي

بروفايل البطلة في افتتاحية الفيلم، في عيادتها تفحص أحد المرضى، ومعها المتدرب جوليان، تجعل منها نصف حكاية، نصف شخصية، لا نعرف عنها الكثير، الطبيبة الملتزمة بعملها، والشاب المتدرب عندها، وخلال أحد الأيام بعد انتهاء الدوام، يبدو أن المتدرب ليس على خير حال، بعد القليل من الملاحظات من الطبيبة المجتهدة في كيفية تحكيم العقل على العاطفة في مهنة حساسة كالطب، يرن جرس الباب لا تفتح الطبيبة لأن من يدق الباب بعد نهاية الدوام لا يبالي بتعبك وراحتك.

يُترك الموضوع ليلة واحدة حتى يلتقي محقق مع الطبيبة بغرض مشاهدة شريط الفيديو الذي سجلته الكاميرا المركبة في مدخل الباب، وذلك بسبب وقوع جريمة قتل في الجوار، لتعرف من بعدها بأن الفتاة المقتولة هي التي كانت تدق الباب مستجيرةً بالطبيبة بعد انتهاء الدوام.

من لحظة التعرف هذه يبدأ الخلط بين العاطفي والعقلي، اليومي والبوليسي، العام والخاص، والكثير من المفارقات التي تتكشف تباعًا، وتصبح جيني أكثر من طبيبة تتابع موضوع الجريمة وتلاحق مريضًا عندها وعائلته، تعرض صورة الفتاة التي تحملها في تلفونها على كل شخص تشك بأنه يعرفها أو يمكن أن يكون قد التقى بها من قبل.

هاجس معرفة الاسم لإخبار أهل الفتاة بما جرى لها، ولدفنها بشكلٍ آخر يصيب حياة الطبيبة ويومياتها. وما يجعلها معرضةً لأن تكون محط ملاحقة لكل المتورطين.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "حريق في البحر".. مزيج من الحالات الإنسانية

تتجمع بعض العناصر في الفيلم لتشكل مع بعضها بعدًا صوتيًا يخدم فكرة البحث عن الحقيقة بهدف الإخبار، والضغط الذي بدأ يوجه للطبيبة لتصمت وتكف عن البحث، هذه المزامنة بين المعرفة وضدها، جعلت من رنين الهاتف وجرس الباب، مفصلًا أساسيًا تمر عبره الأحداث، بمعنى أن كل شيء جديد يمر عبر ذلك الجرس، كما لم تمر من خلاله الفتاة، كتفصيل حاضر يسد حاجة الإبلاغ والتعريف عن الشيء.

بعيدًا عن حرارة الصورة السينمائية، يبدو فيلم "الفتاة المجهولة" وثيقة اجتماعية، كما يمكن لها أن تكون محاكمة للشخوص والظرف

إلى جانب كل ذلك يُغرق الأخوان عالم الطبيبة بالمصادفات والتفاصيل، والتي تغلب في أحيانٍ كثيرة على برودة حال الشخصية، في الواقع من يقوم بمهمة مشابهة لمهمتها، لا يبدو عليه تلك البرودة بالمحاكمة والمتابعة، وهنا يبدو أثر التفاصيل جليًّا، ترافق الطبيبة وتوصلها إلى معرفة مرتكب الجريمة والمتستر عليه، إلاّ أنها لم تخرج من نطاق أمكنة معينة كانت قد قصدتها جيني سائلةً عن من يعرف الفتاة التي تحمل صورتها معها.

بعيدًا كل البعد عن حرارة الصورة السينمائية، يبدو "الفتاة المجهولة" وثيقة اجتماعية، كما يمكن لها أن تكون محاكمة للشخوص والظرف، وكل مؤثرٍ في مصائر أبطال عاديين، وضعوا في مواجهة بعضها البعض. كما خرج الفيلم من توقعات المترقبين له خلال عرضه في مهرجان كان العام الفائت.

اقرأ/ي أيضًا:
نسخة جديدة من فيلم "سكارفيس" يخرجها الأخوان كوين
فيلم "the dark knight".. الجوكر ومنطق الفوضى