تنحصر المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى حدّ كبير في محورين رئيسيين: محور الفاشر، ومحور أم درمان في العاصمة الخرطوم. وبينما تبدو مواجهات أم درمان محسومة إلى حدّ بعيد لصالح الجيش، فإنّ الوضع في الفاشر يظل أكثر تعقيدًا وضراوة، نظرًا للأهمية الاستراتيجية التي تمثلها المدينة لكلّ من الجيش وقوات الدعم السريع. إذ إنّ سيطرة الأخيرة على الفاشر من شأنها أن تمهّد لوضع انفصالي جديد في إقليم دارفور، في حين أن نجاح الجيش في فك الحصار عنها قد يسهم في تقويض أي مخططات انفصالية، ويمهّد لاستعادة السيطرة على باقي ولايات الإقليم غربي السودان.
وفي هذا السياق، أعلن الجيش السوداني اليوم الخميس مقتل 60 عنصرًا من قوات الدعم السريع، خلال تصدّيه لهجوم كبير شنّته الأخيرة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
وجاء في بيان للفرقة السادسة مشاة أنّ "قوات الجيش والقوات المساندة تمكنت من صدّ هجوم عنيف نفذته عناصر الميليشيا، بعد محاولتها التسلل باتجاه المحور الجنوبي الغربي للمدينة، يوم الأربعاء".
مقتل 60 عنصرا من قوات الدعم السريع في هجوم شنته على الفاشر وصدّته قوات الجيش السوداني
وأفاد البيان أن حصيلة المواجهات تمثّلت في مقتل 60 من عناصر ميليشيا الدعم السريع وإصابة 52 آخرين، فيما فرّ بقية المهاجمين تاركين خلفهم القتلى والجرحى.
وأضاف البيان أن قوات الدعم السريع قصفت مدينة الفاشر مدفعيًا بشكل متقطع، ما أسفر عن استشهاد خمسة مدنيين وإصابة 40 آخرين، بينهم نساء تعرّضن لإصابات خطيرة.
كيكل إلى الفاشر
تصاعدت مؤخرًا الدعوات في الفاشر لتدخل الجيش وفك الحصار المفروض على المدينة، لا سيما بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مخيم للنازحين وتكثيف هجماتها. استجابةً لتلك المطالب، أعلن قائد "قوات درع السودان"، أبو عاقلة كيكل، المتحالف مع الجيش، يوم الأربعاء، عزمه قيادة "آلاف المقاتلين لفك حصار الفاشر وإنهاء معاناة المواطنين".
جاء ذلك خلال خطاب جماهيري ألقاه في محلية أم القرى بولاية الجزيرة، قال فيه: "رسالتنا إلى الجنجويد وآل دقلو: عيونكم لن ترى النوم بعد اليوم. سنتوجّه إلى الفاشر لفكّ الحصار عنها، وإن قدّمنا أرواحنا فداءً لذلك".
ويُذكر أن كيكل، الذي انشق عن قوات الدعم السريع، أكد استعداد قواته للاندماج في الجيش السوداني، واصفًا هذا الخيار بأنه "لا رجعة عنه"، في موقف يعكس رفضًا عامًا داخل المجتمع السوداني لتكرار تجربة "قوة منفصلة" على غرار قوات الدعم السريع.
وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع تصعيد قوات الدعم السريع لهجماتها على مدينة الفاشر وسيطرتها على مخيم زمزم للنازحين، في مواجهات دامية خلّفت نحو 400 قتيل وتسبّبت بنزوح عشرات الآلاف نحو الفاشر ومناطق أخرى في الإقليم.
يُشار إلى أن المدينة تشهد، منذ 10 أيار/مايو، مواجهات عنيفة بين الجيش والدعم السريع، وسط تحذيرات دولية من كارثة إنسانية تهدّد الفاشر، التي تُعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
المواجهات في أم درمان
في المقابل، تواصل قوات الدعم السريع تنفيذ ضربات انتقامية في أم درمان، محاولةً عرقلة تقدم الجيش نحو الريف الجنوبي، الذي يُعتبر آخر معاقلها في العاصمة الخرطوم.
ونقل موقع "الترا سودان" عن مصدر عسكري أن الدعم السريع واصل، صباح الخميس 24 نيسان/أبريل 2025، قصف منطقة الفتيحاب بالمدفعية الثقيلة، لإجبار الجيش على التراجع، بعد تقدّمه باتجاه منطقة الصالحة.
ولم تُعرف بعد حصيلة الخسائر بين المدنيين، إلا أن القصف المتواصل منذ أسبوع أسفر عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، في ظل عجز الجهات المعنية عن تأمين المناطق السكنية القريبة من خطوط النار.
تعتمد قوات الدعم السريع على القصف العشوائي في مهاجمة أحياء مأهولة بالسكان في أم درمان
تُواصل قوات الدعم السريع، وفقًا لبيانات الجيش السوداني، اعتماد سياسة القصف العشوائي على المناطق المأهولة بالسكان، ما يعزز الروايات التي تؤكد أن هذه الضربات ذات طابع انتقامي بالدرجة الأولى، ردًا على خسارة الخرطوم، ومحاولة لإثبات حضورها القتالي في الميدان أمام السكان.
لكن المصدر العسكري الذي تحدث لموقع "الترا سودان" شدد على أن "عملية تطهير الخرطوم وإعلانها خالية من التمرد باتت قريبة، بعد استكمال السيطرة على غرب أم درمان بشكل كامل".
يُذكر أن المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع اندلعت منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، وأسفرت عن أكثر من 20 ألف قتيل، ونزوح نحو 15 مليون شخص، بحسب تقديرات أممية، فيما تشير تقديرات أميركية إلى أن عدد القتلى قد يتجاوز 130 ألفًا.
أما خارطة السيطرة، فتشير إلى أن الجيش يفرض نفوذه على 11 ولاية من أصل 17، في حين تسيطر قوات الدعم السريع على أربع ولايات في دارفور، بالإضافة إلى أجزاء من ولايات شمال كردفان، وغرب كردفان، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.