16-يوليو-2016

Photo by Binnur Ege Gurun/Anadolu Agency/Getty Images

خرجوا رافعين أعلام بلادهم ونحن رفعنا صور زعيمهم. خرجوا منادين بالحفاظ على الدولة وزعقنا بالحفاظ على زعيمهم. دعموا منصب الرئيس ضد انقلاب العسكر ودعمنا الزعيم الإله. رأوا في فوز رئيسهم ضمانة لاستقرار البلاد والدولة ورأينا فيه انتصارًا له كزعيم للأمة الإسلامية. تشاتمنا كرمًا للزعيم حد القرف والتشبيح الأسدي الذي لم نتطهر منه، وهم تضامنوا حتى بأعتى معارضيهم للرئيس مع أمان بلدهم. انتهزنا ما حدث في دولة أخرى لنعلن عن ميلاد شبيحة كشبيحة الأسد .. وأصبح لأردوغان شبيحة من السوريين لا يقلون شراسة عن شبيحة الأسد.

الفرق بيننا وبينهم أنهم خرجوا رافعين أعلام بلادهم ونحن رفعنا صور زعيمهم. خرجوا منادين بالحفاظ على الدولة وزعقنا بالحفاظ على زعيمهم

عرفنا أن:

عبادة الزعيم الفرد الواحد الأوحد مغروسة بالجينات، وستبقى هذه الشعوب ما ظلت ذليلةٌ تبحثُ عن زعيم تطأطئ له رؤوسها كالأغنام. تذكرنا حالة عبادة الزعيم القميئة هذه؛ بتلك المظاهرات العربية المليونية لاسيما في سوريا ومصر؛ التي خرجت بعد هزيمة حزيران النكراء مطالبة زعيم الأمة جمال عبد الناصر بالتراجع عن قرار استقالته. لقد كان الزعيم العروبي يعرف جيدًا كيف يجيش عواطف الأمة ومشاعرها المهترئة. وتمكن بفضل خبرته -كأي دكتاتور ساعدته الجماهير القطيعية على فرض سلطته وسطوته- أن يدفعهم كالسيل العارم مطالبين "الريس" بألا يستقيل، وكأي دكتاتور كان على الأغلب يتلذذ في قصره الرئاسي بتوسلات القطيع الذي لا يرى في "رئيس الجمهورية" إلا راعيًا يحميه ولو استجلب ذئاب الأرض إليه لتلتهمه.

لنتذكر كيف وجه الزعيم رجب الطيب أردوغان نداء للشعب التركي كي ينزل إلى الشارع لا ليحميه بل ليواجه دبابات الانقلاب التي تستهدف إرث الجمهورية وديمقراطية الانتخابات؛ فعلها الشعب لأنه لا مصلحة له بحكم العسكر متذكرًا فقر الثمانينيات الذي أوقعه به انقلاب العسكر.

اقرأ/ي أيضًا: البسطار الكبير.. هل سيسقط العسكر؟

لنتذكر أن المعارضة التركية بكل تبايناتها القومية والدينية والفكرية كانت أول من خرج بموقف صريح وواضح برفض الانقلاب؛ يحكمهم في ذلك عدة عوامل أهمها تيقنهم من عدم جدية الانقلاب، إضافة إلى أن الانقلاب قام به، على الأغلب، فصيل في الجيش يتبع الداعية الإسلامي فتح الله غولن، عدو أردوغان اللدود، وهو ليس محل إجماع المعارضة التركية. والأهم أن حكم العسكر سيقضي على إرث العمل الحزبي والسياسي النشط في تركيا.

عبادة الزعيم أردوغان من قبل بعض السوريين بهذا الشكل المخزي لا يحترم نضال الشعب السوري للتخلص من الدكتاتور وإرثه المقيت

أما السوريين فقد تشظوا كعادتهم في أي صراع أو اختلاف؛ بعضهم أعلن عن دعمه خوفًا على مصير اللاجئين السوريين في تركيا، الباحثين عن وطن يحميهم بعد تخلي المجتمع الدولي عنهم؛ والأكثرية من هذا التيار وهو "إخونجية سوريا" راحوا يدعمون أردوغان بتشبيح لا يقل ضراوة وبشاعة عن منحبكجية الأسد.

وفي وقت خرج الأتراك فيه بعد استنجاد أردوغان بهم للدفاع عن مكتسباتهم التي حصلوا عليها بصناديق الاقتراع لا عن أردوغان؛ قام بعض السوريين بممارسة مظاهر التسبيح والتشبيح بحمد أردوغان، لا بل خرج البعض بمواقف تنادي باستحقاقية أردوغان لأن يكون "زعيم الأمة الإسلامية".

بالتأكيد أردوغان زعيم أمة ويتصرف بحنكة منقطعة النظير؛ لكنه أيضًا في مخيال بعض السوريين المرضى زعيم على طريقته المخزية. يا للأسف هو بكل جلاء زعيم لـ"الأمة الإسلامية السورية"؛ وليس زعيم بكل تأكيد لـ"الأمة الإسلامية" جمعاء لأنه ليس محل إجماع بين المسلمين جميعًا على هذا المنصب إلا بين "إخوان سوريا" وربما "إخوان مصر" أيضًا.

عبادة الزعيم أردوغان من قبل بعض السوريين بهذا الشكل المخزي لا يحترم نضال الشعب السوري للتخلص من الدكتاتور وإرثه المقيت؛ هو أمر يؤكد أن الدكتاتور معشش في قلوبهم التي ترعى بداخلها "أسدًا" صغيرًا يكبر ويلتهم كل من يخالفه الرأي عند أول تماس مع شخصه المقدس؛ لا بل لا يتوانى عن سحق خصمه من السوريين والتهامه حتى. لذلك وغيره سيحيا الزعيم عندنا أبدًا ويموت الشعب دومًا.

اقرأ/ي أيضًا:

الليلة الكاشفة.. تركيا في الإعلام العربي

الإثارة الانقلابية التركية