27-أبريل-2025
الكاردينال فريدولين أمبونغو بيسونغو

(Getty) الكاردينال فريدولين أمبونغو بيسونغو يغادر بعد القداس البابوي في مطار ندولو في كينشاسا

يشهد الدور الإفريقي في الكنيسة الكاثوليكية تحولًا غير مسبوق، مع ارتفاع عدد الكاثوليك الأفارقة وتزايد حضورهم في هيئات صنع القرار الديني. وبينما يترقب العالم تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة السيستين في الفاتيكان، تبدو إفريقيا مرشحة لأن تكون في قلب التغيير الكنسي، وسط توقعات تاريخية بإمكانية انتخاب أول بابا إفريقي في العصر الحديث، في خضم صراع بين التيارين التقدمي والمحافظ.

واحد من كل خمسة كاثوليك يعيش في القارة الإفريقية

تربط صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في تقرير لها بين علاقة البابا فرنسيس بالقارة الإفريقية وزياراته المتكررة إلى دولها خلال فترة بابويته التي امتدت 12 عامًا، والتي شهدت تعيينه عددًا من كبار أساقفة إفريقيا ككرادلة، ليشاركوا لاحقًا في المجمع السري الذي سيختار زعيمًا روحيًا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية ويحدد ملامح مستقبلها.

ووفقًا لإحصائيات الفاتيكان التي أوردتها الصحيفة الأميركية، ارتفع عدد الكاثوليك الأفارقة من نحو 176 مليونًا إلى 281 مليونًا خلال سنوات حبريّة البابا فرنسيس، في وقت شهدت فيه الكنيسة الكاثوليكية انخفاضًا في نسبة المشاركة بالقداسات بمختلف أنحاء العالم. وأضافت الصحيفة أن واحدًا من كل خمسة كاثوليك على مستوى العالم يعيش اليوم في القارة الإفريقية.

تبدو إفريقيا مرشحة لأن تكون في قلب التغيير الكنسي، وسط توقعات تاريخية بإمكانية انتخاب أول بابا إفريقي في العصر الحديث، في خضم صراع بين التيارين التقدمي والمحافظ

في الوقت الراهن، تتصدّر الكونغو الديمقراطية عدد المعمدين الكاثوليك عالميًا بنحو 55 مليونًا، تليها نيجيريا بنحو 35 مليونًا، بحسب "واشنطن بوست"، مشيرةً إلى أن بيانات الفاتيكان بيّنت أن إفريقيا وآسيا هما المنطقتان الوحيدتان اللتان تشهدان زيادة في أعداد الكهنة.

وأضافت الصحيفة الأميركية أن تجسيدًا لهذه التحولات الديمغرافية، عمل البابا فرنسيس خلال فترة حبريته على تعيين مجموعة متنوعة من الكرادلة، إذ يضم المجمع الانتخابي المقبل 18 كاردينالًا إفريقيًا من أصل 135 كاردينالًا من مختلف أنحاء العالم، مما يعزز التوقعات بانتخاب بابا من إفريقيا لأول مرة في التاريخ الحديث للكنيسة الكاثوليكية

لم تعد مجرد علاقة من طرف واحد

يرى قسيس إحدى الرعايا في شمال غرب نيجيريا، الأب ستيفن أنايدو، أن القارة الإفريقية أصبحت "الآن أمل الكنيسة"، لافتًا إلى أن "بذور الإيمان تنمو هنا أكثر بكثير مما هو عليه الحال في العالم الغربي"، وتابع مضيفًا أنه "في السابق، كان المبشرون البيض يأتون إلينا لتعليمنا الدين، أما اليوم.. فالأفارقة هم من سينشرون الإنجيل حول العالم".

من جانبه، ينظر جونستون كيبيلاكا (25 عامًا)، وهو شاب مسيحي ملتزم من مدينة جوس النيجيرية، إلى الشباب الأفارقة باعتبارهم "مستقبل الكنيسة"، موضحًا أن مئات النيجيريين يجتمعون يوميًا عبر منصة "إكس" للصلاة المشتركة وتلاوة المسبحة الوردية. كما أنه يستشهد بدراسة أجرتها جامعة جورجتاون تُفيد بأن 94% من الكاثوليك النيجيريين يحضرون القداس مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا.

وقال كيبيلاكا لصحيفة "واشنطن بوست": "هذا هو الاتجاه الذي تسلكه الكنيسة"، مضيفًا أن "العلاقة أصبحت متبادلة حيث تساهم إفريقيا روحيًا وفكريًا ونبويًا"، ومؤكدًا في الوقت نفسه أنها "لم تعد مجرد علاقة من طرف واحد تتلقى فيها إفريقيا الدعم".

خلّف إرثًا من الالتزام تجاه إفريقيا

وفقًا لموقع "فاتيكان نيوز"، زار البابا فرنسيس القارة الإفريقية تسع مرات خلال فترة حبريته، حيث تحدث صراحةً عن الإرث الاستعماري الذي دمر القارة، ودافع عن حقوق المهاجرين الأفارقة، وسعى لإبرام اتفاقيات سلام في الدول التي تشهد نزاعات مثل جنوب السودان، مخلفًا إرثًا من الالتزام تجاه سعي إفريقيا نحو السلام والعدالة الاجتماعية والتنمية المتكاملة.

وأوضح الموقع الإخباري أن البابا فرنسيس دعم العديد من القضايا الاجتماعية التي غالبًا ما كانت مهمشة عبر وسائل الإعلام الرئيسية، مشيرًا إلى أن أول رحلة بابوية له خارج روما كانت إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في تموز/يوليو 2013، حيثُ لقي العديد من المهاجرين الأفارقة مصرعهم إثر غرق سفينة في البحر الأبيض المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا.

وأضاف "فاتيكان نيوز" أن هذه الزيارة، وغيرها من المحطات الأخرى، جاءت لتذكير العالم بالقصص الإنسانية الكامنة خلف الإحصاءات، مؤكدًا أن البابا فرنسيس كان مدافعًا بارزًا عن حقوق الإنسان والفئات الأكثر هشاشة، لا سيما خلال جائحة كوفيد-19، حين دعا إلى توزيع عادل للقاحات وإلى "روح المسؤولية العالمية"، لضمان عدم استبعاد إفريقيا والدول النامية من جهود التصدي للجائحة.

محاولات لانتخاب أول بابا إفريقي للفاتيكان في التاريخ الحديث

هذا الإرث الذي تركه البابا فرنسيس يدفع الكرادلة الأفارقة إلى توقّع انتخاب البابا الجديد من القارة الإفريقية. ويعتبر القس الكاثوليكي من أبيدجان، تشارلز يابي، أن "وجود بابا أسود من شأنه أن يُنعش الإيمان المسيحي في إفريقيا ويغيّر نظرة الناس إليها، من خلال إظهار أن بإمكان إفريقي تولي هذا المنصب"، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز".

ووفقًا لـ"رويترز"، يستشهد باحثون في تاريخ الكنيسة الأولى بأدلة تشير إلى أن بعض باباوات الألفية الأولى وُلدوا في شمال إفريقيا أو كانوا من أصل إفريقي، مضيفةً أنه رغم ندرة التفاصيل، يُعتقد أن واحدًا أو أكثر منهم ربما كان أسود البشرة.

كما أشارت الوكالة إلى أن بعض الكرادلة الأفارقة يجري تداول أسمائهم كمرشحين محتملين لخلافة البابا فرنسيس، إلا أن المطلعين على شؤون الفاتيكان يشككون في امتلاك أي منهم فرصة لتولي المنصب، مرجعين ذلك "جزئيًا" إلى عدم تعرضهم لمستوى التدقيق العام الذي يواجهه معظم الكرادلة الغربيين.

وبحسب "رويترز"، من بين رجال الدين الأفارقة المرشحين لمنصب البابا، الكاردينال الغاني بيتر كودو أبياه توركسون (76 عامًا)، ورئيس أساقفة كينشاسا من الكونغو الديمقراطية الكاردينال فريدولين أمبونغو بيسونغو (65 عامًا)، والكاردينال من ساحل العاج إجناس بيسي دوغبو (63 عامًا). ويُعد توركسون من أبرز الكرادلة الأفارقة المتوقعين لخلافة البابا فرنسيس.

وقال رئيس أساقفة أكرا، جون بونافنتورا، "على الرغم من أن هذا أمر لا أستطيع المراهنة عليه، لأن الكرادلة الذين سيختارون البابا ستقودهم الروح القدس، إلا أنه سيكون أمرًا جيدًا لو كان (توركسون) هو البابا القادم، لأن ذلك سيحفّز جميع الأساقفة في القارة". وتشير "رويترز" إلى أن توركسون كان قد تبنّى لهجة أكثر تحفظًا حين قال: "لقد حان الوقت لبدء التثقيف حول قضايا الزواج بين أفراد من نفس الجنس"

تباين الرؤى حول مستقبل القيادة الدينية في الفاتيكان

بالعودة إلى تقرير "واشنطن بوست"، فإنه بغض النظر عن هوية البابا المُقبل، سيكون الكرادلة الأفارقة حاسمين في تحديد اتجاه الكنيسة الكاثوليكية. وعادةً ما تتسم الكنيسة الإفريقية بمواقف أكثر محافظة مقارنة بغيرها من الكنائس في مختلف أنحاء العالم، وقد شهدت السنوات الأخيرة صدامات علنية بين قادة الكنيسة الأفارقة والبابا فرنسيس، خاصة بعد توجيهاته عام 2023 التي سمحت للكهنة بمنح البركة للأزواج من نفس الجنس.

وفي رد مباشر، أصدر قادة الكنيسة في إفريقيا رسالة علنية أكدوا فيها رفضهم لهذه التوجيهات، معتبرين أن علاقات الأزواج من نفس الجنس "تخالف إرادة الله" و"منحرفة بطبيعتها". وقاد هذه الرسالة الكاردينال بيسونغو، رئيس أساقفة كينشاسا، والذي يُعد من الشخصيات البارزة المطروحة كمرشح محتمل لخلافة البابا فرنسيس.

كما يبرز بين المرشحين الأفارقة أيضًا الكاردينال توركسون، المعروف بتقاربه مع البابا فرنسيس في قضايا المناخ، ويُنظر إليه باعتباره أكثر تقدمية، إلى جانب الكاردينال الغاني روبرت سارة، الذي يمثل التيار المحافظ التقليدي. وبحسب "واشنطن بوست"، يعكس هذا التنوع داخل الكنيسة الإفريقية تباين الرؤى حول مستقبل القيادة الدينية في الفاتيكان.

وقال القس النيجيري أنيدو إن التركيز الغربي على الليبرالية، خصوصًا في "قضايا مثل زواج المثليين والإجهاض"، كان "كارثيًا على الكنيسة". وأوضح أن التعدد الزوجي يمثل تحديًا آخر داخل المجتمعات الكاثوليكية الإفريقية، مضيفًا أن الكرادلة سيبحثون عن بابا "منفتح على الحوار"، مع الحفاظ على وضوح العقيدة وسط قضايا معقدة.