20-مارس-2017

من المسرحية

تخلق مسرحية "الغلطة" التي أنتجها "مسرح عبد القادر علولة" في مدينة وهران، وأوكل مهمّة الإشراف على إخراجها لمولاي ملياني مراد محمّد، المعروف في الوسط المسرحي الجزائري بـ"الرعد"، جملةً من الارتباكات لدى مشاهدها، بدءًا بتصنيفها، رغم أن الجهة المنتجة تقدّمها على أنها فكاهية، حتى تستقطب جمهورًا أكبر، غير أنً الحسَّ الفكاهيَّ فيها كان منطلقًا وليس أفقًا، ضمن منطلقات أخرى ذات أبعاد تجريبية، مسّت السينوغرافيا والإضاءة والموسيقى وطريقة تقديم المشاهد خاصّة.

تخلق مسرحية "الغلطة" جملةً من الارتباكات لدى مشاهدها

هذا العناق الجمالي بين ما هو واقعي وفكاهي وتجريبي في الوقت نفسه، جعل ضحك المتلقي يثمر التأمّل، وتأمّلَه يثمر الضّحك، حيث يقع في الارتباك الثاني، وهو حيرته بين أن يُشاهد العرض، أم يجيب على جملة الأسئلة التي تطرحها عليه ذاته فورًا، وهي تقف أمام مرآتها، خاصّة تلك التشوّهات الفكرية والنفسية التي نجمت عن عدم إدراك الفرد والجماعة معًا للتحوّلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في ظل ثقافة الارتجال التي باتت تنخر الفضاء الجزائري.

اقرأ/ي أيضًا: "طه".. مونودراما فلسطينية في جولة دولية

يبدو الموضوع المطروق للملتقي، في البداية، أو كما قدّمه له ملخص العرض في المطوية الإشهارية، مستهلكًا حدّ الابتذال، لكن سرعان ما يراه خطيرًا، لأن وعي الكتابة تحالف مع وعي الرؤية الإخراجية، للفت انتباهه إلى زواياه المغايرة التي غفل عنها، إلى درجة أنها أصبحت قادرةً على تهديد استمتاعه بحياته.

يعيش معلم ذو دخل بسيط (الممثل أمين رارة) في سعادة عميقة مع زوجته الماكثة في البيت (الممثلة أمينة بلحسين)، في مقابل تعاسة تعيشها صديقتها (الممثلة بحرية زاوش) التي ارتبطت برجل يكبرها سنًّا بسبب ثروته (الممثل مصطفى ميراتية)، إلا أنها تخفي تلك التعاسة، وتفخّخ رأس صديقتها زوجة المعلم بحكاياتها عن رحلاتها في العالم والهدايا التي تحظى بها من زوجها، حتى جعلتها تتبرّم من عيشتها وتطمح إلى عيشة أفضل منها.

هنا، تتدخل الأم (الممثلة فضيلة حشماوي) لإقناعها بأن تفرض على زوجها بأن يسمح لها بالخروج إلى العمل، حتى تصبح ميزانية البيت مضاعفةً، وهو ما يرفضه الزوج في البداية، ثم يرضخ له مكرهًا، وهو ما كان مقدمةً لمشاكلَ وحرماناتٍ بالجملة، فقد أصبحا لا يلتقيان إلا عند الباب، أحدهما في حالة دخول فيما الآخر في حالة خروج، وأصبح مطبخ البيت في حالة عطلة دائمة، فما يُؤكل بات يُجلب جاهزًا من المطاعم، أما السّرير، وهو القطرة التي أفاضت التشنج، فقد ظلّ محافظًا على هيئته المرتبة لقلة النائمين فيه.

في المسرح، يتحالف وعي الكتابة مع وعي الرؤية الإخراجية

تتدخل الأم مرة ثانية لإقناع ابنتها بأن تقنع زوجها بأن يسمح لها باستقدام خادمة، وهنا يأخذ العرض منحًى مختلفًا، بنشوء علاقة بين الزوج والخادمة، في ظلّ إحساسه بالإهمال والبرودة العاطفية، فلا تلبث أن تصبح زوجةً ثانية له، وهو ما يضع الزوجة الأولى أمام وضع محرج لا تدري معه هل ترضى بنصف زوج أم تخسره تمامًا. تتخلّل ذلك كلَّه حكاية ميلود الذي طلّق زوجته من قبل، بسبب المشكل نفسه.

اقرأ/ي أيضًا: "مسرح القوس" في الجزائر.. الأسرة البديلة

لم تحافظ الرؤية الإخراجية على البعد الخطّي للحكاية، كسرًا للروتين الذي كان سينتج عن ذلك، بل قدّمها في شكل مشاهدَ متداخلةٍ، مستعينًا بالإضاءة التي كانت جديرةً بجائزة أفضل ممثل مساعد في العرض. لماذا لا تمنح لجان التحكيم جائزة التمثيل للإضاءة التي تلعب دورًا حاسمًا في هذا الباب، خاصّة في المهرجانات التي تعنى بالمسرح التجريبي؟ ومن خلال السينوغرافيا التي صُمّمت بوعي عالٍ جعلها في خدمة الحالات والمشاهد والمواقف، بما أعطى للممثلين حرية التحرك فوق الخشبة، سواء في حالة مواجهة القاعة، أو خلف الستار الشفاف، الذي شهد الحالات التي كان يتخيّلها الممثلون.

أدرك الموسيقي محمد زامي هذه الأبعاد، فتشرّبها في الفواصل الموسيقية التي ترجمت أحاسيس المشاهد المقدمة، حزنًا وفرحًا وحيرة وشغفًا وفضولًا وغضبًا وسخريةً، مستلهمًا مختلف الطبوع الموسيقية الجزائرية، وذهب بعيدًا في انسجامه مع الرؤية الإخراجية، فجعل العزف على الكمان حيًّا، من خلال عازف كان يجسّد الحالات عزفًا وحركة، وهو ما أثمر الحصول على جائزة أفضل موسيقى في الدورة الأخيرة لـ"المهرجان الوطني للمسرح المحترف"، إلى جانب جائزة أفضل تمثيل رجالي (مصطفى ميراتية)، كما تمّ ترشيح مولاي ملياني مراد محمد لجائزة أفضل إخراج. 
 

اقرأ/ي أيضًا:

دحو فرّوج: لنحرّرْ مسرح الطفل من سذاجتنا

هل ثمة "مسرح احتجاجي" عربي؟