الغراب.. طائر تشاؤم الشعوب
21 مايو 2025
ترسخ في الوجدان الشعبي العربي منذ عهود سحيقة بأن الغراب يُعد رمزًا للتشاؤم والخراب. بل إن نعيقه أصبح مرادفًا للفزع والتوجس من اقتراب حدوث أمر غير مستحب. وهكذا من جيل لآخر أصبحت الغربان تعبيرًا عن الخوف من المجهول والمصير المحتوم. بل إن بعض العرب يصفوه بأنه "أول حانوتي على الأرض"، لأنه علَّم الإنسان كيف يدفن الموتى. وذهب العرب في اعتقادهم إلى أنه "إذا صاح الغراب مرتين، فهو شر، وإذا صاح ثلاث مرات فهو خير على قدر عدد الحروف" كما يخبرنا الجاحظ في كتابه الشهير "الحيوان".
ويأخذ الغرب بُعدًا آخر في المرويات التاريخية، فهو من أرسل النبي "نوح" لاستطلاع أحوال الأرض بعد الطوفان، لكنه سرعان ما انشغل بجيفةٍ ولم يعد مرة أخرى لينقل الأخبار. ويعتقد البعض أن الغراب مبعوث من الله دون أسرة، استنادًا للآية الكريمة "فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين" (31) سورة المائدة.
يقول الباحث فؤاد مرسي في كتاب "تمثلات الطير في الثقافة الشعبية": "فالإنجليز يعتقدون أن الغراب يزور جهنم في منتصف الصيف من كل عام، ويدفع راتبًا للشيطان، عبارة عن مجموعة من ريشه، ويبدو أن السبب في ذلك غياب الطائر في فصل الصيف. ولما كان الناس يجهلون هجرة الطيور فقد صدقوا هذه الأسطورة، وإن كان "بلوتارخ" المؤرخ اليوناني يستخدم الغراب في إحدى مقالاته كرمز للعفة. يقول: "إنه مخلص لزوجته فهو لا يتزوج مرة أخرى إذا فقد رفيقه إلا بعد تسعة أجيال من البشر".
وكذلك الحال بالنسبة إلى الأمريكيين الأصليين في أمريكا الشمالية، حيث يعتقدون أن غرابًا ألقى الحصى في المحيط الأزرق لتشكل بذلك قارات العالم في النهاية. وكان هو ذاته نذير الشؤم في مسرحية "ماكبث" لوليام شكسبير.
ومن بين الأساطير الغريبة التي يوردها الباحث في الكتاب ذاته، إحداها لدى سُكان "ويلز" الذين يعتقدون أن أكل قلوب ثلاثة غربان يكسب الإنسان مناعة ضد الاعتداء عليه من الأخرين. وفي التراث الدنماركي حضوره يعني مجيء الموت لراعي الكنيسة.