11-أبريل-2018

كالعادة، لن تقابل جريمة الأسد بحق أطفال دوما، بأي رد فعل غربي مؤثر (أسوشيتد برس)

قبل أيام، شهدت مدينة دوما بالغوطة الشرقية، مجزرة كيميائية نفذتها قوات الأسد على مرأى ومسمع العالم. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يستخدم فيها الأسد السلاح الكيميائي ضد المدنيين، سبق وأن تكرر الأمر عدة مرات بدءًا من 2013، ولم يتحرك الغرب ضد جرائم الأسد وحلفائه، رغم كل التنديدات الغاضبة وربما التهديدات اللحظية، التي ما تلبث أن تهدأ فورتها، قبل أن تتكرر مجزرة أُخرى. "لا تعوّلوا على الغرب"، هي النتيجة النهائية التي توصل إليها الكاتب الصحفي البريطاني ماثيو دانكونا في مقاله المنشور بالغارديان، والذي ننقله لكم هنا مترجمًا بتصرف.


أصبح الضمير غائبًا في عصرنا، وإن ظهر يومًا، فما يلبث أن يختفي فورًا. يتألم العالم بسب الصور المروعة التي نُشرت من دوما، بالغوطة الشرقية، قرب العاصمة السورية دمشق، حيث قتل العشرات وأصيب المئات بجروح جراء هجوم من نظام الأسد بالأسلحة الكيميائية.

أصبح الضمير غائبًا في عصرنا، وإن ظهر يومًا كنوع من أنواع الطقوس، فإنه ما يلبث أن يختفي فورًا

ومع صور الأطفال القتلى والمصابين الذين تمتلؤ أفواههم بالزبد، تنتشر الإدانات ودعوات التدخل في موجة عالمية مما يسميه مارتن أميس "فصيلة الخزي"، فلقد أصبح نمط الاستجابة للكوارث السورية نوعًا من الطقوس.

اقرأ/ي أيضًا: سماء دوما ممطرة بكيماوي الأسد.. التطهير العرقي مستمر

لم يكن الأمر مختلفًا بعد الهجوم الكيميائي لنظام الأسد على الغوطة في آب/أغسطس 2013، أو عندما أصبحت صورة الطفل آلان الكردي، رمزًا للعار في عام 2015، أو في السنة التالية، حين نشرت صورة عمران دقنيش، وهو صبي صغير أُنقذ من تحت الأنقاض في حلب، وظهر في الصورة مغطى بالدم والغبار، أو في نيسان/أبريل الماضي، عندما أطلق الرئيس ترامب، الذي ادعى أنه تعرض للصدمة من مشاهد الرعب الناجم عن هجوم غاز السارين على خان شيخون؛ 59 صاروخ كروز من طراز توماهوك على مطار الشعيرات في غرب سوريا.

في ذلك الوقت، أعلن ريكس تيلرسون، الذي أقيل من منصبه  كوزير للخارجية، أن سياسة الولايات المتحدة هي أن "عهد عائلة الأسد يقترب من نهايته". إذا لم يرق ذلك لفلاديمير بوتين، راعي  بشار الأسد، فإن هذا لا يهم. ومع ذلك، كما هو الحال في كثير من الأحيان، كانت مجرد ثورة غضب عابرة.

فمنذ أن هنأ ترامب بوتين على إعادة انتخابه عبر الهاتف، أخذ ترامب يشير إلى نيته في الانسحاب من الصراع، وجعل شعار "أمريكا أولًا" نصب عينيه. بالطبع، كبحت المشاهد الجهنمية في دوما رغبة ترامب في الانفصال عن الصراع السوري، على الأقل في الوقت الراهن. لقد نشر تغريدة عبر تويتر، بطريقته المعهودة: "إن الرئيس بوتين وروسيا وإيران هم المسؤولون عن دعم الأسد الحيوان. الثمن غالٍ. كارثة إنسانية أخرى بدون أي سبب على الإطلاق. شيء مقزز".

ولكن أي نوع من الاستجابة ستلي ذلك، وإلى متى؟ مثل الشهاب، سوف يضيء الاشمئزاز العالمي السماء الجيوسياسية لبرهة، ويجبر رؤساء الحكومات في جميع أنحاء العالم على أن يعبروا عن غضبهم علنًا. ستُناقش هذه القضية بقوة في الأمم المتحدة، وقد يصدر قرار من مجلس الأمن، وفي أحسن الأحوال ستزيد التبرعات للمنظمات الإغاثية. ثم لن يحدث شيء كبير ومؤثر.

لن يمضي الكثير من الوقت قبل أن تنتزع صور دوما من المشهد، لتحل محلها فضيحة رياضية أو أحدث مشروع تجاري تقيمه عائلة كارداشيان. ستتحول تصريحات النوايا الراسخة التي تصدرها المنظمات الدولية إلى حالة من الجمود البيروقراطي. وستبدأ الدورة مرة أخرى.

لن يمضي الكثير من الوقت قبل أن تُنتزع صور دوما المروعة من المشهد الغربي، لتحل محلها فضيحة رياضية أو أحدث صيحات عائلة كارداشيان!

ما كان لذلك أن يحدث. كانت هناك لحظة، بعد مذبحة الغوطة، كان من الممكن إجبار الأسد على التفاوض من خلال حملة عسكرية ودبلوماسية مستمرة ومنسقة. كان من شأن وقف إطلاق النار المُطوّل أن يحقق الاستقرار في المنطقة، وأن يحجم فصائلها المتحاربة، وأن يعطي على الأقل بصيصًا من الأمل في إمكانية التوصل إلى سلام مستدام، وربما يتضمن تقسيمًا معقدًا لسوريا التي يسيطر عليها حزب البعث.

اقرأ/ي أيضًا: كلاسيكو الأمم على ملعب الشرق الأوسط

كان سيتطلب الأمر إرسال عدة آلاف من قوات حفظ السلام المفوضة من الأمم المتحدة، وكذلك إعادة بناء البنية التحتية للدولة الممزقة. كان يمكن أن تكون المهمة هائلة ومطولة ومكلفة، أي كل الأشياء التي من المفترض أن تتجنبها السياسة الخارجية في القرن الـ21. لكنه على الأقل أمر كان يمكن تصوره.

لقد ولدت هذه الإستراتيجية ميتة لأسباب عديدة، أحدها، وللأسف، هو رفض زعيم حزب العمال البريطاني السابق إد ميليباند في آب/أغسطس 2013، دعم دعوة رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون، في مجلس العموم، لرد عاجل على الهجوم الكيميائي على الغوطة.

لماذا سمحنا بهذا؟

أولًا: فشل الغرب بشكل واضح في التعافي من صدمة غزو العراق. حتى يومنا هذا، تظل الكلمة ذاتها اختزالًا للعار الوطني، ويؤدي ذكرها إلى إفشال أي مناقشة تقترح العمل العسكري من أي نوع.

لقد أصبحت بمثابة حق النقض/فيتو الذي يستخدم بدون مبرر من قبل أولئك الذين يعارضون حلف شمال الأطلسي/الناتو، أو إجراءات الأمن الداخلي ضد التطرف، أو أي شيء آخر. في كثير من الأحيان، لم ينتج عمّا حدث في العراق حذرًا معقولًا، وإنما مماطلة مزيفة.

ثانيًا: ليس لدى الغرب خطة قابلة للتنفيذ بشأن روسيا. بعد أن رفض الغرب دخول الكتلة السوفييتية السابقة إلى زمرة المعسكر الغربي مع خطة مشروع مارشال. وافترض الغرب بدلًا من ذلك أن الانتخابات العادية والسوق الحرة من شأنها أن تؤدي الغرض، ليصبح الغرب الآن غير متأكد من كيفية التعامل مع الوضع الذي آلت إليه روسيا

يبدو أن الغرب غفل عن عقيدة بوتين: المصير الوطني، والاستبدادية المتوحشة، والسياسة الخارجية العدوانية. ففي حرب المعلومات، جعل بوتين نصف الكرة الغربي الذي أطلق الثورة الرقمية، يبدون كأغبياء، من خلال إدراكه السريع لكيفية استخدام لعبهم البراقة كأسلحة.

والآن يبتعد العالم، بما في ذلك الغربي، عن القيم التي قننتها الأمم المتحدة، كقبول اللاجئين، أو الاستخدام الجماعي للقوة لوقف الإبادة الجماعية والمذابح بحق المدنيين. فدول غربية الآن تقوم ببناء الجدران لبمنع دخول اللاجئين. وأخرى تتخفف من الديمقراطية تدريجيًا، وتبني الشعبوية الانعزالية  اليمينية. 

يبتعد العالم  الغربي عن القيم التي قننتها الأمم المتحدة، كقبول اللاجئين أو التدخل الجماعي لوقف الإبادة الجماعية والمذابح بحق المدنيين

من أجل ذلك كله، لا يُتوقع أن يُقابل الرعب الذي أثارته جريمة دوما، بإرادة غربية حقيقية لفعل شيء ذي قيمة ومُؤثر، إذ إنّ يقظة الضمير لحظية، ثم وللأسف، ستُستأنف الحياة العادية من جديد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط

جحيم الحرب السورية.. انتكاسة أوروبا الأخلاقية