02-يوليو-2019

أوقع القصف الإسرائيلي على سوريا ضحايا مدنيين (تويتر)

الترا صوت – فريق التحرير

بعد أقل من أسبوع على انعقاد لقاء القدس الأمني بين مستشاري الأمن القومي لإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة لمناقشة التواجد الإيراني في سوريا، قصفت إسرائيل فجر الإثنين مواقع قالت إنها تابعة للميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران في أرياف دمشق وحمص، بالتزامن مع تنفيذ مقاتلات أمريكية ضربة جوية في شمال سوريا أعلنت أنها استهدفت اجتماعًا قياديًا لتنظيم القاعدة.

لا يمكن فصل تداعيات الضربة الإسرائيلية على سوريا عن القصف الأمريكي في شمال البلاد، بالإخص أنه جاء بعد اللقاء الأمني الذي نظمته إسرائيل قبل أقل من أسبوع في القدس

تل أبيب تقصف عشرة مواقع في سوريا

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الضربات الجوية أسفرت عن مقتل 15 شخصًا، بينهم ستة مدنيين، وعنصر واحد من قوات النظام، أما التسعة البقية فهم من جنسيات غير سورية، فضلًا عن سقوط جرحى بينهم حالات حرجة، فيما قالت وكالة سانا التابعة للنظام السوري إن دفاعات النظام السوري الجوية تصدت "لصواريخ معادية" أطلقتها مقاتلات حربية إسرائيلية من الأجواء اللبنانية باتجاه بعض المواقع العسكرية في حمص ومحيط دمشق.

أقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز واشنطن ترسانتها العسكرية.. هل ينتظر الشرق الأوسط حربًا شاملة؟

وأوضح المرصد أن الضربات الجوية استهدفت الفرقة الأولى، ومقرات الحرس الثوري الإيراني في اللواء 91 بجنوب دمشق، ومركز البحوث العلمية وطرق بساتين في ريف دمشق، ومستودعات ذخيرة لحزب الله اللبناني في جرود بلدتي قارة وفليطة في القلمون الغربي، بالإضافة لمركز البحوث العلمية في قرية أم حارتين بريف حمص الغربي، ومطار عسكري بريف حمص الجنوبي يتواجد به مقاتلون إيرانيون ومن حزب الله، وأشار المرصد إلى أن الضربات الجوية قصفت عشرة مواقع عسكرية.

وجاء السياق الزمني للضربات الإسرائيلية بعد ساعات من تنفيذ مقاتلات أمريكية لضربة جوية شمال سوريا، وبحسب القيادة المركزية الأمريكية فإن الضربة استهدفت منشأة لتدريب "عناصر مسؤولة عن التخطيط لشن هجمات في الخارج تهدد الأمريكيين وشركاءنا والمدنيين الأبرياء"، في الوقت الذي كشف فيه المرصد السوري أن الضربة استهدفت اجتماعًا لقيادة تنظيم حراس الدين المتشدد بضاحية ريف المهندسين الأول بريف حلب الغربي، وأسفر عن مقتل تسعة عناصر بينهم ستة قياديين.

وهذه المرة الأولى التي تستهدف مقاتلات أمريكية تابعة للتحالف الدولي شمال سوريا، وكانت مقاتلات سابقة قصفت منتصف آذار/مارس 2017  مركزًا دعويًا لجماعة الدعوة والتبليغ في قرية الجينة في المنطقة عينها، ما أسفر عن مقتل 45 شخصًا، وبحسب المرصد فإن القصف استهداف المركز الدعوي الذي يتبعه المصلى خلال اجتماع لأحد الدروس الدعوية.

ما بين القصف الأمريكي – الإسرائيلي ولقاء القدس الأمني

لا يمكن فصل تداعيات الضربة الإسرائيلية على مواقع عسكرية للنظام السوري والميليشيات الأجنبية عن القصف الأمريكي في شمال سوريا، بالإخص أنه جاء بعد اللقاء الأمني الذي نظمته إسرائيل قبل أقل من أسبوع، وضم إلى جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات ونظيريه الأمريكي جون بولتون، والروسي نيكولاي باتروشيف، وعقب اللقاء الذي عقد بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في أوساكا اليابانية على هامش اجتماعات مجموعة العشرين.

وكما كان متوقعًا فقد أدرج اللقاء الأمني على قائمة جدول أعماله مناقشة التواجد الإيراني في سوريا، ومحاولة تل أبيب وواشنطن استمالة موسكو إليها عبر تقديم ضمانات فيما يخص تواجدها في سوريا، بينما كانت موسكو تسعى لكسب شرعية من الطرفين لإعادة الاعتراف بالنظام السوري دوليًا، ورفع العقوبات الاقتصادية عنه أو اتخاذ خطوات لتخفيضها تدريجيًا.

خلال كلمته في اللقاء الأمني حاول نتنياهو أن يظهر نوعًا من الغطرسة الإسرائيلية فيما يخص الملف السوري حين كشف عن تنفيذ تل أبيب خلال السنوات الثماني الماضية لمئات الغارات الجوية على أهداف إيرانية في سوريا لمنع الإيرانيين من نقل أسلحة متقدمة إلى حزب الله في لبنان، وهو ما قوبل برفض من المسؤول الروسي الذي أكد على أن الغارات الإسرائيلية في سوريا "غير مرحب بها"، وأن "الطريقة الصحيحة للعمل في سوريا اليوم عن طريق الحوار وتعزيز العلاقات بين وزارتي الدفاع".

الواضح أن الأطراف الثلاثة لم تخرج بصيغة واضحة من لقائها الأمني، وهو ما انعكس أولًا في تصريحاتهم التي أدلوا بها عقب انتهاء اللقاء، أو تعليق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صباح الإثنين على الضربات الإسرائيلية، بعدما قال إن موسكو بصدد دراسة الحقائق فيما يتعلق بالتقارير عن الغارة الجوية، مطالبًا الجانب الإسرائيلي بأهمية احترام وتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

 هل توصلت الأطراف الثلاثة لتفاهم في اللقاء الأمني؟

يعكس التطور العسكري الذي شهدته الساحة السورية يومي الأحد – الاثنين حجم التفاهمات بين تل أبيب وواشنطن وموسكو، والذي ظهر واضحًا في محافظة الأخيرة على رأيها فيما يخص الهجمات التي تنفذها إسرائيل ضد مواقع سورية وإيرانية، أو حتى في تنفيذ واشنطن لضربتها العسكرية شمال سوريا، ما يثير الشكوك حول إمكانية التنسيق للضربات العسكرية في سوريا بين الأطراف الثلاثة، بالأخص أن الشمال السوري يشهد حاليًا توترًا بين الأطراف الدولية نتيجة تكثيف المقاتلات الروسية لغاراتها الجوية في المنطقة.

وعلى الرغم من الحظر الذي فرضته موسكو على واشنطن سابقًا بخصوص تنفيذ ضربات جوية في الشمال السوري مع أنها طلبت مرارًا السماح لها باستهداف "مقاتلين محددين"، فإن الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلير يرى أنه "ليس واضحًا ما إذا كانت الغارة الجديدة تأتي في إطار تفاهم جديد تم التوصل إليه، أم أن الولايات المتحدة شعرت بضرورية قصف هؤلاء المقاتلين تحديدًا".

وكشفت مصادر إسرائيلية أن موسكو تعهدت ضمن لقاء القدس الأمني بتقليل كميات الأسلحة التي تنقلها إيران إلى حزب الله عبر سوريا، وتشديد الرقابة على المناطق الحدودية، وإبعاد المليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام عن الحدود الإسرائيلية، فيما قالت مصادر منفصلة إن الهدف إبعاد الميليشيات الإيرانية 80 كم عن الحدود السورية – الإسرائيلية بعدما كان سابقًا 40 كم.

التصريحات الروسية التي لم تخرج عن سياقها السابق تعكس إصرار موسكو على المضي في مواجهة الموقف الإسرائيلي – الأمريكي اتجاه إيران في سوريا، وهو ما يجعلها تحتفظ بورقة ضغط لعقد صفقة مع واشنطن، إلا أنه من الواضح أكثر أن موسكو تريد مفاوضة واشنطن على جميع الملفات الخلافية معها لا ملفات سوريا وإيران فقط، لذا يجمع مراقبون على أن الهدف الأساس من اللقاء الأمني كان في إطار تبادل وجهات النظر لمعرفة مطالب كل طرف.

من جهة ثانية، يشير الصمت الروسي المرفق بتصريحات مشابهة عند حدوث قصف إسرئيلي على مواقع إيرانية في سوريا موافقة ضمنية على ذلك نتيجة تضارب مصالحها مع طهران، فقد توقعت تقارير أمنية إسرائيلية استغلال واشنطن وتل أبيب لعلاقتهما المتطورة مع دول خليجية لإبرام صفقة مع موسكو تقوم على إعادة إعمار سوريا مقابل إخلاء الإيرانيين منها.

لكن هناك رأي مخالف لذلك يبرز من داخل إسرائيل انعكس في توقعات المعلق في صحيفة معاريف العبرية بن كاسبيت، والمعلق العسكري في صحيفة هآرتس العبرية عاموس هارئيل، يتوقع أن يقوم نتنياهو بتصعيد عسكري على إحدى الجبهات لخلق حالة طوارئ أمنية تقنع الرأي العام الإسرائيلي بعدم إعادة إجراء الانتخابات في أيلول/ديسبمر القادم، حيث تفيد تقارير بوجود مخاوف عند نتنياهو من عدم إمكانية نجاحه في الجولة الجديدة من الانتخابات، وتشكيل حكومة يمينية تمرر قانون يمنحه الحصانة من تهم الفساد الموجهة ضده.

لماذا تصمت موسكو عن القصف الإسرائيلي في سوريا؟

تشير المعطيات الأخيرة إلى أن موسكو لا تنوي التدخل في الصراع الإيراني – الأمريكي والإسرائيلي في سوريا، فهي على الرغم من مشاهدة الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة حدتها في الشرق الأوسط بين طهران وواشنطن لا تزال ترفض بيع منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 لإيران، وتسمح بطريقة غير مباشرة لتل أبيب بتنفيذ ضربات جوية على المواقع الإيرانية في سوريا، كون تل أبيب وموسكو لديهما خط ساخن يجري استخدامه بين الطرفين قبل تنفيذ تل أبيب لضرباتها الجوية.

أقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز ترسانتها العسكرية.. ترامب يتبنى خطاب التهدئة اتجاه إيران

وتندرج مساعي موسكو بحسب مراقبين في إطار إبقاء إيران في عزلة دولية ما يعني أنها لن تقف إلى جانب طهران في حال تعرضت لهجوم عسكري إسرائيلي أو أمريكي، ويعزز المراقبون فرضيتهم في أن الدعم الذي قدمته موسكو لقرار طهران بتخفيض التزامها بالاتفاقية النووية ناجم عن رغبتها في إبقاء التوتر بين طهران وواشنطن حتى تبقى المورد الحصري للنفط إلى أوروبا.

تندرج مساعي موسكو بحسب مراقبين في إطار إبقاء إيران في عزلة دولية ما يعني أنها لن تقف إلى جانب طهران في حال تعرضت لهجوم عسكري إسرائيلي أو أمريكي

ويواجه التعاون الإيراني – الروسي في سوريا مجموعة عقبات تمنع الطرفين من تشكيل تحالف لمواجهة باقي الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري، يأتي في مقدمته عدم تفعيل التعاون في مجالات التجارة والصناعة والطاقة بينهما، وتخشى موسكو فرض واشنطن عقوبات اقتصادية على شركات روسية لتعاونها مع طهران، كما أن موسكو فعليًا وضعت قدمًا لها في الشرق الأوسط من بوابة سوريا، فضلًا عن عدم رغبتها بالانجراف للصراع الدائر بين طهران وواشنطن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: تزايد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا.. الأسباب والنتائج

الأسد يستنجد بروسيا لحمايته من إسرائيل