03-سبتمبر-2015

أمست "العودة" أسوأ قرارات المهاجرين الجزائريين (Getty)

يهاجر سنويًا العديد من الجزائريين نحو الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بصفة خاصة، من أجل العمل أو الدراسة، إلا أن عددًا قليلًا منهم يقررون العودة إلى أرض الوطن في محاولة لاستثمار خبراتهم في الجزائر، ليصطدموا بواقع مر يجعلهم يقتنعون عادة بأن "العودة" كانت أسوأ قراراتهم.

تتعدد القصص عن جزائريين عادوا إلى وطنهم فأصابتهم خيبة أمل أو حُطمت أحلامهم

عاد كريم تجاني، شاب جزائري، إلى وطنه سنة 2009 وقرر فتح مشروعه الخاص الذي يرى أنه "سيساهم في تقديم محيط نظيف للجزائريين"، لكنه واجه ويواجه منذ سنوات مساومات ومضايقات من أخطر الشركات الملوثة للبيئة، حسب تعبيره. درس كريم في باريس الأدب المعاصر واللغات وامتهن الموسيقى وقضى فترة طويلة لا يزور خلالها الجزائر إلا في العطل.

يتحدث كريم عن دافع عودته لوطنه الأم لـ"الترا صوت"، "شعرت أن الجزائر تحتاجني كما تحتاج أبناءها الذين كانوا خارجها أثناء العشرية السوداء لأنهم لم يمروا بعذاب تلك الفترة ولديهم نفس جديد". لكنه واجه الكثير من الصعوبات منذ إطلاق مشروعه سنة 2010، تحت اسم "نوارة"، والذي كان أول موقع إلكتروني يهتم بالبيئة في الجزائر.

أما حنان، والتي أثارت قضيتها تعاطف الشعب الجزائري بعدما تناولتها وسائل الإعلام المختلفة فقد تحصلت سنة 1999 على منحة دراسية إلى بريطانيا من قبل الرئيس الجزائري رفقة 40 طالبًا، بعد تفوقها في البكالوريا/ الثانوية العامة.

وفي بريطانيا، درست حنان الطب والجراحة عن طريق تغطية الدولة لكافة تكاليف دراستها المادية، وعندما تخرجت سنة 2008 كانت الوحيدة من بين الطلاب المبعوثين التي قررت العودة للوطن لخدمة أبناء قريتها‬ في محافظة أدرار، جنوب غربي الجزائر، لتقابل برفض مسؤولي وطنها معادلة شهادتها وعدم الاعتراف بها.

وحالة الطالبة المتفوقة حنان لا تختلف كثيرًا عن حالة الباحث في الفيزياء النووية لمين مرير، الذي انتحر في الجزائر سنة 2001، بعدما كان أستاذًا في جامعة ميتشغان الأمريكية. وكان الباحث قد قرر العودة من أجل نقل خبرته لأبناء وطنه ليجد نفسه يقف في طابور طويل مع العاطلين الباحثين عن عمل في أي وظيفة مقابل أي مبلغ زهيد.

أما كمال، شاب جزائري من عشاق عالم البحار، فقد تعلم الغطس في بومرداس، محافظة في شمال الجزائر، وأصبح تدريجيا مدربًا وغواصًا محترفًا. قرر الغواص الهجرة إلى أوروبا سنة 2005 واشتغل في مجال الغطس وتصوير أغوار البحار في شركة تصوير أفلام وثائقية.

خلال خمس سنوات من العمل في هذا المجال، اكتشف كمال متعة الغطس وفنونه وخاصة قوانينه ولوازمه الضرورية، قبل أن ينتقل للعمل بمجال اللؤلؤ. كان يغطس إلى عمق البحر، أين توجد صناديق اللؤلؤ على عمق 70 إلى 80 متر تحت الماء، من أجل "تغذيتها".

بعد أكثر من 6 سنوات من العمل في مجال الغطس بأوروبا، عاد كمال لبلده سنة 2011 أين اكتشف أن في الجزائر لا يُحترم القانون الدولي للغوص، وتغيب "غرفة التخلص من الضغط" الضرورية من أجل سلامة الغواص الصحية وتجنيبه التعرض للإصابة بجلطة دماغية، وتغيب أيضًا عديد المستلزمات الأخرى.

ما يرويه المهاجرون الجزائريون عن عودتهم إلى وطنهم ساهم في تكريس هجرة الأدمغة وتواصل جنوح الشباب نحو الهجرة

يتحدث كمال لـ"ألترا صوت"، "الغرفة ضرورية جدًا، ومن المفروض أن يبقى كل غواص داخلها 24 ساعة بعد عمله في أعماق البحار حتى لو لم يكن يعاني من أية أعراض". يقول كمال إنه يئس في محاولة إقناع الغواصين بالمطالبة بحقوقهم وتحسين ظروف عملهم، ما جعله يفكر في العودة من جديد إلى أوروبا.

تتعدد القصص عن جزائريين عادوا إلى وطنهم فأصابتهم خيبة أمل أو حُطمت أحلامهم. وتكرس تدريجيًا في المخيال الشعبي أن قرار "العودة" هو أحد أسوأ القرارات خاصة إذا كانت وضعية المهاجر مريحة وجيدة في بلد الإقامة مما ساهم في تكريس هجرة الأدمغة وتواصل جنوح الشباب نحو الهجرة.