07-ديسمبر-2024
كانت حلب أولى المدن المحررة في عملية ردع العدوان (منصة إكس)

كانت حلب أولى المدن المحررة في عملية ردع العدوان (منصة إكس)

مع تقدّم فصائل المعارضة السورية وسيطرة على مناطق واسعة، عاد الكثير من المقاتلين إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها بعد أن سيطر النظام السوري عليها بدعم روسي وإيراني.

في مدينة حلب، التقت بحرية بكور بابنها محمد، واحتضنته وتشاركا الدموع فرحًا باللقاء بعد غياب طويل طال انتظاره. فقد عاد محمد إلى المدينة بعد انسحاب قوات النظام منها إثر الهجوم المباغت لفصائل المعارضة.

تقول بكور، البالغة من العمر 43 عامًا، لوكالة "فرانس برس"، وهي تعانق ابنها: "كنت أحصي الدقائق والساعات لرؤيته. لم أتوقع أن يحصل ذلك. كنت أظن أنني سأموت قبل رؤيته"، وأضافت: "الحمد لله أنني رأيته.. وكأن الدنيا كلها ضحكت لي".

في مدينة حلب، التقت بحرية بكور بابنها محمد، واحتضنته وتشاركا الدموع فرحًا باللقاء بعد غياب طويل طال انتظاره. فقد عاد محمد إلى المدينة بعد انسحاب قوات النظام منها

وكان محمد جمعة، البالغ من العمر 25 عامًا، من بين عشرات الآلاف من سكان حلب ومقاتلي المعارضة الذين تم إجلاؤهم من المدينة نهاية عام 2016، إثر اتفاق تسوية رعته روسيا وفرض سيطرة قوات النظام السوري على المدينة بالكامل، بعد أن سيطرت فصائل المعارضة على أحيائها الشرقية منذ عام 2012.

وبعد دخول فصائل المعارضة إلى مدينة حلب خلال عملية "ردع العدوان"، عاد محمد، الذي استقر في مدينة عفرين الواقعة على بعد نحو أربعين كيلومترًا من حلب، حيث عمل في نقل المياه بصهريج، إلى مسقط رأسه.

في غرفة متواضعة ذات جدران إسمنتية، جلست بكور رفقة ابنها على مقعد وحيد، تمسك يديه وتقبلهما دون توقف، وتقول بتأثر: "الله وحده يعلم فرحتي". وأخبرت مراسل "فرانس برس" أنها نذرت أن تصوم سبعة أيام، وتقدّم الطعام في بيتها لسبعة أيام، وأن تقبّل الأرض التي يمشي عليها ابنها إن عاد إليها.

في زقاق أمام المنزل، جلس أقارب محمد وجيرانه الذين توافدوا للتهنئة، وسألوه عن أحواله وهم يتحدثون عن التطورات الأخيرة. وفي منزل العائلة يراقب محمد، الذي ارتدى سترة عسكرية ولفّ رأسه بكوفية حمراء وبيضاء، والدته وهي تقوم بواجب الترحيب بالضيوف. ويقول لـ"فرانس برس": "خرجت من حلب بعد أن سيطر النظام عليها. كنا نعلم أنه لا يمكننا البقاء فيها لأنه يصنفنا كإرهابيين. حوصرنا وخرجنا من حلب". ويضيف: "لا أصدّق حتى الآن أنني عدت إلى حلب.. أهلي كلهم هنا"، معربًا عن فرحة لا توصف بعودته.

سيطرت قوات النظام السوري على المدينة عام 2016، بعد معارك استمرت سنوات مع المعارضة. وتعرضت المدينة لقصف مكثف وعنيف وحصار خانق انتهى بإجلاء 35 ألف شخص، بين مقاتلين ومدنيين، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتوجه المغادرون إلى ريف حلب الغربي وإلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.

منذ ذلك الوقت، لم يعد محمد إلى مدينته، التي يقول إنه وجد شوارعها قد تغيّرت قليلًا، لكنه يشدد على أنها "بلدنا، أرضنا هنا وقلعتنا هنا". لكن هذه الفرحة العارمة لا ينغّصها سوى غياب والد محمد، الذي اعتقلته قوات النظام بعد سيطرتها على المدينة. ويقول: "ما أتمناه الآن فقط هو عودة أبي. لا نعرف عنه شيئًا".

ومن بين العائدين أيضًا أحمد عرابي، البالغ من العمر 35 عامًا، الذي غادر حلب قبل سبع سنوات باتجاه محافظة إدلب مع زوجته وطفلته الرضيعة أسيل. لكن شدة القصف على إدلب، التي يقيم فيها حاليًا أكثر من خمسة ملايين شخص، دفعت زوجته إلى العودة مع طفلته إلى منزل عائلتها في حلب.

لم يتوقع الناشط الإعلامي المعارض أن يطول غيابه عن مدينته إلى هذا الحد. ويقول لـ"فرانس برس": "بعد التهجير، كانت العودة بمثابة حلم. عندما بدأت المعارك، لم أنتظر. كنت أود رؤية ابنتي".

ويضيف: "قبل يوم من المعركة، تحدثت معها عبر الفيديو. في اليوم التالي، قررت أن أنطلق. لم يكن الطريق ممشطًا بشكل كامل. وصلت إلى الحي وبدأت أناديها باسمها.. عندما شاهدتها، كانت أجمل لحظة أعيشها". ويتحسّر عرابي على السنوات الماضية، قائلًا: "لم أعش مشاعر الأبوة. لم أتمكن من عناقها وتقبيلها على مدى سنوات".

ويصطحب عرابي طفلته، التي لا تفارق الابتسامة وجهها، وهي ترتدي ثيابًا ملونة وتحمل حقيبة من القش، إلى حديقة في حلب. كان يحملها ويقبّلها، ثم ينظر إليها وهي تلعب، بينما تعلو ضحكات الأطفال وسط زحمة الرواد.

يتمنى الناشط المعارض أن تتذكر ابنته ذهابها إلى الحديقة مع والدها، حيث لعبوا والتقطوا الصور. بالنسبة إليه، "هذه أسعد اللحظات بالنسبة للأب". ويضيف: "حلب حلم لكل حلبي.. لكل شخص يعيش في الخارج وعاد.. حلب أم وأصالة، وهي تستقبل الجميع".