22-أبريل-2021

غرافيتي في أنقرة (Getty)

كما ابتكرت الكهوف الأولى لغتها البصرية بالرسم على الجدران، تبتكر كهوفنا المعاصرة لغتها أو لغاتها.

بشكلٍ ما، ورغم الدوافع السحرية، جعل أسلافنا من جدران الكهوف تتكلم، ومثلما استعملوها كمنصة يطلّون منها على العالم الخارجي، كانت كذلك منصتهم التي يطلون منها على المستقبل، علينا نحن الآن، وعلى كل من جاء قبلنا منذ اكتشاف محتويات المغائر.

هل ستحّل الإيموجي محلّ اللغة؟ هل يمكن أن تكون نوعًا من نظام جديد للكتابة؟ هل اللغات البشرية في خطر؟

بالقياس إلى ذلك، تقدّم كهوفنا المعاصرة لغةً صورية أبجديتها الإيموجي (Emoji) والملصقات (Stickers). لم يحدث ذلك دفعةً واحدة طبعًا، ففي العقد الأخير الذي ازداد فيه اللجوء إلى المنصات، أو كهوفنا المعاصرة، ازدادت عمليات التحديث، بناء على قراءة بيانات المستخدمين وتحليلها، وبدأت هذه المنصات تدعم كل ما هو بصري أكثر من دعمها لما هو مكتوب، ولهذا لاحظنا صعود الصور والفيديو بشكل كبير مع تراجع للغة المكتوبة، إلى درجة بات أحدنا يتساءل: ألا يكتب الناس؟ هل نحن في عصر الأمية؟

اقرأ/ي أيضًا: "كلوب هاوس" بئر الأصوات

من المعروف أن شبكة الإنترنت منذ بدايتها اخترعت رموزًا كثيرة للكتابة مثل علامتيْ: @ أو #، في سياق لغة البرمجة نفسها القائمة على الرموز، إلا أن تطورات الحياة السوشيالميديّة منحت الإيموجي، أو الرموز التعبيرية، شعبية كبرى، ما جعل المنصات تتسابق في ابتكار الجديد منها، اعتمادًا على صيغة الوجوه الصفراء التي صنعها الياباني شيجتاكا كوريتا عام 1998، بغرض نشر الإيجابية.

اليوم يحتفل العالم، في السابع عشر من تموز/يوليو، باليوم العالمي للإيموجي، كما أن فنلندا طرحت رسميًّا في 2015 مجموعة من الإيموجيات الوطنية الخاصة بها وبثقافتها، وفي العام نفسه اختير رمز "الوجه ذو دموع الفرح" كلمةً للسنة من قبل معجم إكسفورد، أي اعتمد كلمةً رغم أنه صورة. إلى جانب ذلك جعلت سكايب (Skype) الرموز التعبيرية متحركةً، فيما قامت تلغرام (Telegram) بجعل كلٍّ منها يتحوّل إلى إحدى الشخصيات المشهورة، حسب رغبة المستخدم، خلال المراسلات.

يشهد العالم صعود الصورة الكاسح منذ منتصف القرن العشرين، بالترافق مع صعود التلفزيون. وخلال ما يزيد على سبعين عامًا من البث أزاحت الصور الكلمات وحلّت محلها، وما تحوّل الإيموجي إلى أيقونة إلا لأنّ الإنترنت يدرك مكامن قوة وضعف التلفزيون، ولهذا استفاد، خصوصًا زمن المنصات، من أنّ أنماط التفكير العامة نحو البشر تميل نحو الصورة، كونها تتميز بنزعة عاطفية لا تحتاج إلى جهد تحليليّ، إضافة إلى ملاءمتها للترفيه نتيجة كثافة دلالاتها وسهولة تداولها.

هل ستحّل الإيموجي محلّ اللغة؟ هل يمكن أن تكون نوعًا من نظام جديد للكتابة؟ هل اللغات البشرية في خطر؟ تلك هي الأسئلة التي تشغل العلماء والمفكرين في اللحظة الراهنة، ولا نراها تبتعد عن أسئلة مشابهة تعلو نبرتها في الحياة في الفترات التي تنبئ عن تحّول، ربما طرحت مثل هذه المخاوف إبّان اتخاذ بعض الجماعات الأولى قرار الانتقال إلى تربية الماشية وهجرة حياة الصيد، وربما طرحت أيضًا إبّان بدء تباشير التحوّل من السحر إلى الدين، وكذلك من الشفاهية إلى الكتابية.

مارسيل دينيسي (Marcel Danesi) الذي انشغل بهذا بدلالات هذا الموضوع، وكتب فيه كتابًا بعنوان "سيمياء الإيموجي"، لا يبدو خائفًا من هذه التحولات، إذ يقول: "مع ظهور وانتشار الرموز التعبيرية، التي حلت الآن محلَّ المشاعر تقريبًا، هناك إمكانية لتقدم ثانٍ، يتميز بنوع من استرجاع الكتابة التصويرية المندمجة بالكتابة الأبجدية. إذا نما هذا الاتجاه، وتطور إلى لغة كاملة صوتية مكبرة بالصور، يمكن للمرء أن يجادل بأنه يضع الأسس لحضارة عالمية جديدة مستندة إلى لغة بصرية مشتركة، أو بشكل أدق لنظام هجين للكتابة. إذا كان الأمر كذلك، فإن الطريقة التي نقرأ ونكتب بها الرسائل لا تختلف اختلافًا جذريًا عن الماضي فحسب، بل قد تشير أيضًا إلى حدوث تحول جذري في الوعي والإدراك الإنساني، بعيدًا عن أسلوبها الخطي والحرفي في معالجة المعلومات نحو أسلوب أكثر شمولية وإبداعية".

لكننا في حياتنا السوشيالميديّة لا نرى أن الابتسامة تعني الابتسامة تمامًا، فكثيرًا ما نستعمل الرموز التعبيرية في غير مكانها وسياقها، على الرغم من أنّ هناك قاموسًا لمعانيها. في اللغة السوشيالميديّة، والحياة السوشيالميديّة، ومع الشخصيات السوشيالميديّة؛ يجب أن نعرف أن هذه الابتسامة تأخذ معنى الغضب مرًةً، ومرةً ثانية معنى الضجر.

عمليًّا لا تستطيع الإيموجي أن تصمد لأكثر من جملة واحدة، وصلاحيتها الوحيدة، في الوقت الحالي على الأقل، تقتصر على أنها تطعّم نصوص المحادثات كعلامات ترقيم أحيانًا، لكن بوظائف جديدة تنقل الشعور.

مارسيل دينيسي: "مع ظهور وانتشار الرموز التعبيرية، التي حلت الآن محلَّ المشاعر تقريبًا، هناك إمكانية لتقدم ثانٍ، يتميز بنوع من استرجاع الكتابة التصويرية المندمجة بالكتابة الأبجدية"

من وجهة نظر شخصية، أعتقد أن الإيموجي الذي تطوّر كثيرًا منذ ظهوره إلى يومنا وصل إلى نقطة الذروة في مساره التطوريّ عندما صارت البرامج قادرة على أن تحوّل وجوهنا، نحن السوشيالميديّين، إلى رموز تعبيرية، فبدلًا من الوجه "الضاحك ذي الدموع" صرتَ ترسل وجهكَ أنت مع دموعك التي يصنعها لك البرنامج، كذلك ترسل قبلةَ شفاهك وعناق يديك نفسيهما.

اقرأ/ي أيضًا: كاثي أونيل: الرياضيات "ستربتيز" مجاني

فلنتذّكر أنَّ انتقالًا مهمًا جرى بين العصرين الحجريين القديم والجديد، تمثّل في الانتقال من النزعة الواقعية إلى النزعة التجريدية، فيما يجري الانتقال في الحياة السوشيالميديّة سالكًا طريقًا معاكسًا، من لغة التجريد إلى لغة التجسيد، ناهيك أن هناك حرق مراحل هائلًا لا يجعل الأمر طبيعيًا، ذلك أن الطبيعي يحتاج من الوقت قرونًا، بينما ما نراه يحدث، بشكل مؤكّد، لأنّ المنصات ذاتها هي التي تقود عملية التغيير، بكلمة أخرى؛ هي التي تصنعه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جناية الإنترنت.. هل يجعلنا جوجل أغبياء حقًا؟